فى ظل حرب مستعرة بين تنظيم الإخوان والدولة المصرية، ضمن فصول الصراع الممتد بين الطرفين منذ عقود، تراوحت العلاقات فيها بينهما بين شد وجذب، يبدو المشهد الحالى محيّرًا لعديد من المراقبين. حيث يتأرجح توصيف المشهد بين صراع صفرى، يبدو معه الطرفان كما لو كانا متشابكين فى معركة ضَروس كقطارين يمضى كل منهما بأقصى سرعة فى اتجاه الآخر، حيث نرى مفردات التكفير والاستباحة المتبادَلة والتحريض عبر وسائل إعلام الطرفين، فى اتجاه الصراع والثأر المتبادَل ومحاولة كل طرف القضاء على الطرف الآخر، الهدف الذى يبدو مستحيلا حتى لو قرر الطرفان ذلك، أو توصيف البعض للعلاقة بين الطرفين بأن كلاًّ منهما يحتاج إلى الآخر، وأن بندول النظام السياسى الذى كان عنوانا للمشهد السياسى عبر عقود، قضى بأن يبقى الطرفان يتبادلان التأثير والسلطة. المتابع للمشهد يدهشه أن مفردات الاحتمالين حاضرة، صراع صفرى أو حوار باتجاه التسوية. إذا استبعدنا احتمال الصراع الصفرى الذى يبدو مستحيلًا فى ظل ظروف الجماعة والنظام، يتبقى احتمال الحوار باتجاه التسوية وهو الاحتمال المرتبط بأن يُجرى الطرفان مراجعات تبنى الثقة بينهما، بما يمهد للحوار القادر على إنجاز تسوية مقبولة. والدولة انطلاقًا من شرعية «3 يوليو» التى ارتبطت ببنود خارطة الطريق، مطالَبة برعاية لجنة للمصالحة الوطنية، هذه المهمة التى لا يصح وصفها بلجنة المصالحة مع الإخوان، حيث إن فكرة المصالحة الوطنية ربما تضمّ الإخوان باعتبارهم أحد الفصائل السياسية التى لديها خصومة مع الدولة، لكنها ليست عنوان المعارضة الحصرى فلا يزال هناك قُوى متعددة شاركت فى «25 يناير» و«30 يونيو»، تعارض النظام الحالى ولا تراه معبرًا عن طموحاتها، وبالتالى هى محتقنة وتخاصم هذا النظام، لذا تبدو الحاجة إلى استيعابها ضمن حوار وطنى يسعى لضم كل القوى من أجل تحقيق حالة من الإجماع الوطنى، تحتاج إليها مصر وهى تواجه تلك التحديات الضخمة والوجودية، لكن لا يزال الإخوان أهم تناقض مع الدولة المصرية والنظام السياسى الحالى، والمرور بمصر من حالة الاحتقان السياسى والتشظى المجتمعى، مما يقتضى الحوار معهم، والذى يصطدم حتى الآن بعراقيل بعضها مرتبط بأداء النظام نفسه، سواء أداء الشرطة الذى يراه البعض كما لو كان امتدادًا لما جرى قبل «25 يناير»، أو القضاء فى بعض دوائره التى تبدو خصومتها مع الجماعة حاضرة فى بعض الأحكام التى خرجت حتى الآن بحق بعض قيادات الجماعة. إن الدولة مطالبة بأن تتمسك بإنفاذ القانون والتعاطى بجدية مع أى مطالب أو دعاوى تخص حقوق المتهمين، وتقييد توسيع دائرة الاشتباه إلى أقصى حد والتعاون مع المجلس القومى لحقوق الإنسان مثلا، وتهذيب التناول الإعلامى لفصيل كان فى الحكم قبل أشهر قليلة، حتى لو أجرم، فالقانون كفيل بمحاسبته دون إفراط فى شيطنة قد تعرقل الحديث عن حوار أو مصالحة، والدولة أيضًا والإعلام مطالبان بأن لا يُشعلا حريقًا يلتهم الحديث عن المصالحة الوطنية التى هى أحد شروط الانطلاق بهذا البلد. أما الإخوان فعليهم أن يبدؤوا على الفور مراجعة تأخرت كثيرًا، وقد يفوت وقتها أو تنتهى فائدتها إذا تأخرت أكثر. أولا: عليهم أن لا يقرعوا طبول الحرب وهم يتحدثون عن المصالحة، خوفًا من الطرف الآخر الذى يخشون أن يتسلل إليه شعور بضعفهم يغريه بالتعسف معهم. ثانيًا: على الجماعة أن تصدُق مع نفسها فى فهم طبيعتها، هى حزب سياسى، أما الغطاء الدَّعَوى لها والذى توسلت به فى المرور إلى قلوب وعقول المصريين، فلم يصمد لأضواء عام واحد فى الحكم، صارِحوا أنفسكم بحقيقتكم فأنتم حزب سياسى لا يزال لديه تنظيم محكم، دعوكم من الحديث فى الدعوة والسياسة معًا، اختاروا فضاء لحركتكم تتجاوزون معه، ثنائيات السرية والعلنية، الدعوى والسياسى، الطائفة والمجتمع، امتلاك الفهم الصحيح للدين الذى جعلكم لا تفرّقون بين الدين والتدين، العنف المؤجَّل والعنف العاجل.. وكل تلك الثنائيات التى أعاقت عقل الجماعة وشوهته، وجعلت الإشارات تخرج عنه فى اتجاهين، كل منهما عكس الآخر.