افتتح المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، اليوم الأحد، المبنى الجديد لدار الوثائق القومية، بمدينة الفسطاط بالقاهرة، بحضور عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة، والدكتور سلطان الجابر، وزير الدولة الإماراتي، وعددٍ من الوزراء، والسفير الإماراتي بالقاهرة، ومجموعة من الشخصيات العامة. في بداية الافتتاح، تجوَّل رئيس الوزراء ومرافقوه في أنحاء وأقسام دار الوثائق القومية الجديدة، حيث تفقَّد قاعة البحث، والمكتبة، ومخازن الوثائق، وأشاد بقيمة ما تحتويه الدار من وثائق، والجهد المبذول للحفاظ عليها، واستخدام الميكنة والتطور التكنولوجي في حفظ الوثائق. وشهد حفل الافتتاح عرض فيلم تسجيلي، يوضِّح نشأة دار الوثائق، ودورها في حفظ الوثائق والتراث، ومراحل بناء المبنى الجديد، ثم قدَّم استشاري المشروع عرضًا عن تصميم المبنى الجديد. وأشار رئيس الوزراء إلى أنَّ هذا الصرح الجديد يليق بحجم مصر وتاريخها، كما أنه يفرض عليها أن تكون هناك استراتيجية واضحة للمحافظة على الأوراق والمستندات المتعلقة بتاريخ هذه الأمة، بوصفها من التراث الإنساني، وبخاصةً أنَّ حراك الأمة بكل مؤسساتها ينتج عنه ملايين الأوراق التي تسجل الأحداث المصرية. ولفت إلى أنَّ دار الوثائق القومية تمتلك ثروة ضخمة من التراث الوثائقي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتكاد تكون المصدر المحلي الوحيد لكثير من الأحداث التاريخية لبعض بلدان المنطقة العربية، كما أنها تقدم معلومات مهمة مسؤولة عن رسم جزء مهم من الصورة العامة لتاريخ العالم. وفي كلمته التذكارية للدار، كتب رئيس الوزراء: "على بركة الله، هذا يوم سيذكر في تاريخ الثقافة المصرية، الاحتفاظ بالوثائق المصرية حدث هام في تاريخ مصر، وشكرًا للأخ العزيز الغالي الرجل الذي أحب مصر فأحبه المصريون، الشيخ سلطان القاسمي، شكرًا له، وبارك الله فيه، وشكرًا لكل من بذل الجهد والعرق، والفكر لإتمام هذه المنارة الرائعة". وقال سمو الشيخ القاسمي، حاكم الشارقة: "ما هذا المبنى ولا أي عمل نقوم به لمصر إلا نقطة في بحر عطائها، فقد جئت إلى مصر عام 1965 طالبًا للعلم، فوجدت جميع علوم الدنيا هنا، من تراث وآثار وقيم وأخلاق، وقد عشت هنا خمس سنوات، وعز عليَّا فراقها، ولكن بقيت مصر محفورة في القلب". وأضاف: "ربما يقول إنسان أنك تذكرها في اليوم مرة، أو في الأسبوع مرة، لكن هناك صورة في بهو منزلى لمنطقة جميلة في النيل، أمرُّ بها يوميًا ست أو سبع مرات، وكلما دخلت التفت إليها، وأقول سلامًا عليك يا مصر، مهما غربوا أو شرقوا بك، بحبك يا مصر". وتابع: "عشت في مصر ليس كأي طالب، لكن عشت لأعرف هذا البلد، وأخبر أهله، وأعظم شيء عرفته، هو المصري الأصيل، قبل العلم والتراث الذي تعلمته، عشت هنا خمس سنوات، نسيت فيها أهلي، وكانت مصر هي أهلي، وكل شيء جميل في مصر رأيته، وكل شيء قبيح ما رأيته.. وخرجت من هذا البلد بعد أن طبعت كل صورة فيه في قلبي". وأشار إلى أنه يوم احتراق المجمع العلمي، كانت الكتب تحترق في الداخل، بينما كانت النار في قلبه، وقد اتصل مباشرة بالمسؤولين، وقال لهم إنه لديه كتبًا سيعوِّض بها المجمع العلمى، وهو ما تم بالفعل، حيث تم تعويض المجمع بكل ما احترق. وذكر القاسمي: "فضل مصر على منطقة الخليج عامة، وعلى الإمارات خاصة، فمصر بعثت لنا البعثات التعليمية، ورغم ظروفها ما قللت مرة عدد المدرسين، بل زادتهم، وكانت تدفع لهم رواتبهم، وهذا كرم، قسمًا بالله ما ننساه، وأنا عشقت مصر قبل أن أراها". وخاطب حاكم الشارقة المصريين قائلاً: "ما كان يراد بكم أكبر مما ترونه، فقد أريد بكم زوال من الوجود، ولكن الحمد لله بهمة الرجال، والشباب، استطاعت مصر أن تقف ليس في مكانها، ولكن امتدت يدها لتصل وتحمينا نحن البعيدين هناك، وأن تحمي مكاسب مصر، ونحن ننظر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أنَّ الله أتى به لينقذ مصر، وسئلت مرة: صفه لنا؟ فقلت لم أره، ولكن أشاهده وتصرفاته.. متسامح، ولكن ليس عن الحق، يعرف العدو والصديق، ويعرف الطريق، رجل لا يقول فعلت، ولكن يقول أنتم، وهذه صفة القيادة، ونأمل أن يحميه الله لمصر، حتى تصل بأبنائها إلى مستوى من العزة والكرامة بما تستحقه". وشهدت كلمة القاسمي تصفيقًا حادًا من الحضور، وتأييدًا كبيرًا. من جانبه، أشار وزير الثقافة إلى أنَّ دعم الشيخ القاسمي، لفكرة إنشاء مبنى جديد لدار الوثائق بدأت عام 2003، عندما زار مبنى دار الوثائق القومية بمقرها بكورنيش النيل كأقدم دار للوثائق في المنطقة، وأعلن مبادرة لبناء مبنى جديد بتكلفة 100 مليون جنيه. ولفت إلى أنَّ تصميم المبنى الجديد لدار الوثائق بالفسطاط يعتبر فريدًا من نوعه، وقد فاز بجائزة أفضل مبنى لحفظ الوثائق في مؤتمر المجلس الدولي للأرشيف في ماليزيا 2008. وأوضح أنَّ المعدل الطبيعي السنوي لتدفق الأوراق التي تدخل دار الوثائق لا يقل عن تسعة ملايين ورقة سنويًا يجب حفظها، وهو ما يعني الحاجة إلى مساحات للحفظ تزداد بمقدار الزيادة في الأوراق، ونشاط مؤسسات الدولة، ومن هنا كانت الأهمية لإنشاء مبنى جديد لدار الوثائق برعاية الشيخ الدكتور القاسمي. وفي نهاية الاحتفال، كرَّم رئيس الوزراء الشيخ سلطان القاسمي، وأهداه درعًا بهذه المناسبة، كما تم تكريم الدكتور محمد صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، وصاحب فكرة إنجاز المشروع.