بعد مرور أكثر من 6 سنوات على واقعة مقتل أحد فلاحى عزبة الهلالية بالمعمورة فى الإسكندرية ويدعى «حسن شندى»، نتيجة رفضه التخلى عن أرضه لصالح بعض الجمعيات التعاونية التابعة لهيئات قضائية وشرطية وجهات سيادية أخرى، قامت قوات الأمن يوم الأحد الماضى بتنفيذ قرار الإخلاء لمنازل عائلة «شندى» وباقى الأهالى، لبناء شاليهات ومساكن خاصة بهم على أنقاض نحو 1162 فدانا من أخصب الأراضى الزراعية التى استصلحها المزارعون، وحولوها من أرض «ملاحات» إلى أرض زراعية. عمليات الإخلاء دفعت المئات من الفلاحين والأهالى بالعزبة إلى الاعتصام داخل تلك الأراضى التى يزرعونها منذ عهد الخديو إسماعيل، رافعين صور شندى فى وجه قوات الأمن ولودرات الحى، وهم يهتفون «بالروح بالدم مش هنسيب الأرض»، للحيلولة دون تنفيذ قرار الإخلاء بالقوة. جوافة المعمورة فى عزبة الهلالية بالإسكندرية، أو كما يطلق عليها الأهالى «جوافة المعمورة»، أول ما يلفت انتباهك عند دخولك ريف المنتزه هى كمية أشجار الجوافة التى يزرعونها بكميات كبيرة، ويقوم دخلهم على ريع هذه الفاكهة منذ تسلم تلك الأراضى من هيئة الإصلاح الزراعى عام 1970، ولكنها صارت اليوم مهددة بالتبوير والتجريف مثل غيرها من المحاصيل الأخرى التى تم تبوير أراضيها وتقليص مساحتها الزراعية وتحويلها إلى «خرابات» وبلوكات سكنية، جار البدء فى تشييدها لصالح ضباط شرطة وقضاة و«جهات سيادية عليا»، عبر جمعيات تعاونية ذات ثقل قانونى وأمنى، حتى لا يقوى أحد من المزارعين على التصدى لها، بموجب عقود استبدال تمت مع هيئة الأوقاف التى لا تملك الأرض. ورغم مرور أكثر من 150 عاما على استقرارهم فى تلك العزبة ونحو 80 عاما على حيازتهم نحو 317 فدانا بريف المنتزه فى منطقة المعمورة بمحافظة الإسكندرية، يأتى إليهم من يدعى ملكيته تلك الأراضى التى هى مصدر رزقهم الوحيد، ويعمل على طردهم وإجبارهم على تركها والتنازل عنها دون أى وجه حق، بداية من قطع المياه عن الأراضى وتسريب مياه المجارى لها، مرورا برفع دعاوى تبديد ضد المزارعين المتأخرين فى الدفع، وصولا إلى ما طرحته الهيئة مؤخرا من عقود استبدال، يتم من خلالها بيع الأراضى لصالح مستثمرين «جهات سيادية»، وهو ما وصفه المزارعون بأنه عملية سطو منظمة من قبل بعض رجال الداخلية وأمن الدولة السابقين، ممن قاموا بالاستيلاء على أراض زراعية لهم، بغرض تحويلها إلى منتجعات ومصايف لصالح جمعيات تعاونية للإسكان لظباط الشرطة والقضاة. العودة إلى عهد الملكية بدأت القصة كما ترويها إيمان منصور، محامى مزارعى العزبة منذ عام 2008، حينما تم طرد بعض المزارعين من أراضيهم بالقوة، حيث استخدم هؤلاء الضباط الذين وقعت هيئة الأوقاف معهم عقود الاستبدال، سلطاتهم كرجال شرطة لإجبار المزارعين على التنازل عن الأراضى، وشارك فى ذلك كل من محافظ الإسكندرية السابق، مجاملة لأحد قيادات «الأمن الوطنى»، حيث قام بتحويل ثمانية أفدنة زراعية له من الحيازة الزراعية إلى الحيز العمرانى، وكذلك مدير مديرية الزراعة بالإسكندرية بالتعاون مع هيئة الأوقاف المصرية لنزع ملكية الأراضى من المزارعين، وهو ما تكرر الأحد الماضى، ولولا تجمهر الأهالى واعتصامهم داخل الأرض لقامت قوات الأمن بإجلائهم منها وهدم منازلهم التى يسكنونها منذ عشرات السنين، ولكنهم انسحبوا. ومن جانبها وافقت مديرية الزراعة بالإسكندرية على نقل الحيازة من جمعية زراعية إلى جمعية إسكانية، وهو ما وصفه عدد من المزارعين بعزبة الهلالية بأنه يعود بهم إلى عهود الملكية، على الرغم من تقدم المزارعين بعديد من المستندات والحجج والحيازات التى تثبت أحقيتهم فى تلك الأراضى منذ عهد الخديو عباس حلمى الثانى، بانتقال ملكية تلك الأراضى من مالك إلى آخر، وصولا إلى انتقال ملكيتها للهيئة العامة للإصلاح الزراعى، التى قامت بدورها بتقسيم نحو 1162 فدانا على المزارعين فى عزبة الهلالية بحى المنتزه إلى الأحواض الزراعية بأبى قير. مساكن لشباب الضباط لجأ الفلاحون من قبل إلى ديوان المظالم الذى أنشأ فى عهد المعزول محمد مرسى، ولكن لم يسمع لهم أحد، كما أن التهديدات ما زالت قائمة لهم من مسؤولى المحافظة بأنه تمت الموافقة النهائية من قبل الجهات المعنية على إدراج المساحة المشار إليها ضمن الحيز العمرانى بالإسكندرية، وسيتم البدء فى تنفيذ مشروع المساكن الاقتصادية لشباب الضباط على قطعة الأرض المخصصة للجمعية خلال أيام، بعد موافقة أمنية من اللواء عصام فؤاد، المدير السابق للإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية، الذى أكد أن هذه الأراضى تقع ضمن الوقف الخيرى المشترك والتابع للجمعية الزراعية من ناحية وأوقاف المنتزه من ناحية أخرى، ومساحته ثمانون فدانا وأربعة أسهم وقيراط، وتم بيعه لأكثر من جمعية إسكان. ورغم حصول المزارعين على عقود إيجار وحيازة حصلت «التحرير» على نسخة منها، وتملك لتلك الأراضى بالتعاون مع الجمعيات الزراعية، فإنهم تعرضوا لمحاولات تصفية من قبل بعض البلطجية المستأجرين لإرهابهم للتنازل عن أراضيهم بالقوة لبناء مساكن للضباط، حيث اختاروا هذا الموقع لقربه من المعمورة والمنتزه، وحرمان الفلاحين من الزراعة فى أراضيهم. حسن شندى.. يكرر سيناريو فيلم «الأرض» أحد المزارعين ويدعى حسن شندى، أول من استخرج شهادة ضرائب عقارية تثبت أن الأرض مملوكة للإصلاح الزراعى لا لهيئة الأوقاف، كان متزعما قضية المزارعين فى التصدى لهؤلاء الأشخاص الذين يحاولون الاستيلاء على أراضيهم، فتم قتله على أيدى بعض البلطجية أمام أعين أبنائه وزوجته، وقاموا بالتمثيل بجثته وهو مكتف الأيدى والأقدام، وقاموا بالكتابة على ظهر جلبابه عبارات بالتهديد والوعيد بأن الدور قادم على «سلامة كريم»، أحد المعاونين له من الفلاحين. وقد تم تحرير محضر بالواقعة والقضية تم حفظها ضد مجهول، فلم يكن مقتل شندى، بغرض وحيد هو التخلص منه، ولكنه مجرد كارت إرهاب لباقى المزارعين لتنازلهم عن حقهم وأراضيهم، ولكن النتيجة كانت عكسية فقد اتحد الفلاحون للحفاظ على حقوقهم والدفاع عن أراضيهم. محمد شندى، شقيق المجنى عليه، قال إن «أخى دفع حياته ثمنا للدفاع عن هذه الأرض، ونحن نتعهد أمام الله بأن لا نترك حقه وحقنا، ولن يكون مصيرنا مصيره»، موضحا أن الفلاحين تقدموا بالبلاغات والشكاوى والالتماسات إلى كل الهيئات والمؤسسات الرسمية، بدءا من رئيس حى المنتزه، مرورا بإرسال عدة خطابات لجميع الجهات المعنية فى الدولة، ولكن جاءت الردود الرسمية مخيبة لآمالهم. عقود الاستبدال جمعيات تعاونية تابعة لجهات سيادية تسيطر على أراضى المزارعين بعقود استبدال من «الأوقاف» لبناء شاليهات للضباط وهو ما اضطر معه بعض هؤلاء المزارعين إلى بيع الأراضى لتلك الجمعيات بأسعار لا تتناسب مع سعرها الحقيقى، خصوصا بعد توقيع هيئة الأوقاف عددا من عقود الاستبدال حصلت «التحرير» على صورة منها، تبيع من خلالها الأراضى إلى جهات سيادية، بينها عقد ابتدائى باستبدال قطعة أرض بالتقسيط، من قبل هيئة الأوقاف إلى الجمعية التعاونية للبناء والإسكان ل«مباحث أمن الدولة بالإسكندرية»، وآخر بينها وبين جمعية الأمل التعاونية للبناء والإسكان التابعة ل«مديرية أمن الإسكندرية». ومن أشهر هذه الجمعيات التى تحاول الاستيلاء على الأراضى الزراعية وتبويرها بحب الأهالى، تأتى الجمعية الاجتماعية لقضاة محكمة النقض، التى تمتلك 15 فدانا فى الأرض المتنازع عليها، ونفس المساحة أيضا مخصصة للعاملين بوزارة العدل وأيضا جمعية إسكان الشباب، التى يمثلها صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية، وجمعية البناء والإسكان لضباط كفر الشيخ وعائلاتهم وجمعية الأمل للبناء والإسكان بالإسكندرية، وجمعية الأمل التعاونية للإسكان، وقد ادعوا بأنهم قاموا بشراء تلك الأرض من هيئة الأوقاف المصرية، وتم نقل حيازتها بأسماء تلك الجمعيات التعاونية المتمثلة فى رجال الشرطة والقضاة وكبار المسؤولين، لنقل الحيازة من الفلاحين تحت أساليب الضغط لصالح تلك الجمعيات السكنية الخاصة بهم، لتحويل تلك الأراضى المزروعة بأشجار الجوافة وبعض المحاصيل الزراعية التى تمت إزالتها وتبويرها لبناء وحدات سكنية للضباط، حيث شهرت إحدى الجمعيات برقم 238 لسنة 97 ويمثلها العميد مدحت توفيق، رئيس مجلس الإدارة وكان نصيبها ثمانية أفدنة بحوض البرية بأبى قير، رقم واحد بحى المنتزه بالإسكندرية، حيث أبرم عقد البيع مع هيئة الأوقاف كطرف أول والجمعية طرف ثان مشتر، وقد تم البيع فى 19/6/2008، واستبدال قطعة الأرض والتعاقد بسعر المتر 2500 جينه. «الأوقاف»: الأرض ملكنا وليست من حق المزارعين المهندس صلاح الجنيدى، رئيس هيئة الأوقاف نفى وجود عقود الاستبدال، مستبعدا أى علاقة للأوقاف بتلك العقود المستبدلة، حيث أكد أنه تم استبدال بالجمعيات الزراعية جمعيات تعاونية أخرى، على أساس أنها أطيان زراعية، وكذلك الجمعيات التابعة للإصلاح الزراعى، ومن ثم فليس من حق المزارعين الوجود فى الأرض، خصوصا بعد عقود التبديد الموقعة ضدهم نتيجة عدم سدادهم الإيجارات. لكن الأهالى لهم وجهة نظر أخرى ويقولون أنه تحت الضغط والترهيب اضطر بعض الفلاحين إلى التنازل عن أراضيهم مقابل مبلغ لا يقدر ب«ربع» ثمنها الحقيقى، حيث باع بعضهم الفدان ب70 ألف جنيه، والآخر بمئة ألف وآخرون ب150 ألفا، وهى فى الأصل تقدر بسعر 500 ألف جنيه للفدان على الأقل، وذكر عدد من أهالى المنطقة أن أبناء مبارك وشقيقة رشيد محمد رشيد «حسنة رشيد» وعديدا من كبار القضاة وضباطا بالداخلية والقوات المسلحة قاموا بانتزاع تلك الأراضى منهم تحت اسم الأمن القومى. وعن محاولة «الأوقاف» سحب الأرض منهم عن طريق رفع دعاوى تبديد ضد الفلاحين المتأخرين فى دفع الإيجار لطردهم من الأرض بالقانون، يقول مجدى السيد، أحد المزارعين بالعزبة: «عاوزين منى 6000 جنيه إيجار للفدان بعدما كان 2000 جنيه، والأرض مابتجبش تمن المحصول، ومش قادر أدفع، ياخدوا الأرض يدوها للهبيشة اللى معاهم فلوس.. على جثتى»، مضيفا أنه تلقى عديدا من التهديدات من قبل بعض سماسرة الشرطة، حسب تعبيره، عقب عملية البيع تحت ضغط من هؤلاء المعتدين، كما أن مدير عام شركة المعمورة للإسكان والتعمير قام بإجبار العاملين بالشركة على التنازل عن الأراضى أو طردهم من الشركة.