بالعلم ترتقي الأمم، وبالعلم تتطور الشعوب، وبالعلم ينتصر المظلوم على الظالم.. مجرد شعارات ترفعها الدول ويصدقها الشباب ويصطدموا بواقع المحسوبية والوساطة والنظرة الطبقية عند التقدم لأي وظيفة مرموقة في الدولة. لم تكن تصريحات وزير العدل، المستشار محفوظ صابر، التي قال فيها إن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيًا أو يعمل بمجال القضاء، لأن القاضي لا بد أن يكون قد نشأ في وسط بيئي واجتماعي مناسب لهذا العمل"، إلّا ترجمة للواقع المستمر منذ سنوات؛ فأبناء الفئات البسيطة من المتفوقين دائمًا يصطدمون بعبارة "غير لائق اجتماعيًا" التي تؤدي في أحيان كثيرة إلى ضغوطات نفسية لا حصر لها أو ربما لانتحارهم. شتا.. انتحار خريج سياسة واقتصاد لأنه ابن فلاح فقير عبد الحميد علي شتا، الشاب القروي الذي ينتمي إلى قرية ميت الفرماوي بمحافظة الدقهلية، خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عام 2000، الذي توقع له الكثيرون مستقبل باهر بعد حصوله على عدة جوائز، ومنها الجائزة التي حصل عليها من وزارة الخارجية على دراسة أعدها وهو طالب، وتكليفه من قبل وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بالإشراف على الطلاب في أحد تدريبات الكلية، وتحضيره رسالة ماجستير. بعد تخرجه بتفوق، قرر التقدم في 2002 لاختبارات جهاز التمثيل التجاري للحصول على وظيفة ملحق تجاري، واجتاز كل الاختبارات حتى جاء موعد إعلان النتيجة؛ ففوجئ بأنه الوحيد من بين 42 متقدمًا الذي استبعد، أمّا السبب؛ فكان بنص ما جاء في القرار "غير لائق اجتماعيًا" لأنه ابن مزارع فقير يعمل في قرية نائية. لم يتحمل "شتا" الصدمة، وتوجه مباشرة إلى كوبري أكتوبر بالقاهرة، وألقى بنفسه في النيل وسط ذهول المارة، ولم تظهر جثته إلّا في اليوم التالي عند القناطر الخيرية. محمد كمال الدين فقد الأب والوظيفة محمد كمال الدين، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، بتقدير جيد، الذي قرر التقدم للتعيين بالنيابة العامة ضمن المرحلة الثانية من التعيينات التي خصصها المجلس الأعلى للقضاء، برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي، آنذاك، لخريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، الحاصلين على تقدير جيد. صدر قرار من المجلس الأعلى للقضاء في 24 يونيه 2013، بتعيينه ضمن 138؛ ليصبحوا معاونيين نيابة عامة، لكن توقف القرار على إمضاء الرئيس المعزول، محمد مرسي، الذي أجله إلى عقب 30 يونيو 2013، ومن سوء حظه إنه بعد ثورة 30 يونيو اتخذت رئاسة الجمهورية قرارًا بإعادة القرار إلى المجلس الأعلى للقضاء، للنظر في كشوف المعينين، وتفادي من هم منتمين إلى جماعة الإخوان، وتم استبعاد اسمه من الكشوف لعدم حصول والده على مؤهل عال، ووقع الخبر على والده كالصاعقة، ودخل في نوبة اكتئاب شديد، وأصيب بجلطة ومات على إثرها.