وزيرة التخطيط: الابتكار وريادة الأعمال ركيزتان أساسيتان لتجاوز «فخ الدخل المتوسط» (تفاصيل)    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس لبحث تطورات القضية الفلسطينية    وزير الأوقاف يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    اليوم.. الأهلي يواجه وادي دجلة في نهائي كأس مصر للسيدات    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    شاب ينهي حياته بأقراص سامة بسبب خلافات أسرية    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    الصحة تعقد اجتماعا تحضيريا لتنفيذ خطة التأمين الطبي لساحل المتوسط خلال الصيف    محافظ سوهاج يفتتح ميدان سيتي بعد تطويره ويتفقد مشروعات التجميل بالمدينة    من 7100 إلى 15100 جنيه.. زيادة المرتبات رسميًا لموظفي الحكومة في هذا الموعد    توريد 180 ألف طن قمح لصوامع وشون قنا    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    «الشيوخ» يناقش تعديلات قانونه ل«تقسيم الدوائر» غدا    وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى باريس لبحث القضية الفلسطينية    كوريا الشمالية تباشر التحقيق في حادث وقع خلال تشدين سفينة حربية    انطلاق قافلة دعوية إلى مساجد الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء    وزير الري: تحديات المياه في مصر وأفريقيا تتطلب مزيدًا من التعاون وبناء القدرات    فينيسيوس مودعا مودريتش: كُرتك فن.. وقصتك بألف كتاب    الهلال يفاوض أوسيمين    سيدات الأهلي يواجهن بترو أتلتيكو بالنهائي بكأس الكؤوس الإفريقية لكرة اليد    النحاس يدرس استبعاد إمام عاشور من ودية الأهلى اليوم بسبب الوعكة الصحية    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 23 مايو في سوق العبور للجملة    قراران جمهوريان مهمان وتكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل خير للمصريين    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 38 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    بروتوكول تعاون بين "الإسكان" و"الثقافة" لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    وزير الثقافة يشهد حفل فرقة أوبرا الإسكندرية ويشيد بالأداء الفنى    نبيلة مكرم تكشف لأول مرة عن أسرار خاصة بشأن أزمة نجلها "رامي"    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    الإفتاء توضح سنن يوم الجمعة .. أبرزها الإغتسال    وزير الاستثمار يلتقي رئيس "أبوظبي للطيران" لاستعراض مجالات التعاون    وزير الصحة يشارك في مائدة مستديرة حول البيانات والتمويل المستدام لتسريع التغطية الصحية الشاملة    الرعاية الصحية: التعاون مع منظمة الهجرة الدولية في تقديم الخدمات للاجئين    محافظ القاهرة: جهود الدولة في الملف الصحي تعكس اهتمام القيادة السياسية بصحة المجتمع    طقس الأيام المقبلة.. تقلبات حادة في درجات الحرارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 23-5-2025 في محافظة قنا    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    فلسطين.. شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا بخان يونس جنوب قطاع غزة    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    4 أبراج «بيسيبوا بصمة».. مُلهمون لا يمكن نسيانهم وإذا ظهروا في حياتك تصبح أفضل    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    كأس مصر لكرة القدم سيدات.. بين قوة الأهلى وطموح وادى دجلة    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    بدون الأهلي «بطل آسيا».. تحديد رباعي السوبر السعودي 2025    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    الفنان محمد رمضان يسدد 26 مليون جنيه لصالح شبكة قنوات فضائية    «تعليم القاهرة» يختتم مراجعات البث المباشر لطلاب الشهادة الإعدادية    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنة الحجاب بين الإمام والمستشار
نشر في فيتو يوم 03 - 05 - 2015

بين «الموروث الشعبي» و«فرض العين» ظل «حجاب المرأة» مدفعًا يوجه قذائفه كل طرف نحو الآخر، فرحل عن الحياة من رحل، وبقيت القضية محل خلاف وجدال واسعين تشتعل نيرانها وترتفع إلى عنان السماء ثم تخمد وتظل تحت الرماد منتظرة من ينبشها من جديد.
قبل 21 عامًا، أخذت قضية الحجاب طريقها إلى صفحات جريدة «روزاليوسف» عام 1994، وتشكل فريقان للدفاع عن الموقفين السابقين، فالجبهة الأولى مثلها المستشار محمد سعيد العشماوى الكاتب والمفكر والقانوني، والثانية تصدى لها الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، وكلٌ منهما كانت له آراؤه وأسانيده وحججه ولكن اللافت أن كلا منهما استند إلى نفس الآيات القرآنية.
«شعار سياسي لا ديني» بهذه الرؤية لخص المستشار محمد سعيد العشماوى المفكر والقانونى رئيس محاكم استئناف القاهرة والجنايات وأمن الدولة العليا سابقًا، مستندًا إلى تفسير عدد من الآيات والأحاديث النبوية.
في 13يونيو 1994، نشر «عشماوي» بحثًا تحدث فيه، قائلا: «مسألة حجاب النساء أصبحت تفرض نفسها على العقل الإسلامي، وغير الإسلامي، بعد أن ركزت عليها بعض الجماعات، واعتبرت أن حجاب النساء فريضة إسلامية، وقال البعض إنها فرض عين، أي فرض دينى لازم على كل امرأة وفتاة بالغة، ونتج عن ذلك اتهام من لا تحتجب (بالطريقة التي تفرضها هذه الجماعات) بالخروج عن الدين والمروق من الشريعة».
رئيس محكمة الجنايات سابقًا الذي كان مفكرًا مثيرًا للجدل رأى كذلك أن مخالفة هذه الفريضة (من وجهة نظر مؤيديها)، يستوجب العقاب الذي قد يُعد أحيانًا عقابًا عن الإلحاد (أي الإعدام)، فضلًا عن التزام بعض النساء والفتيات بارتداء ما يقال إنه حجاب في بلاد غير إسلامية، وفى ظروف ترى فيها هذه البلاد أن هذا الحجاب شعار سياسي وليس فرضًا دينيًا، مما يحدث مصادمات بين المسلمين وغير المسلمين، كما أحدث منازعات بين المسلمين أنفسهم، فما حقيقة الحجاب، وما الأساس الدينى الذي يستند إليه من أنه فريضة إسلامية؟
في محاولة منه لتفصيل رأيه فيما يتعلق ب«أزمة الحجاب»، تتبع «عشماوي» الآيات القرآنية التي يستند إليها أنصار «الحجاب» لاستجلاء حقيقتها، واستقصاء الغرض منها، ثم بيان الحديث النبوى في ذلك وتتبع مفهومه ونطاقه.
(آية الحجاب)
عرف المستشار سعيد العشماوى الحجاب وفقًا للغة بأنه «الساتر، وحجب الشيء أي ستره، وامرأة محجوبة أي امرأة قد سترت بستر (لسان العرب، المعجم الوسيط: مادة حجب)». واعتبر أن الآية القرآنية التي وردت عن حجاب النساء تتعلق بزوجات النبى وحدهن، وتعنى وضع ساتر بينهن وبين المؤمنين، مستندًا إلى الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ * إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ * وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ * وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ * ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ * وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا * إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا».
المستشار العشماوى تحدث عن أن «وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ» يقصد بها نساء النبي، مضيفًا: «وقيل في أسباب نزول الحكم الأول من الآية (تصرف المؤمنين عندما يدعون إلى الطعام عند النبى)، إنه لما تزوج (زينب بنت جحش) امرأة زيد أوْلَم عليها، فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت النبي، وزوجه (زينب) مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على النبي، ومن ثم نزلت الآية تنصح المؤمنين بألا يدخلوا بيت النبى إذا ما دعوا إلى طعام إلا بعد أن ينضج هذا الطعام، فإذا أكلوا فلينصرفوا دون أن يجلسوا طويلًا يتحدثون ويتسامرون». [تفسير القرطبى طبعة دار الشعب ص 5306].
«وقيل في أسباب نزول الحكم الثانى من الآية (والخاص بوضع حجاب بين زوجات النبى والمؤمنين) إن عمر بن الخطاب قال للنبي: (يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن)، فنزلت الآية»، بحسب ما جاء ببحث رئيس محكمة استئناف القاهرة سابقًا، مضيفًا: «القصد من الآية أن يوضع ستر بين زوجات النبى وبين المؤمنين، بحيث إذا أراد أحد من هؤلاء أن يتحدث مع واحدة من أولئك أن يفعل ذلك وبينهما ساتر، فلا يرى أي منهما الآخر». وذهب إلى أن هذا الحجاب «بمعنى الساتر» خاص بزوجات النبى وحدهن، فلا يمتد إلى ما ملكت يمينه «من الجوارى» ولا إلى بناته، ولا إلى باقى المؤمنات، وفى ذلك يروى عن أنس بن مالك أن النبى أقام بين خيبر والمدينة ثلاثًا «من الأيام» يبنى عليه «أي يتزوج» بصفية بنت حُيى، فقال المؤمنون إن حجبها فهى من أمهات المؤمنين «أي من زوجاته» وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه «أي من جواريه»، فلما ارتحل وطأ (أي مهد) لها خلفه ومد الحجاب «أي وضع سترًا» بينها وبين الناس، و«بذلك فهم المؤمنون أنها زوج له وأنها من أمهات المؤمنين وليست مجرد جارية»، (أخرجه البخارى ومسلم)
(آية الخمار)
ثم استشهد المستشار العشماوى بآية الخمار وهي: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، موضحًا أن سبب نزول هذه الآية أن النساء كن في زمان النبى يغطين رءوسهن بالأخمرة (وهى المقانع) ويسدلها من وراء الظهر، فيبقى النحر (أعلى الصدر) والعنق لا ستر لهما، فأمرت الآية المؤمنات بإسدال الخمار على الجيوب، فتضرب الواحدة منهن بخمارها على جيبها (أعلى الجلباب) لستر صدرها. [تفسير القرطبى طبعة دار الشعب ص 4622].
وأضاف: «علة الحكم في هذه الآية هي تعديل عرف كان قائمًا وقت نزولها، حيث كانت النساء يضعن أخمرة (أغطية) على رءوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك، ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر بدلًا من كشفه، دون أن تقصد إلى وضع زى بعينه».
«فالواضح من السياق، في الآية السالفة والحديث السابق، أن القصد الحقيقى منهما هو وضع فارق أو علامة واضحة بين المؤمنين والمؤمنات وغير المؤمنين وغير المؤمنات. ومعنى ذلك أن الحكم في كل أمر حكم وقتى يتعلق بالعصر الذي أريد فيه وضع التمييز وليس حكمًا مؤبدًا»، وفقًا لما ذكره المستشار «العشماوي».
(آية الجلابيب)
أما آية الجلابيب ونصها: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ»، فقال إن سبب نزولها عائد إلى أن عادة العربيات (وقت التنزيل) كانت التبذل، فكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء (الجوارى).
وقال: «وإذ كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكُنف (دورات المياه) في البيوت، فقد كان بعض الفجار من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن من الجوارى أو من غير العفيفات، وقد شكون ذلك للنبى ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقًا وتمييزًا بين (الحرائر) من المؤمنات وبين الإماء وغير العفيفات هو إدناء المؤمنات لجلابيبهن، حتى يُعرفن فلا يؤذين بالقول من فاجر يتتبع النساء دون أن يستطيع التمييز بين الحرة والجارية أو غير العفيفة».
واعتبر أن «علَّة الحكم في هذه الآية أو القصد من إدناء الجلابيب أن تعرف الحرائر من الإماء والعفيفات من غير العفيفات، حتى لا يختلط الأمر بينهن ويُعرَفن، فلا تتعرض الحرائر للإيذاء، واختلف الفقهاء في معنى إدناء الجلابيب على تفصيل لا محل له، والأرجح أن المقصود به ألا يظهر جسد المرأة».
كما شدد على أن علة الحكم المذكور في الآية، وهى التمييز بين الحرائر والإماء، قد انتفت لعدم وجود إماء (جوار) في العصر الحالي، وانتفاء ضرورة قيام تمييز بينهما، ولعدم خروج المؤمنات إلى الخلاء للتبرز وإيذاء الرجال لهن، ونتيجة لانتفاء علة الحكم فإن الحكم نفسه ينتفى (أي يرتفع) فلا يكون واجب التطبيق شرعًا.
وركز على أنه مما سلف يتضح أن الآيات المشار إليها لا تفيد وجود حكم قطعى بارتداء المؤمنات زيًا معينًا على الإطلاق وفى كل العصور، ولو أن آية من الآيات الثلاث الآنف ذكرها تفيد هذا المعنى، على سبيل القطع واليقين، لما كانت هناك ضرورة للنص على الحكم نفسه مرة أخرى في آية أخرى، فتعدد الآيات يفيد أن لكل منها قصدًا خاصًا وغرضًا معينًا يختلف عن غيره، لأن المشرع العادى منزه عن التكرار واللغو فما البال بالشارع الأعظم؟!
وقال: «ومن أجل ذلك، فقد روى حديثان عن النبى يستند إليهما في فرض غطاء الرأس (الذي يسمى خطأ الحجاب) فقد رُوى عن عائشة عن النبى أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت، بلغت، أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا) وقبض على نصف الذراع. ورُوى عن أبى داود عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول الله فقال لها: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى فيها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه).
ويُلاحظ على هذين الحديثين أنهما من أحاديث الآحاد، وفى التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد أحاديث للاسترشاد والاستئناس، لكنها لا تنشئ ولا تلغى حكمًا شرعيًا، ومن جانب آخر، فإنه رغم رواية الحديثين عن واحدة، هي عائشة زوج النبي، فإنه قد وقع تناقض بينهما، ففى الحديث الأول قيل إن النبى قبض على نصف ذراعه عندما قال الحديث، بما يفيد أن الجائز للمؤمنة البالغة أن تُظهر وجهها ونصف ذراعها (بما في ذلك الكفين) بينما قصر الحديث الثانى الإجازة على الوجه والكفين وحدهما (دون نصف الذراع)، ومن جانب ثالث، فقد ورد الحديث الأول بصيغة الحلال والحرام، بينما جاء الحديث الثانى بصيغة الصلاح «لا يصلح للمرأة إلا كذا»، وفارق ما بين الإثنين كبير، ذلك أن الحلال والحرام يدخلان في نطاق الحكم الشرعى، في حين أن «الصلاح» يتعلق بالأفضل والأصلح في ظروف اجتماعية معينة، وفقًا لبحث المستشار عشماوي. واختتم العشماوى بحثه، قائلا: «ومع هذا الاختلاف البين بين الحديثين، فإنهما يثيران مسألة وقتية الأحكام، وقد كان لعدم الفصل بين النوعين من الأحكام: المؤبد والوقتى أثر كبير في الخلاف بين الفقهاء. فقد يرى بعضهم حكمًا للرسول يظن أنه شرع عام أبدى لا يتغير بينما يراه الآخر صادرًا عنه لعلة وقتية، وأنه حكم جاء لمصلحة خاصة قد تتغير على الأيام».
«طنطاوي»: بل فريضة على جميع المسلمات
لم يصمت شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى (مفتى الجمهورية حينها) كثيرًا أمام بحث «العشماوي»، بل خرج، مؤكدًا أن الحجاب فريضة لا جدال في ذلك.
كتب «الدكتور طنطاوي» تحت عنوان «بل الحجاب فريضة إسلامية» أن «الذي رآه أن تخصيص هذا الحجاب بزوجات النبى وحدهن كما يرى سيادته ليس صحيحًا لأن حكم نساء المؤمنين في ذلك، كحكم زوجات النبي، لأن المسألة تتعلق بحكم شرعى يدعو إلى مكارم الأخلاق، وما كان كذلك لا مجال معه للتخصيص، ولأن قوله تعالى: (ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) علَّة عامة، تدل عل تعميم الحكم، إذ جميع الرجال والنساء في كل زمان ومكان في حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب وأعف للنفوس.
وأضاف: ولذا قال بعض العلماء: قوله تعالى: (ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من العقلاء، إن غير أزواج النبى لا حاجة بهن إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهن.
وذهب شيخ الأزهر الراحل إلى أن «الجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب، حكم عام في جميع النساء، وليس خاصًا بأمهات المؤمنين، وإن كان أصل اللفظ خاصًا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه، (تفسير أضواء البيان ج 6 ص 46)، مضيفًا: فضلًا عن كل ذلك، فإن الإمام القرطبى، الذي جعله سيادته مرجعًا له في معظم مقاله، قد صرح بذلك عند تفسيره للآية ذاتها فقال: (المسألة التاسعة: في هذه الآية دليل على أن الله أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تعرض، أو مسألة يُستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة) تفسير القرطبى ص 14، ص227، طبعة وزارة الثقافة 167، والخلاصة أن تخصيص الحجاب في هذه الآية الكريمة بأزواج النبى غير صحيح، ولا دليل عليه لا من النقل ولا من العقل.
وفى تعليقه على بحث المستشار العشماوي، قال «طنطاوي»: «ثم قال سيادته (ثانيًا: آية الخمار)، وتعليقى على هذا القول إن سيادته استشهد على ما يريده بالجملة الأخيرة مما ذكره من الآية الكريمة، وترك تفسير ما قبلها وما بعدها، مع أن محل الشاهد على الحجاب هو قوله تعالى قبل هذه الجملة مباشرة: «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا».
كما أضاف: «ومعنى الآية الكريمة إجمالًا: وقل، أيها الرسول الكريم، للمؤمنات، أيضًا، بأن من الواجب عليهن، أن يغضضن أبصارهن عن النظر إلى ما لا يحل لهن، وأن يحفظن فروجهن من كل ما نهى الله تعالى عنه، ولا يظهرن شيئًا من زينتهن سوى الوجه والكفين لغير أزواجهن أو محارمهن.. فحمل الشاهد على الحجاب وعلى أن المرأة البالغة لا يجوز لها شرعًا أن تظهر شيئًا من زينتها، سوى الوجه والكفين، لغير زوجها أو محارمه، هو قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)».
وأوضح كذلك أن «الإمام القرطبى الذي استشهد سيادته ببعض كلامه هنا، قد فسر هذه الآية في ثلاث عشرة صفحة، وساق خلال خلال تفسيره لها ثلاثًا وعشرين مسألة، وقال في المسألة الثالثة: أمر الله النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في بقية الآية، محذرًا من الافتنان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، واختلف الناس في قدر ذلك.. فقال سعيد بن جبير وعطاء والأوزاعى: الوجه والكفين».
والخلاصة أن قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، هو بيان لكيفية إخفاء بعض مواضع الزينة بالنسبة للمرأة، بعد النهى عن إبدائها في قوله تعالى قبل ذلك: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، والمعنى: وعلى النساء المؤمنات ألا يظهرن شيئًا من زينتهن سوى الوجه والكفين، وعليهن كذلك أن يسترن رءوسهن وأعناقهن وصدورهن بخمرهن، حتى لا يطلع أحد من الأجانب على شيء من ذلك، فالآية الكريمة بكاملها، من أصرح الآيات القرآنية في الأمر بالتستر والاحتشام بالنسبة للنساء، وفى النهى عن إبداء شيء من زينتهن سوى الوجه والكفين، بحسب د. طنطاوي.
وأضاف شيخ الأزهر الراحل: «ثم قال سيادته: أما آية الجلابيب فنصها كالآتي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)»، فإن الذي أراه أن تفسير الآية الكريمة بهذه الصورة التي ذكرها سيادته، والنتائج التي استخلصها، بعيدة عن الصواب، لأن الآية الكريمة واضحة فإنها تأمر النبى بأن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالتزام الاحتشام والتستر في جميع أحوالهن.
وأوضح أنه جرت العادة أن الإماء أو الخدم بطبيعتهن يكثر خروجهن وترددهن على الأسواق وغيرها، نظرًا لحاجتهن إلى ذلك بخلاف غيرهن من النساء، ومع ذلك فالمحققون من المفسرين، يرون أن المراد بنساء المؤمنين هنا يشمل الحرائر والإماء، وأن الأمر بالتستر يشمل الجميع، فقد قال الإمام أبو حيان في (تفسيره البحر المحيط ج7، ص 250): «والظاهر أن قوله (ونساء المؤمنين) يشمل الحرائر والإماء، والفتنة، بالإماء أكثر، لكثرة تصرفهن، بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن (أي الإماء) من عموم النساء إلى دليل واضح، ولا دليل هنا..».
وشدد على أن الذي ذكره الإمام أبو حيان هنا من أن المراد بنساء المؤمنين، ما يشمل الحرائر والإماء، هو الذي تطمئن إليه النفس، ويرتاح له العقل، لأن التستر التام مطلوب لجميع النساء، لا فرق في ذلك بين امرأة وأخرى، سواء أكانت مخدومة أم خادمة.
والخلاصة هنا، وفقًا ل«د. طنطاوي»، أن ما ذهب إليه سيادته (يقصد المستشار العشماوي) من تفسير للآية، ومن استشهاد بعلم أصول الفقه، لا نرى محلًا له، لأن الآية واضحة الدلالة في أمر النبى بأن يأمر زوجاته وبناته وسائر نساء المؤمنين، بالتستر والاحتشام، لأن ذلك أدعى لصيانتهن من أن تمتد إليهن عيون المنافقين بالسوء.
وأضاف: أن سيادته قال (بعد أن ذكر حديثين عن السيدة عائشة): «ويُلاحظ على هذين الحديثين أنهما من أحاديث الآحاد لا الأحاديث المجمع عليها، أي المتواترة أو الأحاديث المشهورة، وفى التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد أحاديث للاسترشاد والاستئناس، لكنها لا تنشئ ولا تلغى حكمًا شرعيًا...»، وأقول: بل التقدير الصحيح أن أحاديث الآحاد حجة يجب اتباعها والعمل بها.
واختتم شيخ الأزهر الراحل مقاله، قائلا: «وفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب خلاف الذي استشهد به سيادته هنا، هو القائل في كتابه (علم أصول الفقه ص 43 طبعة دار القلم بالكويت): (وكل سُنَّة من أقسام السنن الثلاث: المتواترة، والمشهورة، وسنن الآحاد، حجة واجب اتباعها والعمل بها. أما المتواترة، فلأنها مقطوع بصدورها وورودها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما المشهورة أو سنة الآحاد، بما توافر في الرواة من العدالة وتمام الضبط والإتقان، ورجحان الظن كافٍ في وجوب العمل) وبناءٍ على كل ذلك يجب العمل بالحديثين اللذين وردا عن السيدة عائشة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.