من العيب، المعرفى والإدراكى والذهنى والنفسى، أن ترى الزمن كنقطة، نقطة منفصلة عما قبلها وما بعدها، الزمن حركة متواصلة منذ أن خلق الله الخلق حتى يأذن الله، سبحانه وتعالى، بنهايته. منذ أن ذهبت الجيوش لتقاتل فى سيناء، كان واضحا أن جلب النصر من سيناء، سيكون عسيرا عليها، ليس لضعف فى عددها أو تكوينها أو تسليحها أو تدريبها، بل لأن الجيوش التقليدية لا تحسم الحروب ضد الإرهاب، تستطيع أن تقول إن حروب الإرهاب ليست من حروبها التى أسست عقيدتها لمواجهتها وأعدت كتائبها للتصدى لها. أيضا كان واضحا أن النظام الذى يتم التأسيس له فى القاهرة، ليس من طراز الأنظمة التى تتصدى للإرهاب. تلك أنظمة يتم تأسيسها على خلفية المواطنة والتعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فحبال الإرهاب طويلة، تمتد فى منظومات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تلك كلها منظومات من بقايا أزمنة سالفة. ومن الحماقة تأسيس نظام على تلك المنظومات، ثم تطلب منه أن يتصدى للإرهاب، هذا النوع من الأنظمة بطبيعة تكوينه يفرز إرهابًا، فيصير المشهد كما لو أن واحدا يريد تنظيف البيئة من العادم، فى حين أن المواتير التى تفرز العادم ما زالت تدوى، علينا وقف دوىّ المواتير أولا، قبل الالتفات إلى البيئة لتنظيفها من الدخان. النظام فى القاهرة يعيد بناء نفس المنظومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ونفس التحالفات، ثم يزعم حربًا على الإرهاب، فى حين أن الإرهاب هو منتج تلك المنظومات والتحالفات والبُنى نفسها. والنتيجة أنه بعد ما يقارب من 20 شهرًا من الحرب، زادت الأوجاع والمآسى.. زاد الدمار.. زاد الجوع.. زاد العطش.. زاد الفقر، والأهم زاد الغضب.. زاد عدد الدواعش وعتادهم، وبعد أن كانوا يمشون فى الليل ويتخفّون عن أعين الناس فى بداية الحرب، صاروا يتحركون علنا: يقيمون الأكمنة.. يفتشون السيارات.. يجرّون الناس من بيوتهم.. وأحيانا يذبحونهم أمام أعين عيالهم، والأهم أنهم صاروا يقطعون الدعم اللوجيستى عن تمركزات الجيش المقامة فى ظلامات الصحراء، عبر حرق السيارات التى تنقل إليها الوقود وقطع الطريق على مَن يحمل إليها المؤن. عند هذا الحد بدا أن الانحطاط يبحث فى قعر بئره عن حلول، فكانت فكرة الدفع لحرب قبائلية، وهى حرب إن بدأت ستكون مروعة ودموية، ولن ينجو من شرورها أحد، وستكون الدولة على رأس الخاسرين. الحرب القبائلية هى بالضبط ما يبحث عنه «داعش» ويبنى استراتيجيته على أساسه، دفع المجتمع نحو الفوضى، أو ما تسمّيه أدبياتها التوحش، ومن ثمّ فأى بديل هو أحسن من البديل الكفرى، حتى وإن كان التوحش، وهو يرى أن المجتمعات حين تصل إلى درجة التوحش ستستدعى «داعش» أوتوماتيكيا لضبط التوحش وإقامة شرع الله فى الأرض، إذ إن عوالم التوحش نفسها تنتج متوحشيها. كان الحل منذ البداية إقامة نموذج مدنى تعددى فى القاهرة، يضغط بالنموذج، ومن لا يأتى بالنموذج يأتى بقوات فائقة الاحترافية فى الحرب على الإرهاب. قوات تعمل تحت غطاء منظومة عدالة ناجزة ومستقلة، قوات لا يخافها العُزّل والمساكين، ويفرون من قدامها. قوات يقابلها الناس آمنين، عارفين أنها لن تتعدى عليهم، فيسندونها بما يساعدها فى إنجاز مهمتها، قوات يحسّ الناس أنها قادمة لتحميهم لا لتذلّهم وتهينهم وتعتبرهم مسؤولين عن دمامل خرجت فى أجسادهم الجائعة والفقيرة والمريضة.