الأمن يكشف حقيقة فيديو إطلاق أعيرة نارية احتفالًا بفوز مرشح بانتخابات النواب 2025 بأسيوط    ترامب خلال لقائه نتنياهو: نعمل على تسريع المرحلة الثانية من خطة غزة.. وإعادة إعمار القطاع ستبدأ قريبا    ترامب خلال لقائه نتنياهو: نزع سلاح حماس شرط أساسي لإنجاز الاتفاق سريعًا    التشكيل الرسمى لمباراة مالى ضد جزر القمر بكأس أمم أفريقيا 2025    طارق مصطفى يقترب من القيادة الفنية للزمالك بعد فسخ عقده مع أهلى بنى غازى    برشلونة يضع فلاهوفيتش على راداره من جديد لتعويض رحيل ليفاندوفسكي    تشييع جثامين أب وأبنائه الثلاثة ضحايا تسرب الغاز في المنيا (صور)    هدى رمزى: أنا مش محجبة ومعرفش الشيخ الشعراوى خالص ولا عمرى قابلته    مستشفى الفيوم العام يجري جراحة دقيقة لكسر بلقمة فك مصاب في حادث سير    هيفاء وهبي تطرح ألبوم «ميجا هيفا 2»    الذهب يهبط 105 جنيهات لعيار 21 بسبب ارتفاع الدولار    وزير الثقافة يُعلن إقامة النسخة الثانية من "عيد الثقافة" بدار الأوبرا 8 يناير    بالبدلاء.. منتخب مصر المتأهل يكتفي بنقطة أنجولا في كأس أمم أفريقيا    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    مفتي الجمهورية: القضاء المصري يُمثِّل أحد أعمدة الدولة المصرية وحصنًا منيعًا للعدل    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    محمد إمام: أحمد شيبة وعصام صاصا هيغنوا تتر مسلسل الكينج في رمضان 2026    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    عام التقاط الانفاس!    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    الشيخ خالد الجندي: عقوق الوالدين له عقوبتان فى الدنيا والآخرة    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    "الزراعة" تنفذ 8600 ندوة إرشادية بيطرية لدعم 100 ألف مربي خلال نوفمبر    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    موسكو: إحباط هجمات أوكرانية في خاركوف وسومي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    محللة سياسية: نظرة على فرص إيران الضائعة في آسيا الوسطى    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    الجيش الصينى يعلن عن تدريبات عسكرية حول تايوان فى 30 ديسمبر    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث في تحليل خطب الرئيس : مرسي يتحدث كثيراً ولا يقول شيئاً .. ويشعر بالغربة
نشر في الصباح يوم 10 - 12 - 2012

تحليل مضمون خطب الرئيس : لغة ركيكة .. افتعال واضح .. تكرار .. استطراد .. تمييز خطابي ضد غير المسلمين
ذخيرة مرسي اللغوية تجنح إلى الخطاب الديني على حساب السياسي

"الصدمة" هى الشعور التلقائى الذى يشعر به الكثيرون ممن يستمعون لخطب الرئيس د.محمد مرسى، خاصة فى الفترة الأخيرة.. الصدمة لأن الخطب، خاصة خطابه الأخير، الذى ألقاه مساء الخميس الماضى- بينما الدماء تراق على أبواب القصر الذى يحكم من خلاله )قصر الاتحادية ( لا تلبى رغبات المستمعين، أعتقد أن هذا هو شعور الإنسان العادى، الذى يستمع إليه، لكن هل التحليل العلمى واللغوى للخطاب يصل لنفس إحساس المواطن العادى، د.عماد عبداللطيف المدرس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ربما يكون الباحث الوحيد فى مصر، الذى تفرغ على مدى العامين الماضيين لتحليل خطب الثورة المصرية، وأصدر العديد من الكتب والدراسات فى هذا المجال، آخرها كتابه "بلاغة الحرية".

■ ما أهم ما لفت نظرك فى خطب الرئيس طوال الشهور الخمسة الماضية؟
بالتأكيد العديد من الملاحظات على هذا الخطاب، أولاها تتعلق بتوقيته، فالخطاب الذى انتظره المصريون ليكون عاملا مساعدًا فى وقف نزيف الدم المصرى أمام قصر الاتحادية، جاء بعد يوم كامل من الأحداث، وهو ما يعنى أن ثمة اختيارًا ما للانتظار حتى تنتهى الأحداث الدموية دون تدخل من المؤسسة التى يُتوقع منها الحفاظ على هذه الدماء، من الملاحظات الأخرى أن مؤسسة الرئاسة أعلنت عن إلقاء الرئيس للخطاب فى مساء الأربعاء لكن بث الخطاب تأخر لمدة يوم كامل، وظل المصريون لساعات طويلة ينتظرون بثه، دون جدوى. وهو ما استرجع إلى الأذهان ذكرى خطب مبارك أثناء الثورة، التى كان يُعلن عنها قبل بثها بمدة ساعات، وعادة ما كان التأخر فى البث يسبب حالة من الارتباك والتوتر لدى المواطنين. كما أن تأخر بث الخطاب كان سببًا فى ازدياد حالة الغضب لدى كثير من المشاهدين، بسبب المفارقة بأن ما كان المشاهدون يتوقعونه، وما قدمه الخطاب بالفعل، فخطاب الرئيس مرسى يوم الخميس نموذج للخطابات التى تتحدث كثيرًا ولكنها فى الحقيقة لا تقول إلا القليل.
وباستثناء بعض العبارات ذات المعنى الواضح مثل الدعوة للحوار محدد الزمان والمكان، فإن الخطاب تضمن الكثير من الإنشائية والاستطراد والك ام غير الوثيق الصلة لا باللحظة الراهنة، ولا بموضوعه، كما أن الخطاب كتب بلغة ركيكة للغاية، وغير مؤسسية، وكان أداؤه يحمل قدرًا كبيرًا من الافتعال الواضح. وأظن أن الرئيس مرسى لم يفلح فى هذا الخطاب فى توظيف بعض إمكانياته الخطابية السابقة، وهو ما قد يرجع إلى أنه يشعر بغربة عن النص الذى يقرؤه، وهو ما تجلى بوضوح فى أخطاء القراءة المتكررة طوال الخطاب، التى ترجع إلى عدم ألفته للنص.

■ كيف ترصد أهم ما جاء فى خطب الرئيس الأخيرة؟
بعد أكثر من عام ونصف، اختفى فيها تعبير «خطاب الرئيس »، واجه المصريون سيلا من خطب الرئيس، فعلى مدار شهر واحد )الشهر الأول لتوليه الحكم)، ألقى الرئيس مرسى ما يزيد على عشرة خطابات عامة، ما بين خطب جماهيرية مطولة ) مثل خطابه فى ميدان التحرير وفى جامعة القاهرة( وكلمات موجهة لأمة )مثل كلمته عشية إعلان الانتخابات الرئاسية، وفى ذكرى ثورة يوليو(. كما ألقى عددًا من الخطب الموجزة فى مناسبات عديدة )مثل تخريج دفعات مختلفة من أسلحة القوات المسلحة والشرطة(، إضافة إلى كلماته الموجزة فى ساحات المساجد، وإطلالته اليومية فى شهر رمضان على جمهور مستمعى إذاعة البرنامج العام فى برنامج «أنت تسأل والرئيس يجيب .»
وقد أثارت بعض هذه الخطب والكلمات عديدًا من التعليقات والتحليلات والانتقادات أيضًا، فاستعاد الشارع المصرى بعض طقوسه القديمة؛ فالصحف القومية وقنوات التليفزيون الرسمى، أصبحت تُفرد صفحاتها الأولى، وأول أخبارها ل «خطاب الرئيس »، كما استعاد شرَّاح الخطب الرئاسية ومحللوها عملهم فى شرح خطاب الرئيس أو تفسيره أو نقده.

■كيف رصدت استقبال الجماهير لخطب الرئيس، وكيف تقارن بينه وبين الرؤساء السابقين؟
بالمثل بدأ المصريون العاديون سلسلة من المقارنات بين «خطب الرئيس مرسى »، وخطب الرؤساء السابقين من قبله؛ فالبعض شبه خطابه فى التحرير بخطابات عبدالناصر الجماهيرية. بينما رأى آخرون فى بيانه الذى وجهه للأمة، إعادة إنتاج مكثف لخطاب السادات، بمزجه ب ن الدينى والسياسى، وارتجالاته المطوّلة. والخ اصة أننا أمام لحظة ازدهار كبيرة للخطابة الرئاسية، إلقاءً وتأثيرًا.

■ كيف رصدت ملامح خطبه فى الفترة الماضية؟
أول ملمح للخطب الرئاسية للدكتور مرسى هو وجود تحولات جذرية فى خطابه السياسى، فى مدى زمنى قصير، فبيان الرئيس مرسى الموجه للأمة يختلف فى معجمه وأدوات إقناعه وطريقة إلقائه والصورة التى يرسمها الرئيس لنفسه ولعلاقاته مع المصريين عن خطابه الحماسى الذى ألقاه فى ميدان التحرير، والاثنان يختلفان فى كل هذه العناصر، بشكل جذرى، عن خطاب تنصيبه فى جامعة القاهرة.
والخطب الثلاث ترسم صورة مغايرة عن تلك التى ترسمها كلماته القصيرة التى يلقيها فى مساجد مصر، فى صلواته المختلفة.
قبل أن أرصد ملامح هذا التحول لابد من الإقرار بأن جزءًا من هذا التحول، يعُد تحولاً تصحيحيًّا، يسير باتجاه التخلص من عيوب خطيرة ظهرت فى خطابه الأول؛ لعل أهمها أنه مارس شكلاً من التمييز الخطابى ضد غير المسلمين؛ وحفل بقدر كبير من التكرار والإطناب والاستطراد، الذى لا يليق بمؤسسة الرئاسة.
وتبدو هذه التحولات الجذرية فى خطاب الرئيس مرسى مقبولة؛ إذا وضعنا فى الاعتبار حداثة التجربة، والحاجة إلى بعض الوقت للاستقرار على شكل معين فى التواصل مع الجماهير. غير أن كُلفة التعلم بممارسة الخطأ والصواب فى الخطاب الرئاسى باهظة؛ والأفضل بالطبع هو اللجوء إلى كفاءات متخصصة فى إنتاج الخطاب، بما يحول دون الوقوع فى الخطأ بالأساس.

■ هل حدثت تغييرات فى لغة خطب د.مرسى؟
يحظى معجم المفردات الذى يعتمد عليه رجل السياسة بأهمية كبيرة فى رسم ملامح هذا الخطاب، فكل مفردة محمّلة بتاريخ من الدلالات والاستخدامات، ووضع كلمة مكان أخرى قد يثير الكثير من البلبلة والتنازع، ولعل المثل الأبرز على ذلك تعبير «عشيرتى »الذى استخدمه الرئيس مرسى بكثافة فى خطابه الأول، الذى يصوِّر العلاقة بينه وبين المصريين على أنها علاقة بين كبير القبيلة أو العائلة وأتباعه، وهى علاقة هيمنة وتبعية بالأساس؛ وذلك فى مقابل كلمة «المواطنين »التى استخدمها فى خطبه التالية؛ والتى تصور العلاقة بينه وب ن المصريين على أنها علاقة بين رئيس ومواطن، لكلٍّ منهما حقوقه وواجباته، وبالفعل شهد معجم الرئيس مرسى تطورًا إيجابيًا شديد الدلالة؛ فقد تحرر فى كثير من المناسبات من المعجم القبلى والدينى، واستخدم فى خطاب تنصيبه، وفى الكلمتين اللتين ألقاهما أمام أعضاء المحكمة الدستورية وأمام القوات المسلحة معجمًا سياسيًا مدنيًا، يحتفى بالمواطنة، وينسجم مع الدستور، ويحافظ، وهذا هو الأهم، على النسيج الوطنى، بواسطة التخلص من أى تمييز خطابى.
لكن هذا المعجم الدينى بتمييزه الخطابى يعُاود الظهور بين الح ن والآخر؛ خاصة فى الكلمات التى تلُقى فى سياقات وأماكن ذات طابع دينى. وإذا وضعنا فى الاعتبار حقيقة أن هذه الكلمات تتزايد فى خطابه بكثافة لا مثيل لها تقريبًا فى تاريخنا الحديث؛ فإننا نصبح أمام معضلة إنتاج خطاب تمييزى مرة أخرى.

■لاحظ كثيرون تراجع نسب الارتجال فى خطب الرئيس فى الفترة الماضية .. هل هذا صحيح؟
تقودنا مقارنة الخطب الرئيسية التى ألقاها الرئيس مرسى إلى ملاحظة مهمة هى تراجع مساحة الارتجال تدريجيًا، لصالح مساحة القراءة من النص، فالبيان الذى وجهه للأمة عشية إع ان نتيجة الانتخابات شغل الارتجال خارج النص المساحة الأكبر منه.
على خلاف ذلك فإن الخطاب الثالث المتميز الذى ألقاه فى جامعة القاهرة شهد تقليصًا كبيرًا لمساحة الارتجال، ولم يكد يحضر إلا فى مواضع محدودة، تبدو ثنائية الارتجال والقراءة من النص شديدة الأهمية فى حالة الرئيس مرسى، فالذخيرة الخطابية التى يعتمد عليها الرئيس مرسى، والتى اكتسبها بحكم ثقافته الدينية وانتمائه لجماعة دعوية، تجنح إلى الخطاب الدينى على حساب السياسى، وكما سبق القول فإن هذه المسألة قد تكون شديدة الخطر على تصور مدنية الدولة، وعلى نسيج الوطن الذى يتعانق فيه الأقباط مع المسلمين.

■ وبماذا تبرر تراجع مساحة الارتجال فى خطب الرئيس؟
يزداد تقدير تراجع مساحة الارتجال فى الخطاب الرئاسى إلى مسألة أخرى هى طبيعة مؤسسة الرئاسة فى مصر ما بعد الثورة، خاصة فى تصور الرئيس مرسى، لقد قدّم الدكتور مرسى أثناء الدعاية الانتخابية وعدًا قاطعًا بتأسيس مؤسسة رئاسية، تضم نوابًا ومستشارين من غير الإخوان المسلمين، بحيث تعكس مؤسسة الرئاسة تشاركًا فى السلطة، كما تعكس التنوع السكانى والعقدى؛ بأن تضم امرأة وقبطيّا، ومن الطبيعى أن يعكس خطاب مؤسسة الرئاسة هذا التنوع وهذه المؤسساتية، والسبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو تبنى خطاب مؤسسى يتم التوافق عليه، ولا يُترك التعبير عنه لشخص دون غيره من أفراد مؤسسة الرئاسة.
وربما أدرك مستشارو الرئيس أن القراءة من النص، وتقليص مساحة الارتجال، قد تكون ضمانة جيدة للمصريين ولمن سيتم اختيارهم نوابًا ومستشارين بأن الرئيس لن ينفرد بالقرار بمفرده، بمثل أنه لن ينفرد بالتعبير عنه بمفرده، فالنص المكتوب، عادة ما يكون نتاج إسهام العديد من الأشخاص ويحمل آثارًا من كل منهم، على خلاف العبارات المرتجلة، خاصة إذا كانت تتعارض مع النص المكتوب.

■ هل يؤثر ارتجال الرئيس على بلاغته؟
لا يؤثر الارتجال فى نمط بلاغة الرئيس مرسى؛ فارتجالاته عادة ما تكون بالعربية الفصحى، وبذلك يندر فى خطابه التنوع الأسلوبى Style Variation من الفصحى إلى العامية، وما يوازيه من تحول فى درجة رسمية الخطبة، أو تفاوت فى حميمية العلاقة مع الجمهور؛ وهى الوظائف المعتادة للارتجال فى الخطاب السياسى العادى.
■ هل قارنت بين بدايات خطب الرئيس السابق مبارك، وبدايات خطب الرئيس مرسى؟
أهم ما يميز خطب مرسى معجمه الدينى الواضح والارتجال، بالإضافة إلى وجود كلمات واضحة عن الأمن والأمان، وهى ذات المفردات التى جاءت فى خطب مبارك، خاصة فى بداية رئاسته، حيث تكرر باطراد مفردات الأمن، والأمان، والاستقرار، والتنمية، والديمقراطية.
لكن هذه المفردات، مع مرور الوقت، فقدت كثيرًا من معانيها العامة الشائعة، ليصبح أمن الوطن هو أمن النظام، واستقرار البلاد يعنى استمرار مبارك فى الحكم دون منازعة أو مساءلة. أما الإصلاح الاقتصادى بهدف التنمية فلم يكن يعنى بالنسبة للمواطن إلا مزيدًا من فصل العمال وتشريدهم، فى إطار أكبر عملية نهب منظم لثروات مصر تمت تحت غطاء شعار «الخصخصة »، وفى الوقت الذى كان يراكم فيه رجال مبارك وأسرته ثروات هائلة، كان لا يتردد فى خطبه عن تأكيد انحيازه للفقراء، وفى أول مايو من كل عام، كان يقف مبتسمًا، يستمتع بهتافات آلاف العمال وتصفيقهم، معلنًا أنه سيجود على الموظفين والعمال ب «منحة »، يعلم هو كما يعلمون هم أنها ليست سوى جنيهات هزيلة لا تسمن أو تغنى من جوع، فى مثل هذه المشاهد كانت تتجسد كل موبقات الخطاب السياسى المستبد، حين يوهم الحاكم محكوميه بأنه «يهبهم »، ما يستطيع أن يحجبه عنهم، وحين يتواطأ الجمهور أو يسُتدرج لإبداء العرفان بالهتاف والتصفيق، على زيادة أجر يعلم أنها حقه، ومن حر ماله، وأنه أقل بكثير مما يوفر لأي إنسان حياة كريمة.
نجاح مدهش للإسلاميين

■استنادا لما حدث فى انتخابات مجلس الشعب، كيف تنظر إلى إقبال الشعب على الاستفتاء على الدستور المختلف عليه؟
دعنى أبدأ الإجابة بالقول إن المولع بالسلطة، محترف الصناديق يقول: امنحونى أصواتكم، فجُعبتى ملأى بالوعود، وإن لم يكن الصوت لى، فليكن للرب الذى ائتمننى، وحدى، عليه.
فبلاشك لقد أظهرت الفترة الانتقالية نجاحًا مدهشًا للإسلاميين فى إدارة «خطاب الصناديق »والسيطرة عليه. وقد تجلت آثار ذلك فى التفوق الكبير على منافسيهم فى الجولات الانتخابية التى جرت فى بعض دول الربيع العربى؛ خاصة مصر وتونس. ومن المؤكد أن الأصوات التى حصل عليها الإسلاميون، تتأثر بأفعال مادية غير خطابية، مثل درجة قوة التنظيم، وحجم الإنفاق على الدعاية الانتخابية، وإمكانيات الحشد المادى من ناحية؛ وتفتت القوى المنافسة، وضعف تنظيمها، وقلة إمكانياتها المادية من ناحية أخرى.
لكن «خطاب الصناديق » لعب دورًا فعليًّا فى حسم المعارك الانتخابية التى جرت على امتداد دول الربيع العربى فى العامين الماضيين.
خطاب الحشد الانتخابى.. دينى
■ ما الحجج التى يقوم عليها حشد الإسلاميين للجماهير؟
يقوم خطاب الحشد الانتخابى لدى الإسلامي من المصري من على حجة محورية هى «تطبيق شرع الله »، وهى حجة تجد تجليها فى عبارات وشعارات شائعة مثل «الحكم بالقرآن »، و «العيش بالقرآن »، و الحكم بالشريعة ،و «الإسلام هو الحل » و «الحاكمية لله ». وهى جميعًا لافتات عريضة يختفى تحتها عدد كبير من الإسلاميين المتباينين فى سعيهم للاستحواذ على أصوات الشعوب. ومن الواضح أن جزءًا من قوة هذه الحجة يكمن فى أنها تستميل وتداعب الميول الدينية لدى المصريين المتدينين، وتوجههم نحو التصويت لمجموعة أو جماعة بعينها. وهى بذلك تحول التصويت السياسى إلى فعل دينى؛ لا ينُجَز لصالح الوطن، وإنما لمرضاة الله؛ وبذلك فإن الصوت لا يذهب للأكفأ سياسيّا، وإنما للأقدر على التماهى مع صورة «التقى» والمتدين.
تكتسب هذه الحجة الانتخابية فاعليتها أيضًا من قدرتها الذاتية على مقاومة التفنيد، إذ عادة ما يقوم المدافعون عن خيار الحشد الانتخابى على أساس دينى بنقل دائرة النقد من المجال السياسى إلى دائرة العقيدة، وهكذا ينُعت من يتصدى لتفنيد هذه الحجة بأنه عدو للدين، أو كاره للشريعة، أو غيرها من الاتهامات العقدية الجاهزة. وتزداد صعوبة تفنيد هذه الحجة لكونها تصُاغ عادة فى شكل عبارات إنشائية؛ وليس فى شكل جمل خبرية، يمكن الحكم عليها من زاوية الصدق والكذب، أو إخضاعها لاختبار فجوة المصداقية. وهى من هذه الزاوية تُصاغ إما فى شكل عبارة وعد أو فى شكل عبارة تمنٍّ.
أما صياغاتها الخبرية القليلة، كما فى شعار جماعة "الإخوان المسلمون" الإسلام هو الحل فهى بدورها عصية على التفنيد لكونها تصاغ فى شكل عبارة جاهزة «كليشيه »، غير قابلة للنقاش

■أخيرا ماذا تتوقع إذن بناء على القراءة السابقة لما سيحدث فى الاستفتاء؟
سيتم الحشد تحت ذات المرجعيات التى تمت فى انتخابات مجلس الشعب، حيث سيكون الحشد الجماهيرى بناء على أساس ديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.