النظام السياسى المصرى منذ نشأة الدولة الحديثة فى عصر محمد على يعتمد على الخدمات والمزايا التى يقدمها إلى الشعب، وليس الحفاظ على حقوق المواطنين لاكتساب الشرعية، لذلك معادلة الحكم بسيطة رغم اختلاف الحاكمين وتوجهاتهم الأيديولوجية إن وجدت. المعادلة باختصار شديد مؤسسة تسيطر على الحكم، إما بمبايعة وإما تفويض وإما بانقلاب وإما بثورة وإما بتوريث وإما بانتخابات، تعمل على خلق مجموعة مصالح حولها، لتكون المد الاجتماعى للمؤسسة الحاكمة التى تشاركها أدوات اكتساب رأس المال. المبادئ الحاكمة واحدة ألا وهى: 1- إجراء تغيير فى السياسات وليس المؤسسات. 2- إجراء إصلاحات شكلية وتدريجية دون المساس بمعادلة الحكم. 3- الحفاظ على المركزية السلطوية. 4- الفصل التام بين الإصلاح المؤسسى والسياسى والاقتصادى. وتلك المبادئ الحاكمة هى آفة التنمية فى مصر. فعلى سبيل المثال يتجلى الالتزام الدقيق بتلك المبادئ إذا ما نظرنا إلى ملف شديد الصلة بالعملية التنموية كإصلاح الجهاز الإدارى للدولة. فهناك تغيير حقيقى حدث فى قانون العاملين وتحويله إلى قانون الخدمة المدنية، لكنه حافظ على جمود الجهاز الإدارى، وعدم تحويله إلى جهاز أكثر سلاسة من حيث التوصيف الوظيفى أو طريقة إعداد الموازنة العامة أو العلاقة بين العاملين والمديرين... إلخ. كما أنه تغير فى السياسات وليس المؤسسات من حيث أنه لم يتزامن مع تغيير القانون إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية أو على الأقل تغيير التوصيف الوظيفى للوزارات ودمج أو تغيير بعضها. كما أن تعديل القانون حافظ بل وتماسك على النكهة المركزية للدولة المصرية، حيث إنه قانون يحكم الوحدات المحلية، بالإضافة إلى الهيئات المركزية والتعيين فى شدة المركزية وكذلك الرقابة. احتوى القانون الجديد للخدمة المدنية على عدة إصلاحات جيدة لا يمكن تجاهلها فى مسألة الترقية بناء على الكفاءة، وليس السن، وتحديد الراتب الشهرى بنسبة 75% «أساسى»، و25% «متغير»، بعد أن كان الموظف الحكومى يحصل على مرتب غير معلوم نتيجة لتعدد البنود، بالإضافة إلى إعطاء حافز للموظفين بترك الوظيفة عند سن ال«55» مع أحقيتهم الكاملة لكل مزايا المعاشات. ولكن هل من الممكن أن يحل هذا القانون أو يسهم حتى فى حل مشكلة الجهاز الإدارى للدولة التى من الممكن تلخيصها على النحو التالى: 1- الأزمة الاقتصادية نتيجة استنزاف الجهاز ل25% من نسبة المصروفات كمرتبات ومزايا للموظفين. 2- تدهور مستوى تقديم الخدمة العامة سواء كانت تخليص ورق أو التراخيص أو مواصلات أو خدمات تعليمية وصحية. 3- انتشار الفساد الكبير والصغير فى العديد من الجهات الحكومية؟ لا تحتاج الإجابة إلى البحث والتفكير، فالتزام القانون الجديد بمبادئ الحكم السابق ذكرها يمنعه من تطوير الجهاز الإدارى للدولة بشكل صحيح. كل ما نريده هو الانتقال من مرحلة النحت على الماء للنحت على الحجر فى ملف هو الأهم حاليا لشدة صلته بأى إصلاح سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى، فهو المشروع القومى الحقيقى الذى تحتاجه مصر. مرة أخرى القانون الجديد هو نقلة انتظرناها طويلا، للهروب من القانون القديم، لكنها غير كاملة أو كافية.