«رب ضارة نافعة».. هكذا يرى أسامة هيكل رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامى، نتائج الحادثة الإرهابية، التى نالت من برجى الكهرباء المغذيين للمدينة و«نايل سات». يقدم أسامة هيكل رؤيته ودفوعه بشكل كاريكاتيرى، قائلا إن استهداف المدينة من الجماعات الإرهابية إنما يؤكد أهمية هذا المركز الإعلامى الضخم، وما يمثله الإعلام المصرى من سلاح نافذ فى المواجهة، وحائط صد فى وجه الإرهابيين، وفكرهم. هذا ما يراه أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، الذى يعرف القاصى والدانى ما جرى للتليفزيون والإعلام فى عهده، والذى يشيد بالدور الذى لعبته وسائل الإعلام المصرية، خلال الفترة الماضية، مؤكدا أن «الإعلام نجح فى خلق حالة وعى غير مسبوقة لدى الشارع المصرى». أسامة هيكل، الحاصل على بكالوريوس العلوم من جامعة عين شمس عام 1986، لم يكن بمنأى عن الأحداث السياسية المتوترة فى مصر، التى أعقبت ثورة 25 يناير بعد تقلده منصب وزير الإعلام فى الفترة ما بين 24 يوليو 2011، وحتى 6 ديسمبر 2011. كان من اللافت للغاية بعد ثورة 25 يناير اختفاء وزارة الإعلام، حيث تم تشكيل وزارة د.عصام شرف دون أن يكون من بين أعضائها وزير إعلام. تفاءل الشعب بالخطوة -التى كانت الثانية من نوعها بعد اختفاء وزارة الإعلام مؤقتا من حكومة د.مصطفى خليل فى أكتوبر 1978- وظنها ضربا من ضروب الاستجابة لاستحقاق تحرير التليفزيون الرسمى من قبضة السلطة، وتم تعيين د.سامى الشريف رئيسا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون (أوائل مارس 2011)، غير أن معين التفاؤل نضب وشح مع تسمية المحرر العسكرى أسامة هيكل وزيرا للإعلام (7 يوليو 2011)، لتبدأ أجهزة الإعلام فى الخروج من عباءة الثورة لترتدى «السترة الميرى». يومها قال وزير الإعلام الجديد إنه تلقى تكليفا محددا بإعادة هيكلة الإعلام المصرى، مشيرا إلى «أننا فى مرحلة حساسة جدا فى تاريخ مصر». كان دخول أسامة هيكل بوابة ماسبيرو إيذانا ببدء الانقلاب من دولة الثوار إلى دولة أخرى معلومة للجميع. دعونا نعيد التذكير بأن النائب العام الأسبق المستشار، عبد المجيد محمود، قرر إحالة هيكل إلى المكتب الفنى للتحقيق معه فى ما يتعلق بأحداث ماسبيرو، بتهمة التغطية الكاذبة التى قام بها التليفزيون المصرى فى أثناء المواجهات التى وقعت بين متظاهرين أقباط وقوات الجيش، إلى أن تم تغييره فى التشكيل الوزارى الذى أعقب حكومة عصام شرف، قبل أن يعود من نافذة مدينة الإنتاج الإعلامى فى أغسطس 2014. ها هو هيكل «الآخر» يقول خلال مؤتمر صحفى عقده فى مدينة الإنتاج الإعلامى، إن المدينة تعرضت للهجوم عدة مرات فى فترة حكم الإخوان المسلمين، واستهداف خطوط الكهرباء، وهو كلام صحيح فى جملته، مشيرا إلى أنهم خلال كل هذه المحاولات لم يتمكنوا من الوصول إلى المدينة. إن هذا الحديث عن المنعة والقوة والحصانة هو ما يكشف هشاشة الرأى وتهافته؛ إذ إن البرجين، اللذين تم تفجيرهما بالقرب من المدينة، يشيران إلى أن الإرهاب يطرق أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى بقوة، على الرغم من نظم الأمن التى تضم عدة دوائر منها أمن المدينة وقوات الشرطة ورجال القوات المسلحة المقيمون داخل المدينة. ربما أصبحت هناك حاجة ملحة إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل، ليس فقط أمنيا، وإنما مراجعة الرسالة الإعلامية، التى لا تحظى بقبول شرائح وفئات وقوى كثيرة تمثل كتلة مهمة من الرأى العام فى مصر. فلينظر هيكل وغيره إلى ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك» و«تويتر» عقب الحادثة الإرهابية التى استهدفت برجى الكهرباء قرب المدينة، وحالة الشماتة المؤسفة التى انتشرت وعمت من فئات وقوى مختلفة فى قنوات وفضائيات نذرت نفسها للرأى الواحد والفكر الواحد، ورفضت التنوع والتعدد وحق الاختلاف فى الرأى. من الجيد أن يتحدث هيكل عن خطط أمنية جديدة لتأمين المدينة، ويشير إلى الاتفاق مع وزارة الداخلية على تغيير استراتيجية التأمين، التى ستشمل محيط المدينة، ويصب فى هذا الاتجاه تأكيده عدم التهاون فى تلك الإجراءات، وأنه يتم حاليا التواصل مع القنوات والجهات العاملة بالمدينة من أجل إقرار نظام جديد لدخول العاملين بها. كل هذا أمر مقبول ومفهوم، لكن مرة أخرى، ما زلنا نتحدث عن الأمن والتأمين، ولا نتحدث عن الخطاب الإعلامى الذى يحاول الحشد والتعبئة بأسلوب عفا عليه الزمن، ويستسلم لسياسة الصراخ والزعيق والإساءات لكل رأى مختلف أو مخالف، دون أن يدرى أن أصول الممارسة الديمقراطية هى تلك التعددية التى تثرى وتضيف وتبنى وترسخ مفاهيم غابت عنا طويلا فى الإعلام وغيره. يشغل رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى نفسه بالحديث عن اتفاقات مع وزير الكهرباء على تأمين مصادر الطاقة عبر خط ثالث مصدره مدينة الشيخ زايد، وذلك بعد إصلاح الخطين الأساسى والاحتياطى، متباهيا بأنه فى حال حدوث ذلك ستكون مدينة الإنتاج الإعلامى هى المؤسسة المصرية الوحيدة، التى تُغذى من خلال ثلاثة مصادر للكهرباء، وذلك نظرا لأهميتها الاستراتيجية. ويبدو هيكل متفائلا بمستقبل مدينة الإنتاج الإعلامى التى ترزح تحت مديونيات ضخمة، رغم أنه يفترض بها أن تحقق أرباحا طائلة. ويبشرنا بأنه يتوقع أرباحا تصل إلى 10 ملايين جنيه، ويعلق قائلا: «رغم ضآلة هذا الرقم، فإنه رقم حقيقى نابع من ميزانيات حقيقية»، مشيرا إلى أن هذا هو الأمر الذى تمسك به منذ توليه مسؤولية رئاسة المدينة، حيث كان بعض الإدارات السابقة يتحايل لصرف أرباح لإرضاء المساهمين، ويطرح أسهما إضافية من أجل هذا، وهو ما يراه خطأ كبيرا. يا رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى، أنت تعلم جيدا أن المدينة.. مدينة، أى أنها ما زالت تسدد مديونياتها حتى الآن، فى حين أن المدينة التى ترأسها لم تتمكن حتى اللحظة من تحصيل مديونياتها على عدد من المؤسسات الخارجية، ومنها مبلغ 111 مليون جنيه لدى اتحاد الإذاعة والتليفزيون. أسامة هيكل.. الوضع لا يسر!