معنى «حجب» فى معاجم اللغة العربية: ستر، والحجاب هو الستر، فى تفسير ابن خلدون (المقدمة) «الحاجب: هذا اللقب كان مخصوصًا فى الدولة الأموية والعباسية بمن يحجب السلطان عن العامة ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره فى مواقيته» بمعنى أن الحاجب والحجاب وظيفتهما واحدة، هى تقسيم الفضاء إلى اثنين الداخل والخارج. وتعرض القرآن إلى الحجاب والجلباب والخمار فى آيات ثلاث فقط، الأولى هى آية الحجاب، تتعلق بنساء النبى حصرًا، ولا توجد أى إشارة أو تصريح بأنها تتعلق بنساء المؤمنين. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا». ويفسر لنا أنس بن مالك أسباب نزول هذه الآية فيقول: «كان النبى صلى الله عليه وسلم قد تزوج من زينب بنت جحش، وكان قد كلفنى بدعوة الناس إلى حفلة العرس، وكان الناس قد جاؤوا بأعداد كبيرة.، كانوا يأكلون ثم ينصرفون. قلت للنبى: يا رسول الله، دعوت الكثير ولم أعد أجد أشخاصًا أدعوهم. وفى لحظة معينة قال النبى (ص): كانت زينب جالسة فى زاوية من الغرفة، وكانت على قدر كبير من الجمال، كل المدعوِّين كانوا قد ذهبوا ما عدا ثلاثة، يتناقشون فى ما بينهم بلا انقطاع. وترك النبى (ص) الغرفة مغتاظًا. وتوجه صوب مسكن عائشة. وبرؤيته لها حياها بقوله: السلام عليك يا ساكنة البيت، وردت عائشة: وعليك السلام يا نبى الله، كيف وجدت رفيقتك الجديدة؟ وأجرى دورة على غرف زوجاته الأخريات، ورجع أخيرًا إلى غرفة زينب، فوجد أن المدعوين الثلاثة لم يذهبوا بعد، وأنهم ما زالوا يتحادثون. كان النبى (ص) مهذبًا ومتحفظًا إلى أقصى حد: فعاود الخروج إلى غرفة عائشة. ولم أعد أذكر ما إذا كنت أنا أم شخص آخر قد أعلمه أن الأشخاص الثلاثة قرروا أخيرًا الذهاب. على كل حال، عاد نحو حجرة العروس، فقدم رِجلا داخل الغرفة وأبقى الأخرى خارجها، وفى هذا الموضع أسدل سترًا بينه وبينى ونزلت آية الحجاب فى تلك اللحظة». إن هذه الآية كانت إنذارًا للصحابة، تؤكد طرق التهذيب التى كانت تنقصهم، وكان الحجاب هنا قطعًا للحيز بين النبى (ص) وأنس. الآية الثانية وهى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الأحزاب: 59)، وجاء فى أسباب نزولها التى أخرجها ابن سعد فى الطبقات عن أبى مالك قال: كانت نساء النبى يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فشكون ذلك، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا إنما نفعله بالإماء. والآية الثالثة تتعلق بالخمار والزينة: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...» النور 31. وجاء فى أسباب نزولها أن أسماء بنت مرتد كانت فى نخل لها، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات فيبدو ما فى فى أرجلهن وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء ما أقبح هذا فأنزل فى ذلك آية. وقد طبق عمر بن الخطاب بعض الإجراءات لعدم السماح للجوارى بالخروج فى هيئة الحرائر وسار على نهجه عمر بن عبد العزيز. أى أن الحجاب كان مصدرًا للتميز بين النساء الحرّات فى المجتمع والإماء اللواتى أبيح التعرض لهن. والسؤال هنا: لماذا لا يزال الحجاب موجودًا رغم انتهاء عصر الرق والإماء؟ لماذا لا تناقش عفة وشرف الرجال؟ ولماذا لا تتغير القلوب الضعيفة والعقول المريضة بدلا من حجب وستر المرأة؟