حوار - رحمة ضياء.. تصوير - أحمد رمضان يراهن الشاعر الكبير "سيد حجاب" على المستقبل بالشباب "اللي لا يغويهم دهب وهاج.. ولا يتنفض بالخوف من الكرباج"، مؤكدًا أننا في انتظار مخاض جديد في الفنون والثقافة والسياسة والمناهج الدينية، لتكتمل به "بشارة العهد الجديد"، الذي وُلد في ميادين التحرير المختلفة، بعد أن تندثر "قوى الماضي"، التي تحاول إعادته ببعض التحسينات الرديئة، وفي غضون ذلك يكتب الشاعر قصيدة عمره "تاتا خطي السبعين"، متحدثًا فيها عن تجربته الذاتية، ورؤيته لأحوال الإنسانية في القرن ال21. - كيف ترى المسلسل المصري الآن في ظل "زحمة" المسلسلات السورية والتركية؟ هناك حالة ارتباك عامة بعد تراجع الدولة عن الإنتاج، وتركها المجال لشركات الإنتاج الخاصة التي تعاني من خلل أساسي، وهو أنها لا تعرف ماذا يريد المتلقي، فتتجه تارةً ل"السيت كوم"، والأعمال الكوميدية، وتارةً أخرى للأعمال التاريخية، وتارةً للأعمال التافهة، مما أدى إلى تراجع المسلسل المصري في السنوات الأخيرة، لحساب المسلسل السوري ثم التركي، وعلى أيامنا كان هناك اتجاهين في الدراما، اتجاه يرى في التسلية هدف بحد ذاته، وآخر يرى التسلية طريق للتنوير، وعلى رأس هذا الاتجاه "محمد فاضل، وإسماعيل عبد الحافظ، ومجدي أبو عميرة، ومحفوظ عبد الرحمن، وأسامة أنور عكاشة"، ونحن الآن في انتظار مخاض جديد لفنون جديدة، يقدمها شباب الثورة والتغيير، وقد وضعوا بذرتها في ميادين التحرير المختلفة، في الغناء والمسرح الحر، والأفلام التسجيلية. - كيف تغيرت وظيفة "التتر" في الأعمال الدرامية الحالية عن "مسلسلات زمان"؟ "التتر" زمان كان مرتبط بتيار عام يرى في الدراما وسيلة للتنوير، والقائمين على عملها مدركين للضرورات الدرامية، وقادمون من عالم الغناء بفهم كامل لعالم الدراما، والغناء عندهم عنصر مضاف يحمل الرسالة الدرامية للعمل، أما حاليا فالغنوة مجرد حلية أو زينة مرفقة بالعمل، ولا علاقة لها بالدراما. - حدثنا عن الطقوس الخاصة بك في كتابة "التتر"؟ في البداية أشارك مع المؤلف والمخرج منذ المعالجة الأولى، لنحدد المواقف التي تُغني والتي تُمثل، وبعد أن يصل إلي العمل مكتوبًا أحسن قراءته، وأحلله، وأحاول أن افهم الرسالة الدرامية الخاصة به، وأحدد إلى أي طرف من أطراف الصراع أنتمي، وأحدد اللغة السائدة في المسلسل، حتى لا تكون المشاركة الغنائية منفصلة، وتكون إما تمهد لحدث، أو تعلق عليه، وهذا كان نمط آخر لجيل آخر بفهم آخر للدراما التليفزيونية، يرى أن "التتر" جزء أصيل من الحدث. - أي "التترات" التي كتبتها الأقرب إلى قلبك؟ كل "تتر" في وقته شكل فتح وإضافة بالنسبة لي، بدايةً من "الأيام"، مرورًا ب"صيام صيام"، و"قال البحر"، و"ليلة القبض على فاطمة"، و"الشهد والدموع"، و"ليالي الحلمية"، و"المال والبنون"، و"السيرة الهلالية"، و"سامحوني مكنش قصدي"، وصولًا ل"الليل وآخره"، و"البحار مندي"، و"كناريا وشركاه". - هل تتابع المسلسلات الرمضانية حاليًا؟ أرى بدايات أغلب المسلسلات، وأستقر على واحد، أو اثنين، ومعجب جدًا بمريم ناعوم، وإعدادها للأعمال الدرامية، فهي واحدة ممن يحسنون فهم الدراما، وأعمالها من أكثر الأعمال التي أتابعها، وآخرها "سجن النسا". - ذكرت في حوار سابق أنك تعمل على "قصيدة عمرك".. فهل أوشكت على الانتهاء منها؟ مازال أمامها بعض الوقت، بدأتها بعد إنهاء عامي ال70، وآمل أن أنتهي منها قبل بلوغ ال75 في 23 سبتمبر المقبل. - عن أي شيء تتحدث القصيدة؟ القصيدة بعنوان "تاتا خطي السبعين"، وأكتب فيها عن تجربتي الذاتية، وقراءتي لأحوال الإنسانية في القرن ال21، وكنت قد أصدرت ديوان "قبل الطوفان الجاي"، عام 2009، وقلت فيه إن الإنسانية مقبلة على عهد جديد يُبني على العدل، وإن بشارة هذا العالم ستبدأ عندنا في الشرق الأوسط بهزيمة "المشروع الصهيوأمريكي الوهابي" في المنطقة، وبداية هزيمته هي بشارة العهد القادم الذي سيقوده الشباب "اللي لا يغويهم دهب وهاج ولا يتنفض بالخوف من الكرباج"، وستنتشر رسالتهم من الشرق الأوسط حتى تصل إلى "وول ستريت" في أمريكا، وتحققت نبوءتي بداية من 2011، وفي هذه القصيدة أرصد نفس الحكاية، لكن من خلال تجربتي الذاتية الشخصية، وهي قصيدة مكونة من 3 أبواب: "باب الحق، وباب الخير، وباب الجمال"، حيث انتهيت من باب الحق، وأعمل على البابين الباقيين. - وماذا عن حلمك بإنشاء المكتبة الغنائية للطفل؟ حاولت أن أحققه مع رفيق العمر والمشوار "عمار الشريعي"، بمجموعة الأعمال التي قدمتها لعفاف راضي، وصفاء أبو السعود، وأغنيات المسلسلات الدرامية، لمدبولي، وفردوس عبد الحميد، وغيرها من الأعمال، ولكنه يظل حلمًا قائمًا، لكن لا أعرف كما قلت ل"عمار" في قصيدة وداعه "مبقتش عارف هاغني إزاي ولا مع مين.. وانا كنت أغمغم ساعات في سري تسمعني.. والكلمة تنده على النغمة تقول نعمين.. ويشبعوا مع بعض وانت تقولي تشبعني.. عطشان يا عمار.. يارب بصاحبي تجمعني" وهذا المشروع في انتظار قدرة مثل قدرات "عمار"، ولو جاءت فأنا جاهز. - لماذا تراجع الغناء للطفل في السنوات الماضية برأيك؟ حياتنا بالكامل تراجعت اقتصاديًا، وفكريًا، وسياسيًا، وزراعيًا، وصناعيًا، واجتماعيًا، في ال30 سنة الأخيرة، وحدث تجريف للعقل المصري، فمثلما تراجعت الدراما والغناء، تراجعت الأغاني للطفل، لأن النظام السابق هدف لتركيع وإخضاع الشعب، وليس بناءه، والغناء للطفل مرتبط بتأسيس شخصية قادرة على النقد والابتكار، ونحن في انتظار أحلام جديدة لجيل جديد برؤى جديدة، وغاية ما يتمناه أبناء جيلي أن يلتحقوا بفكر هؤلاء الشباب، لا من باب الوصاية، لكن من باب الالتحاق والفهم للأجيال الصاعدة. - ذكرت من قبل أن لك عدة معلمين في الشعر.. حدثنا عن تأثيرهم في تكوين شخصيتك الشعرية؟ والدي كان معلمي الأول في الشعر، ودرس عدة سنوات في الأزهر، وعمل موظفًا في الحكومة المصرية، وحين تفجرت موهبتي الشعرية بدأ يعطيني دروسًا في "العروض"، من سن 11 إلى 14 عامًا، وقال لي شيئين مهمين، شكلا جزءًا كبيرًا من حياتي، بعد ذلك قال لي "لابد أن تعرف أن ربنا منحك هذه السليقة الشعرية لتحمده عليها، وأن تنضجها بالدراسة"، وأدركت أن للشعر رسالة وأنه لا توجد موهبة تكبر دون دراسة، وفي المدرسة نبهني معلم إلى الكتابة عن نفسي ومشاعري، وكشف لي أن آلاف الصيادين من حولي في مدينة المطرية، بمحافظة الدقهلية، حيث نشأت، في قلب كل منهم 10 قصائد، لا يجدوا من يكتبهم، فكان اكتشاف كبير لصبي في ال14 من عمره، وبدأت "أسرح" مع أقاربي الصيادين، وأحاول الكتابة عن حياتهم، وعندما بدأت كنت محملًا بالقيم الاجتماعية، التي تقدس العربية، وتحتقر الفصحى، لكن حين كتبت عن حياة الصيادين وجدتني أكتب السرد فيها بالفصحى، والحوار بالعامية، وبعدها كتبت قصائد عامية خالصة، وواصلت حياتي بين الإثنين، حتى تقدمت للحياة الأدبية. في سن 16 سنة، كتبت قصيدة باللغة الفصحى لمجلة "الرسالة الجديدة"، من خلال الشاعر "فوزي العنتيل"، وبعدها قدمني الدكتور مندور في برنامج "كتابات جديدة"، بحفاوة شديدة، وفي سن 20 سنة قدمت قصائدي لمجلة سعد الدين وهبة، وبعدها بسنة تعرفت على أستاذي صلاح جاهين، الذي قدمني لقراء صباح الخير، وقال كلام طيب عني، أشعرني بالمسئولية، والتي جعلتني شاعر عامية بالأساس، أكتب الفصحى بين الحين والحين، وأرجو أن أكون أكملت المشوار بالشكل الذي يرضى عنه أستاذي الرابع "جاهين". - في ظل اهتمامك المبكر بالشعر.. كيف جاء قرار انضمامك لكلية الهندسة؟ كنت متميزًا في العلوم، وكنت سألتحق بقسم أدبي في الثانوية العامة، لكن والدي قال لي اختار ما يجعلك تذهب لكلية هندسة، أو طب، ثم أدركت "المقلب" بعدها. - حدثنا عن تجربة السجن في عهد عبد الناصر وكيف أثرت فيك؟ من سنة 1961 اشتركت في تنظيم على يسار اليسار، يرى عبد الناصر زعيمًا وطنيًا، لكنه لا يراه اشتراكيًا، وإنما يبني "رأسمالية دولة"، وطالبنا النظام بالديمقراطية التي كنا نرى أنه يفتقدها، وكنا منخرطين في تنظيمات مستقلة صغيرة، رفضت أن تحل نفسها وتنضم للاتحاد الاشتراكي، لضرورة أن تكون هناك أحزاب منفصلة عن الدولة، وعليه تم اعتقالنا سنة 1966 لمحاولة تصفية هذه القضية، والسجن في تقديري مثل النار التي تظهر معدنك الحقيقي، فلو كنت ذهبًا ستتخلص من الشوائب، ولو كنت "فلصو" ستنتهي وتندثر، وهذه الفترة أنضجت ما ينبغي إنضاجه في شخصيتي، وكانت فترة تأمل، وإعادة قراءة للكتب المقدسة "القرآن والإنجيل والتوراة". - هل ترى تشابهًا بين ما حدث في فترة عبد الناصر وما يحدث في عهد السيسي الآن؟ لا أرى تشابهًا بين الاثنين، فعبد الناصر جاء في إطار مرحلة ومجتمع غير الذي جاء السيسي في إطاره، ويستحيل أن يأتي الظرف المختلف بأشخاص متشابهين، عبد الناصر جاء ومصر بلد شبه مستعمر، وشبه إقطاعي، وحقق نوع من الاستقلال، مثل استقلال السوق المصري عن الاستعمار، كما حقق درجة من التنمية والعدالة الاجتماعية افتقدناها بعد ذلك، أما السيسي فجاء في مرحلة نحن ملحقون فيها ب"المشروع الاستعماري الصهيوني الوهابي" في منطقة يأتي الرئيس فيها بموافقة أمريكا وإسرائيل، لكنه جاء بثورة شعبية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، هي ثورة 25 يناير، والتي سُرقت بواسطة المجلس العسكري والإخوان، ثم استعادها الشعب في 30 يونيو بعد ذلك، الظرف هنا مختلف فقوى الماضي متشبثة به، وتحاول إعادة إنتاج النظام القديم ببعض التحسينات، وقوى المستقبل الشابة تحلم بمستقبل آخر جديد، وشعاراتها الأساسية "العيش والحرية والكرامة الإنسانية"، والسيسي أعلن انحيازه لقوى المستقبل، لكنه حتى الآن خاضع لابتزاز قوى الماضي، ومازال يناور، ولا نعرف بشكل حقيقي قدر انحيازه للقوى الشعبية، وسيتحدد ذلك بانحيازه لقوى الشباب والتحرير وبناء منظومة إنتاجية مستقلة عن إرادة صندوق النقد الدولي، وحتى الآن هذا لم يحدث. - وماذا عن قضايا المعتقلين؟ من المؤكد أنها خطيئة وسُبة في وجه أي نظام، يزعم انحيازه للطبقات الشعبية، فهؤلاء الشباب لُفقت لهم قضايا حمل سلاح وتخريب ممتلكات، وهي جريمة ترتكبها هذه الدولة. - لماذا تلتصق باسمك قصيدة "اخترناه" رغم نفيك كتابتها أكثر من مرة؟ لأنه مطلوب تشويه كل من ينتمي لهذه الثورة من شباب وعجائز، في الوقت الذي تقرب فيه الدولة من شاركوا في النظام القديم ويمثلون فكره بشكل أو بآخر. - كتبت على "تويتر" منذ فترة قريبة "متخفش من كلب مسعور قرب نهايته.. ده جبان خيبان مذعور.. ومش هيوصل لغايته".. فهل ترى نهاية قريبة للأعمال الإرهابية؟ هذا مسار اجباري للمستقبل، حتى نصل للمستقبل ينبغي أن نقضي تمامًا على الإرهاب، والفكر الوهابي، ومن وراءه، وحتى الآن نحن نرواح مكاننا في التصدي لهذا الفكر، وفي إصلاح الأزهر الذي تسللت إليه الكثير من العناصر الوهابية، ومقرراته الدراسية مازالت تعتبر "محمد بن عبد الوهاب" مصدرًا للمعرفة بالدين، والمشوار طويل، ولا سبيل للمستقبل الحق إلا بتغيير العقل المصري، وتخليصه من كثير من الخرافات والخزعبلات المسيطرة عليه، إلى جانب ضرورة إصلاح الأزهر، وتخليصه من كل "متخلف ومتسلف" في مناهجه الدراسية، والعودة إلى منهج "ابن رشد" في النظر، هو سبيل تجديد العقل المصري، وإعمال علوم العقل في علوم النقل.