احتفال حركة «تمرد» بالذكرى الثانية لتأسيسها يعد فرصة لا تفوت للمراجعة والمحاسبة بكل شفافية، خصوصا أن «تمرد» انطلقت فى يوم الجمعة 26 أبريل 2013 من ميدان التحرير بالقاهرة، على أن تنتهى فى 30 يونيو من نفس العام، وها هى الآن موجودة نظريا فى حفل بهيج. شاركت الحركة فى كتابة خارطة المستقبل التى تم إعلانها فى 3 يوليو، والتى شهدت سقوط أول قتيل من أعضائها بالرصاص فى منطقة بين السرايات بالجيزة. كما شاركت الحركة فى «جمعة التفويض» على مستوى الجمهورية، يوم 26 يوليو 2013، لحث المواطنين على مواجهة المخاطر التى تواجههم وتفويض القوات المسلحة والداخلية فى محاربتها للإرهاب. ونظمت الحملة مؤتمرات على مستوى الجمهورية من النوبة إلى الإسكندرية لحث المواطنين على المشاركة فى الاستفتاء على دستور 2013 المعدل، وحضهم على التصويت ب«نعم» على الدستور. جمعت «تمرد» التوكيلات اللازمة للإعلان عن حزب الحركة الشعبية العربية «تمرد» وقدمتها للجنة شؤون الأحزاب، تمهيدا للمشاركة فى أحد التحالفات الرئيسية لخوض الانتخابات البرلمانية فى 2015، غير أن الانقسامات ضربت «تمرد» فى الصميم، وبدا ذلك واضحا خلال حملة الانتخابات الرئاسية، إذ إنه عقب إعلان حمدين صباحى خوضه الانتخابات الرئاسية، وإعلان محمد عبد العزيز وحسن شاهين دعمهما له، على خلاف ما أعلنه محمود بدر ومحمد نبوى اللذان قررا دعم عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، انشق عبد العزيز وشاهين. يقول محب دوس، أحد مؤسسى حملة «تمرد»، إن الحملة وضعت خارطة المستقبل، منذ إعلان تأسيسها، وتضمنت محاكمات ثورية لنظامَى مبارك والإخوان والعزل السياسى للنظامين، وجمعية تأسيسية لوضع الدستور، وعزل محمد مرسى وتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام الرئاسة لحين انتخاب رئيس جديد. كما أشار إلى أنهم فوجئوا بخارطة مستقبل مختلفة تم إعلانها فى 3 يوليو 2013، من قبل القوات المسلحة، دون الاستناد إلى مطالبهم سوى مطلب عزل مرسى وتولى رئيس المحكمة الدستورية الرئاسة. وأضاف محب أن لقاء الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع، آنذاك، الذى تم بين محمود بدر وحسن شاهين ومحمد عبد العزيز أعضاء الحملة، لم يكن بتفويض من قبل اللجنة المركزية، وأنهم اتخذوا القرار بانفراد. ويقول إنه عقب ثورة 30 يونيو انفرد سبعة من أعضاء الحملة بقرار تحويل الحملة إلى حركة سياسية، تمهيدا لإعلانها حزبا، وهم: محمود بدر، ومحمد نبوى، ومحمد عبد العزيز، ومى وهبة، وحسن شاهين، وخالد القاضى، ومحمد هيكل. وأوضح أن قرارهم جاء مخالفا للبيان الأول للحملة الذى استند إلى مقولة غاندى: «رأيت كثيرين حول السلطة ولم أرَ واحدا حول الوطن»، فى إشارة واضحة إلى أننا لن نسعى وراء السلطة. حسب محب دوس، فإنه بانتهاء الانتخابات الرئاسية انتهت حملة «تمرد»، لكونها نادت بانتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما تحقق على أرض الواقع. وأشار إلى أنه تم عقد مؤتمر صحفى بمقر الحملة الرئيسى بوسط العاصمة لإعلان انتهاء الحملة عقب تحقيق أهدافها، مؤكدا أنه لا يصح استخدام اسم الحملة مرة أخرى، لأن من يستخدمه يعتبر متاجرا. بدوره، وصف محمد نبوى، المتحدث باسم «تمرد» القرار الذى اتخذه محب دوس ومجموعة من رفاقه بفصل سبعة من أعضاء الحملة بأنه «كوميديا ساخرة»، لافتا إلى أن دوس تقدم باستقالته عقب بيان 3 يوليو وتم نشرها فى إحدى الجرائد، وقد طالب فيها بإنهاء الحملة، «لكننا رفضنا وأبلغناه أن لدينا كثيرا لنقدمه للوطن». إن حركة «تمرد» تثبت مجددا بعد حركة «كفاية»، على سبيل المثال، قدرة الشعب المصرى على الإبداع النضالى رغم عقود من العيش فى ظل الاستبداد. ولعل ما أكسب «تمرد» قوة وزخما هو كونها حركة سلمية تعتمد على وسيلة بسيطة تهدف إلى حشد الناس فى مواجهة فشل السياسات المتبعة فى تحقيق مطالب ثورة 25 يناير من: حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. ومنذ مولدها، واجهت «تمرد» تحديات رئيسية، لعل أبرزها القدرة على وضع تصور جديد لقيادة وتنظيم للمعارضة المصرية بما يتجاوز أخطاء وصراعات الماضى، وطرح رؤية واضحة وبديلة لإشكالية شرعية الحُكم فى مصر، مع الحفاظ على سلمية الاحتجاجات وتجنب الاستدراج إلى لغة العنف. غير أن هناك عدة إشكاليات متعلقة بتمرد، فالحركة قامت فى جو الاستقطاب وبدلا من أن تكون حركة جامعة أصبحت جزءا من الاستقطاب وآلية جديدة لإعادة إنتاجه، بل وتكريس اللغة الإقصائية ضد فصيل بعينه. وجاءت أحداث العنف التى اندلعت فى عدد من محافظات مصر فى أواخر يونيو 2013 بين أنصار «تمرد» وأنصار الإخوان لتؤكد ذلك. الإشكالية الأخرى لدى «تمرد» أنها لم تحدد الخطوط الفاصلة بينها وبين النظام القديم، بل كانت فى بعض الأحيان مدخلا تسرب من خلاله الفلول للمشهد وأعادوا إنتاج أنفسهم على الساحة السياسية كجزء من الثورة والثورة منهم براء. يبدو أن صناعة الثورات أسهل من صناعة التاريخ، وأن الثورة التى لا تتفرّغ قواها الرئيسية لصناعة التاريخ دون الالتفات إلى مصالحها الخاصة أو جنى مكاسب أو مناصب، تتبخّر فى الشوارع التى انطلقت منها. ومن الجلىّ أن حركة «تمرد»، التى ألهمت فكرة الثورة الثانية بتوقيعاتها وعبقرية فكرتها التى لقيت مناخا سياسيا غاضبا يبحث عن مَخرج من حُكم جماعة الإخوان المسلمين، اكتسبت أحقيتها فى دخول التاريخ، لكنها فى المقابل استنفدت دورها فى مرحلة ما بعد 3 يوليو 2013، فلكل دور فى التاريخ مواقيته واعتباراته، والمشهد العام للقوى الشبابية الماضى فيه غالب، والحاضر غائب، والمستقبل غائم.