«أنا ربنا خلقنى دكتور أوصّف الحالة، وفلاسفة العالم ورؤساء مخابرات العالم وكل منهم فى العالم نصح من نصح بأن يستمع لما أقول لأنى فاهم كل حاجة»، هذه هى الخلاصة لواحد من تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى العفوية فى زيارته الأخيرة لألمانيا! وطبعا لن يتخلى معارضوه عن مثل هكذا فرصة ذهبية للتشهير به، بل ولتشبيهه للأسف بالرئيس المعزول فى غرابة تصريحاته، الذى كنا نعيب عليه ارتجالاته العجيبة، التى وصل بعضها إلى حد إحراج مصر شعبا وحكومة! بغض النظر عن انتهاز معارضى الرئيس السيسى هذه الفرصة، لأنهم غالبا ليس لديهم أى تصور لأى بديل، وبالتالى يكتفون بالنقد الهدام والسخرية اللاذعة، والتى قد تجد هوى وصدى فى نفس البعض، فإن الرئيس ذهب بعيدا هذه المرة فى منحهم الفرصة، فتصريحه لم يكن موفَّقا بالمرة، وبالمناسبة لا يصح أن نعيّر رئيسا حين يرتجل ارتجالا سلبيا ونتغاضى عن رئيسٍ آخر إذا فعل نفس الفعلة، فإذا كان لا يعيب الرئيس أن يرتجل بعض عبارات لا تنال إجماعا فى الرضا عنها، لأنه إنسان وليس ملاكا منزها، فهو أيضا ولنفس التبرير أمر لا يعيب غيره من الرؤساء! إنما يعيب أى رئيس أن لا يكون لديه مستشار متخصص فى مجال مخاطبة الجماهير والعالم، فإلى جانب هذه العبارة غير الموفقة فقد أشار الرئيس إلى رئيسة وزراء ألمانيا بإصبعه وهو معها فى مؤتمر صحفى قائلا: «لازم تفهموا ده»، وهى عفوية شعبية مصرية، لكنها ليست مقبولة رسميا فى مخاطبة ممثلى الدول الأخرى، إذن كما يوجد موظف فى الرئاسة يكون مسؤولا عن البروتوكولات المتفق عليها دوليا فى إدارة الدول، لا بد أن يوجد موظف آخر مهمته الإشراف على لغة الرئيس وتفاعله مع الجماهير والعالم، فالرئيس لم يُولد رئيسا! والحقيقة أننى لم أكن لأهتم أبدًا بمعرفة نصائح مستشارى الرؤساء للخطابة ولغة الجسد، إذ لا أتوقع أن أصبح رئيسة ذات يوم! وإن حدث فمن المؤكد أننى سوف أستعين بمستشار وقتها، لكن بسبب تصريح الرئيس السيسى وأنا كنت ممن فوضوه ذات يوم، أى أنه ليس عدوى ولست من المعارضة (نسبيا يعنى)! قررت أن أقرأ فى هذا الأمر فاكتشفت عجبًا! فهناك علم يُدرس فى معاهد إعداد القادة اسمه «علم لغة الجسد»، وكذلك طرائق الخطابة والمناقشة والتأثير فى الآخرين، إلى جانب العلوم التقليدية للقادة مثل التفاوض والتخطيط وغيرها، وضمن ما اكتشفت أيضا فى قراءاتى عن هذا الأمر الجلل، أن كلمة «الألفا» التى كنا نستخدمها ونحن تلاميذ فى المرحلة الابتدائية، لوصف التلميذ الأول المعين من سلطة المدرسة قائدا للفصل، هى كلمة دولية، لفظا ووظيفة، فهى بالإنجليزية «Alpha»، ومعناها بالفعل الشخص المتميز فى مجموعة، وبالتالى هو «الألفا» عليهم، وهناك عشرات الكتب والمقالات لتدريب «الألفا» على لغة الجسد واختيار الكلمات، بصفته «ألفا». وفى تحليل لردود فعل الرئيس أوباما فى لقاءاته الجماهيرية، يقول متخصص أمريكى فى «علم لغة الجسد للقادة» فى مقالٍ له، إن نصائح وُجهت إلى الرئيس بالطبع من مستشاريه: «استخدم يديك الاثنتين بشكل جيد لدعم ما تقول، لكن لا تستخدم إصبعك»، لا تبتسم فى أثناء الخطاب فالابتسام يظهرك منقادا، انتبه إلى حركتك فى أثناء الخطاب، فكثرة التحرك والرجوع إلى الوراء تظهرك متذبذبا، حاول أن لا تستخدم كلمات مثل «إييه، إييم، هه» وجهّز عبارات توضح هدفك بجلاء، ويفضل أن تكون قصيرة، واستخدم الوقفات بين الجمل فى مكانها، فلا تترك المستمعين معلقين ينتظرون إكمال ما قلت، وإلا فسوف تعطيهم انطباعا بأنك متردد، لا ترتدى أبدا بذلات فاتحة اللون، لا تطأطئ رأسك وأنت تحكى، لا تدير عينيك كثيرا فى المكان، لا تنظر إلى الكاميرا إلا فى الخطاب المباشر المسجل، لا تنظر إلى صحفى معين فى المؤتمرات الصحفية ولا تشير إلى نظيرك فى المؤتمر دون أن تنظر إليه، إلى آخر هذه النصائح من خبراء يتسلمون الرئيس الأمريكى ليس فقط منذ توليه منصبه بل قبلها بكثير، قبل حتى بدء حملته الرئاسية فى الانتخابات، لماذا؟ ليس فقط لأنهم يخشون سخرية معارضيه، إنما لأنهم يخشون غضب الناخبين. فى بلدنا لم يصل الناخبون بعد إلى هذه المكانة التى يعمل لهم فيها المرشح أو الرئيس ألف حساب، لكن فى دولة تتحدث كثيرًا عن «الهيبة»، هيبة الدولة وهيبة الرئاسة وهيبة الوزارة وهيبة القضاء وهيبة كل ما يتعلق بالسلطة، فإن السخرية من تصريح لا معنى له يقوله الرئيس أو من إشارة غير لائقة بيديه أو من كلمة ما يقولها، قد تؤثر سلبًا فى حماس الشعب لمشروع الرئيس، وانصراف الشعب عنه يجعله يجد نفسه مع الوقت بعيدا عن جمهوره، وهذا أمر خطير الآن، فهى لحظة تحتاج إلى توافق بين الرئيس وشعبه، وكل ما يحتاج إليه هو موظف آخر ينضم إلى مكتب الرئاسة تكون وظيفته، مستشار الكلام، مستشارًا يقول له: «سيادة الرئيس عفوًا، سعادتك رئيس دولة، مش قارئ كفّ ولا دكتور»!