تمثل نتائج البرلمان تعبيرا عن رسائل عدة من جمهور الناخبين التركى، الرسالة الأولى هى معارضة الغالبية إجراء تعديلات دستورية توسع من سلطات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وتحول النظام السياسى فى البلاد إلى نظام رئاسى. اليوم، ووفقا لنتائج الانتخابات تلك، وفشل حزب العدالة والتنمية التركى فى حيازة ثلثى مقاعد البرلمان، فقد صار من شبه المستحيل أن يتم إجراء تلك التعديلات، وبالطبع يعبر انخفاض مجمل الأصوات التى حازها الحزب اهتزاز صورة زعيمه لدى جمهور الناخبين، ولربما تأثرا بفضائح الفساد الأخيرة، التى مسّت الحزب الحاكم، وإجراءات القمع التى قام بها النظام مؤخرا. اليوم ولأول مرة ومنذ 13 عاما فنحن نتحدث عن انتهاء انفراد حزب العدالة والتنمية التركى بالسيطرة المطلقة على السلطة منذ سنوات، وتكشف النتائج تلك عن تأثر الحزب بأزمة توقعها محللون، وهى غياب 70 بالمئة من كوادره الانتخابية من قيادات الصف الأولى بسبب القوانين الداخلية للحزب، التى حالت دون ترشح النائب لأكثر من ثلاث دورات متتالية. وتمثل النتائج رسالة سياسية أخرى على درجة عالية من الأهمية، تتجسد فى ما حققه حزب الشعب الديمقراطى (كردى)، وهو ما يعبر عن رغبة قطاعات من الناخبين فى إدماج القضية الكردية فى إطار سلمى، والتعبير عنها من داخل البرلمان، وتصاعد المطالبات التى تريد توسيع المساحة الديمقراطية داخل النظام السياسى فى تركيا، وكان الحزب قد برز كأشد المعارضين للتعديلات الدستورية. ربما يعد تشكيل الحكومة أبرز التحديات التى تواجه حزب العدالة والتنمية، فالمطلوب أن يتفق الحزب مع آخر لخلق تحالف يحوز أكثر من 50 بالمئة من مقاعد البرلمان. وبالطبع مع ارتباك المشهد وتعدد سيناريوهاته يتوقع أن تعيش تركيا مناخا من التوتر حتى الانتهاء من تشكيل حكومة ائتلافية، فبعد ظهور المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات انخفض سعر صرف الليرة (العملة التركية)، وبدأت البورصة تداولاتها على انخفاض حاد، وتدخل البنك المركزى فى تركيا فى محاولة لضبط سعر العملة. ومع الأخذ فى الاعتبار رفض الأحزاب، التى جاءت فى مراتب تالية لحزب العدالة والتنمية من الخوض فى ائتلاف معه، فإن السيناريوهات المتوقعة كما أشرنا متعددة، لكن إذا لم تتشكل حكومة فى البلاد خلال مدة 45 يوما، فيقتضى ذلك إجراء انتخابات جديدة وفق الدستور التركى. ووفقا لمحللين فإن السيناريو الأول هو أن تتم صياغة تحالف مع حزب الشعب الديمقراطى (الكردى)، بينما استبعد صلاح الدين دمرداش، رئيس الكردى، الدخول فى ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية. أما السيناريو الثانى فهو أن يتحالف «العدالة والتنمية» مع «الحركة القومية»، الذى يرأسه دولت بهتشلى، ليحوز هذا التحالف على أكبر عدد مقاعد فى البرلمان. أما السيناريو الثالث فهو تشكيل حكومة أقلية، أى أن تتم صياغة تحالف ما بين حزب «الحركة القومية» مع حزب «الشعب الجمهورى» مع حزب الشعب الديمقراطى (الكردى) كى تكون هذه الحكومة أكثر قوة فى مواجهة معارضيها داخل البرلمان، لكن الخلافات بين مكونات مثل هذا التحالف المحتمل كبيرة. أما السيناريو الرابع المطروح فهو صياغة تحالف ما بين العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهورى (الأتاتوركى)، لكن محللين يرون من الصعب تحقيق هذا السيناريو نظرا للخصومة القوية بين الحزبين، ووفقا لتحليل نشرته شبكة «سكاى نيوز» فإن هذه خطوة لو تجرأ عليها داوود أوغلو، فإنه سيتخلص من خلالها من سطوة أردوغان، وسيفتح المجال لإعادة الحيوية لحزبه بحجة التفاهم مع شريكه الجديد، خصوصا أن زعيم حزب الشعب الجمهورى كمال كيلجدار أوغلو طرح برامج إصلاحية واقتصادية تتطابق تماما مع خط العدالة والتنمية الإصلاحى القديم.