بين رفاقه حداد وجاهين ونجم والأبنودي، تميز بطابع خاص، فهو ملك تترات المسلسلات العربية هو ورفيق عمره عمار الشريعي، كتب فوازير رمضان عام 1992 التي قدمتها شريهان، وصدر له عدد من الدواوين منها ديوانه الأول «صياد وجنية» في الستينيات، ثم مجموعاته الشعرية «نص الطريق»، و«في القمة»، وله مجموعة كبيرة من الأغاني والتترات لمسلسلات شهيرة، منها الأيام وقال البحر وبابا عبده والشهد والدموع، وعصفور النار وليالي الحلمية والوسية والوقف. ونظرا لما يحمله الشاعر سيد حجاب من قامة وقيمة في تاريخ الشعر الحديث، كان لصفحة الأدب معه هذا الحوار: في البداية حدثنا عن نشأتك وأسرتك وأساتذتك؟ نشأت في مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية علي ضفاف بحيرة المنزلة، في بيت من الصيادين، فأنا أنتمي لأسرة من المتعلمين في وسط عائلة كبيرة من الصيادين، والدي جاور لعدة سنوات في الأزهر ولم يستكمل تعليمه الأزهري، لكنه كان مثقفا متفتحا علي آداب العصر وفنونه وحافظا للتراث الشعري العربي، وفي القلب منه المعلقات، أبي هو أستاذي الأول، حين عرف أنني أقرض الشعر درس لي علم العروض والقوافي من كتاب كان مقررا علي الابتدائية الأزهرية قديما اسمه الكافي في العروض والقوافي. وأنا بين الحادية عشرة والرابعة عشرة كان أستاذي الثاني الأستاذ سليم شحاته نصر أستاذ الرسم في الثانوية الذي لفت نظري الي أن المادة الخصبة للشعر هي في الحياة من حولنا ووجهني للاهتمام بعالم الصيادين، وحين اتبعت تعليماته بدأت الكتابة بالعامية المصرية. أما أستاذي الثالث فهو الدكتور محمد مندور، الذي قدمني كشاعر يكتب بالفصحي وأنا في الثامنة عشرة من عمري في برنامج كتابات جديدة بالبرنامج الثاني للإذاعة، الذي صار اسمه البرنامج الثقافي فيما بعد، أما أستاذي الرابع والأكبر فهو صلاح جاهين، الذي قدمني في السابع والعشرين من يوليو عام 1961 لقراء صباح الخير في باب كان يحرره باسم «شاعر جديد يعجبني»، قال في تقديمه لي: «عندما أبحث عن كلمات أقدم بها هذا الشاعر الجديد لا تلبيني إلا الكلمات العاطفية، فإذا كان هناك حب من أول نظرة أو من النظرة الأولي فقد أحببت هذا الشاعر من الشطرة الأولي، تذكروا جيدا هذا الاسم فسوف يكون له شأن كبير في حياتنا المقبلة». وقد اقتربت منه كثيرا وتعلمت منه كثيرا، أسس دار «ابن عروسي» للنشر كي ينشر فيها ابداعات أبنائه وتلاميذه من شعراء العامية المصرية.وباليقين من وراء كل هؤلاء الأساتذة تعلمت كثيرا من تراث الأقدمين شعرا وفكرا. ما أول قصيدة كتبتها وما قصتها؟ أول قصيدة كتبتها وأنا في الحادية عشرة، وكانت عن شهيد في معارك الكفاح المسلح الدائر في منطقة قناة السويس، كان اسمه نبيل منصور يكبرني بقليل، واستشهد في هجمة علي معسكرات الجيش البريطاني في منطقة القنال، حين احترق المعسكر فظهر الفدائيون علي ضوء الحريق واستشهدوا ومن بينهم هذا الطفل، لم تخرج شحنة الغضب داخلي بعد المشاركة في الجنازة الرمزية التي قام بها الطلاب في مدرستنا، وحين عدت منها انفردت بذاتي وكتبت قصيدة كانت تبدأ.. كنا غزاة وأبطالا صناديدا.. صرنا لرجع الصدي في الغرب ترديدا، الي آخر القصيدة. ما هي القفزة الحقيقية في مسيرتك الفنية؟ النقلة الكبري كانت حين اختلطت بأهلي من الصيادين وحاولت الكتابة عنهم، في البداية لم تلبني الفصحي فاستخدمتها فقط في السرد بينما الحوار في القصيدة كان بالعامية، بعد قليل انفردت العامية بقصائد مستقلة كما انفردت الفصحي بقصائد أخري، وكانت أول قصيدة تبدأ هكذا «الفجر أدن يابويا.. قوم بطراحة/ سيبك من النوم وم الأحلام والراحة/ قوم للشقا يابا مين بياكلها بالراحة/ ولا كلمة يابا ما بتردش علي ولدك/ ليه يابا؟ ليه/ الدموع نخلتها طراحة» الي آخر القصيدة. أنت الشاعر الذي يحتل الصدارة في كتابة تترات المسلسلات فما هي قصة هذه التجربة؟ كتبت أنا وغيري العديد من أغنيات العناوين (التترات) للعديد من الأعمال التليفزيونية، قبل عام 1978لكن هذه الكتابات كانت نوعا من التزيين للدراما وليست متضافرة مع بقية العناصر الدرامية، ولكن في رمضان 1978 بدأت الكتابة بمنطق جديد لأغنيات العناوين المصاحبة لمسلسل بابا عبده والأيام وكان شريكي في هذا رفيق العمر والمشوار عمار الشريعي، وأعتقد أن هذا هو التأسيس الحقيقي للأغنية الدرامية في التليفزيون، فيه تعلمنا من الدراما الإغريقية كيف يتدخل الكورس ليكمل الرسالة الدرامية، في البداية هناك برولوج يقدم الأحداث المسرحية، ثم يتدخل بعد ذلك برواية بعض الأحداث التي لا ينبغي أو لا يمكن أن يشاهدها المتلقي، مثل ان يفقأ أوديب عينيه، تكون تدخلات الكورس هنا إضافة للدراما لا إيقافا لتدفقها، وفي النهاية يختتم الكورس المسرحية بما يسمونه اميبلوج ليكشف لنا المعني العام للعمل. جمهور العامية يكاد يكون أكثر، أليس ذلك دليلا علي أنها ند للفصحي؟ خاصة أنها علي عكس الفصحي تصل الي المثقف وغير المثقف؟ لكل أ ن يكتب باللغة القريبة من روحه ونفسه، وأنا أعتقد أن هذا التناقض المفتعل بين العامية والفصحي تناقض مغلوط، فاللغة أداة لتوصيل الرسالة الوجدانية للابداع، والمهم أن يكون الابداع حقيقيا وأن يكون الشعر المكتوب بتلك اللغة حقيقيا لا نظما متكلفا، وأنا أعتقد أن الوسائط الحديثة للتواصل سوف تحل هذا التناقض العقيم والمغلوط، فاللغة كائن حي يتطور مع الزمن وبحسب الحاجة الإنسانية له. ما هي الأصوات الشعرية التي تراها علي الساحة الآن؟ أظن أن ثورة 25 يناير أسقطت منظومة قديمة مهترئة للقيم الأخلاقية والجمالية، وأظن أنها كانت بشارة بثورة ثقافية نحن علي اعتابها، لكن معظم الابداعات التي كانت علي منصات التحرير ذات طبيعة تحريضية، وعلي قدر كبير من المباشرة، وهذا يحدث دائما خلال الثورات والانتفاضات، وأعتقد أنه عندما تختمر قيم الثورة في النفوس والأفكار سوف يكون عندنا أدب كبير وفنون جديدة علي كل المستويات. الجديد عند الشاعر سيد حجاب؟ منذ ثلاثة أعوام بدأت كتابة قصيدة عمري، عنوانها «تاتا خطي السبعين»، وهي مقسمة الي ثلاثة أبواب، باب الحق وباب الخير وباب الجمال، أنهيت الأول وأشرع في إنهاء الباب الثاني الآن، وأتمني أن تعكس هذه القصيدة رؤية شاملة للإنسان والوجود من تجربة حياتي.