كتب- أحمد سعيد حسانين: أكثر من 4 سنوات مضت، ولا تزال العلاقة بين الإعلام ومصلحة الطب الشرعى تصادمية وعلى غير وفاق، بل باتت الحقيقة المؤكدة أن وسائل الإعلام أصبحت بمثابة شبح يطارد مسؤولى مصلحة الطب الشرعى، وتكشف الحقائق الخفية وكواليس ما يدور خلف الستار فى أروقة هذا المكان، الأمر الذى جعل العلاقة بين الطرفين متأزمة ومتربصة فى أحيان كثيرة. اللافت للنظر، أن وسائل الإعلام نجحت طوال هذه الفترة فى الكشف عن كثير من الحقائق والمعلومات والتفاصيل، لعدة قضايا فنية شغلت الرأى العام، بدءًا من قضية الشهيد خالد سعيد، مرورا بقضية الجندى والحسينى أبو ضيف، وصولا إلى قضية المجنى عليها شيماء الصباغ، وهو ما تسبب فى دخول المصلحة فى فلك الاتهامات، بعد أن أظهر الإعلام حقيقة القضايا التى حاول مسؤولو الطب الشرعى إخفاءها. «التحرير» رصدت طبيعة العلاقة بين الطرفين وكيفية نشأتها، وأسباب الاحتقان الخفى بين وسائل الإعلام ومصلحة الطب الشرعى، وأسباب التصادم المستمر بين الطرفين، الذى ظهر جليا متجسدا فى ما حدث مؤخرا بين كبير الأطباء الشرعيين الحالى الدكتور محمود أحمد على ومتحدثه الرسمى الدكتور هشام عبد الحميد، بعد ظهور الأخير فى أحد البرامج التليفزيونية متحدثا فيها عن التفاصيل الفنية وراء قضية شيماء الصباغ، بخلاف ذكره قضية المؤهل والخبرات التى حصل عليها رئيس المصلحة الحالى وغيرها من الأمور والتفاصيل، الأمر الذى أدى إلى انقلاب كبير الأطباء الشرعيين عليه والإطاحة به من منصب المتحدث الرسمى للمصلحة مع الإبقاء عليه كمدير عام دار التشريح بالمصلحة بعد تدخل وزارة العدل وبعض الأطباء الشرعييين لاحتواء الأزمة وتهدئة الأمور بين الطرفين. الإطاحة بالسباعي بدأت عملية الصدام فعليا بين الطرفين فى عهد الدكتور السباعى أحمد السباعى، رئيس مصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين الأسبق، الذى تمت الإطاحة به من منصبه فى 4 مايو 2011، مع صدور قرار رسمى من وزير العدل آنذاك المستشار محمد عبد العزيز الجندى فى عهد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف بإقالته من منصبه، وتعيين الدكتور إحسان كميل جورجى بدلا منه، عقب التصريحات التى أدلى بها فى أحد البرامج التليفزيونية فى ما يتعلق بشهداء ثورة يناير، وما أثير بشأنها، وكذلك الحالة الصحية لمبارك بعد أن صدر أمر من النائب العام للدكتور السباعى بمتابعة الحالة الطبية للرئيس السابق حسنى مبارك، الذى صدر ضده أمر بالحبس 15 يوما على ذمة التحقيق، يقضيها فى مستشفى شرم الشيخ الدولى عقب تدهور حالته الصحية. وطلب النائب العام من السباعى تقريرا يؤيد أو يعارض نقل مبارك لمحبسه، فأكد فى تقريره أنه لا مانع من نقله إلى محبسه، لكن مع توافر الرعاية الطبية الوافية لعدم حدوث مضاعفات، فضلا عن تصريحاته فى ما يتعلق بحالة الشهيد خالد سعيد، حيث كان عضوا باللجنة الثلاثية المشكلة من مصلحة الطب الشرعى لتشريح جثة خالد سعيد، الذى توفى فى الإسكندرية، وأثير جدل كبير حول القضية وحقيقة مقتله على يد قوات الشرطة فى 2010، للحد الذى خرج فيه فريد حشيش، المحقق بمصلحة الطب الشرعى، ليؤكد أن السباعى لم يلتزم بقرار النائب العام الخاص بتشريح جثث شهداء الثورة، ولم يجر عملية التشريح حسبما هو وارد فى مذكرة النيابة العامة، التى تلزمه بذلك. مكي وجورجي وعقب الإطاحة بالسباعى خلَفه الدكتور إحسان كميل جورجى، الذى خاض معركة شرسة مع المستشار أحمد مكى، وزير العدل، كان الإعلام طرفا رئيسيا فيها، بسبب قضية محمد الجندى، وما أثير بشأن وفاته، فضلا عن تصريحات وزير العدل وقتها المستشار أحمد مكى، الذى خالف القواعد المتعارف عليها فى مصلحة الطب الشرعى، بما يثير شبهة عدم الاستقلالية فى عمل المصلحة، فكانت قضية الجندى مثار جدل بين الطرفين، وشُكلت عدة لجان طبية للكشف عن حقيقة الوفاة، بعد أن أثبت الطبيب الشرعى الأول الذى قام بتشريح الجثمان الدكتور علاء العساس حقيقة وفاته نتيجة حادث تصادم سيارة، وهو ما نفته اللجنة الطبية الثلاثية التى شُكلت برئاسة الدكتور محمود أحمد على وماجدة القرضاوى ومحمد الشافعى، التى أثبتت تعرضه للتعذيب والضرب المبرح، حتى انتهت اللجنة الأخرى وتحقيقات النيابة إلى وفاته نتيجة حادث تصادم سيارة. وكانت التصريحات الأكثر جدلا لوزير العدل وقتها المستشار أحمد مكى حينما قال: «اتصل بى وزير الداخلية، وقال لى إن التقرير المبدئى لتشريح محمد الجندى أكد أن الوفاة نتيجة حادث سيارة، وطلب منى أن ينشر هذا الخبر فى بيان من النيابة العامة أو الطب الشرعى، واستقبحت الاتصال بالنيابة العامة أو بالطب الشرعى، وأذعت هذا الخبر بنفسى». وأسدلت النيابة الستار بوفاة المجنى عليه نتيجة حادث تصادم سيارة، حتى أصدر وزير العدل وقتها فى 5 مارس الماضى القرار رقم 2087 لسنة 2013، بإنهاء ندب الدكتور إحسان كميل جورجى من رئاسة مصلحة الطب الشرعى وإعادته إلى منصبه نائبًا لكبير الأطباء الشرعيين، وندب الدكتورة ماجدة القرضاوى، نائب كبير الأطباء الشرعيين رئيسًا لمصلحة الطب الشرعى. أزمة ماجدة القرضاوي تولت المصلحة خلفا له الدكتورة ماجدة هلال القرضاوى كرئيس لمصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين الحالى، التى أثيرت حولها الكثير من الأقاويل حول انتمائها إلى الإخوان المسلمين ومدى قرابتها بالشيخ يوسف القرضاوى، واستمرت القرضاوى فى منصبها، حتى صدر قرار من وزير العدل الأسبق المستشار عادل عبد الحميد بإقالتها من منصبها قبل يوم واحد من أحداث فض اعتصامى رابعة والنهضة، فضلا عما أثير حول قرابتها للشيخ الدكتور يوسف القرضاوى وجماعة الإخوان المسلمين، حيث تلقت المصلحة خطابا رسميا بتاريخ 18 سبتمبر 2013، بتفويض الدكتور محمود أحمد على، نائب رئيس مصلحة الطب الشرعى، باختصاصات العمل كرئيس للمصلحة، واعتباره كبيرًا للأطباء الشرعيين بدلا منها. اللافت للنظر، أن الإعلام ظل شبحا يطارد حقيقة انتماء رئيس المصلحة إلى القرضاوى، فى الوقت الذى أكدت فيه تقارير رسمية وجود صلة قريبة وطيدة بين الطرفين، كان أحد الأسباب التى أدت إلى الإطاحة بها من منصبها، فضلا عن تصريحاتها، التى أثارت الإعلام لبعض الوقت، رغم كونها كانت تعرف بعض الوقت عن اللقاءات والمقابلات الإعلامية إلا أن كثرة الهجوم عليها من قبل وسائل الإعلام حول حقيقة انتمائها إلى الإخوان كان نقطة فاصلة فى هذه القضية، وأدى إلى إبعادها عن منصبها. وأكدت مصادر طبية رسمية ل«التحرير»، أن رئيس مصلحة الطب الشرعى صدر قرار بإبعادها عن منصبها قبل يوم واحد من ذكرى فض أحداث رابعة والنهضة، وهو ما يؤكد المزاعم، التى أثيرت بشأن انتمائها إلى جماعة الإخوان المسلمين. انقلاب في الطب الشرعي بسبب شيماء الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل جاءت الواقعة مؤخرا لتكشف حقيقة علاقة الإعلام بالطب الشرعى، وهو الأمر الذى تجسد فى الإطاحة بالمتحدث الرسمى باسم مصلحة الطب الشرعى الدكتور هشام عبد الحميد بعد تصريحاته التليفزيونية عن رئيس مصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين الحالى الدكتور محمود أحمد على، حينما قال فى أحد البرامج التليفزيونية، بعد تصريحاته عن قضية مقتل شيماء الصباغ والمؤهلات والخبرات الحاصل عليها رئيس مصلحة الطب الشرعى، فضلا عن تصريحاته عن اختراق الإخوان المسلمين المصلحة، وهو ما اعتبره كبير الأطباء الشرعيين بمثابة إهانة وسب وقذف، تقدم على أثرها بمذكرة إلى وزير العدل المستشار محفوظ صابر، وأصدار الكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2015، الذى يتضمن إعفاء الدكتور هشام عبد الحميد من تكليفه بمهمة المتحدث الرسمى عن مصلحة الطب الشرعى، وتضمن نص القرار، أنه يحظر تمامًا على جميع الأطباء وخبراء موظفى مصلحة الطب الشرعى الإدلاء بأى بيانات أو معلومات فنية، قد تصل إلى عملهم «فى أثناء أو بمناسبة مباشرتهم عملهم لأى من وسائل الإعلام على الإطلاق سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة أو المواقع الإخبارية الإلكترونية». فى الوقت الذى أكدت فيه وزارة العدل، أن قرار الإعفاء جاء بسبب الظهور الإعلامى للمتحدث الرسمى السابق، رغم وجود قرار من الوزارة بعدم الظهور فى وسائل الإعلام والحديث عن القضايا التى يعمل عليها الطب الشرعى، مشيرا إلى أن عبد الحميد تحدث عن قضايا مقتل شيماء الصباغ ومحمد الجندى رغم أنه ليس طرفا فى هذه القضايا، هذا إضافة إلى حديثه بشأن وجود عناصر تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصلحة الطب الشرعى. وقال مساعد وزير العدل لشؤون دار التشريح المستشار عبد الرحيم الصغير ل«التحرير»، إن التحقيق مع المتحدث الرسمى باسم مصلحة الطب الشرعى الدكتور هشام عبد الحميد خضع له بناءً على مذكرة شكوى رسمية من قبل كبير الأطباء الشرعيين الحالى الدكتور محمود أحمد على تقدم بها بنفسه، يتهمه فيها بالسب والقذف وإساءته إليه على الهواء والتقليل من مستواه العلمى، منوها بأن الإجراء إذا ثبت وجود سب وقذف من قبل عبد الحميد على رئيس المصلحة ستتم إحالته إلى النيابة للتحقيق فى الواقعة.