كتب - محمد عبد الجليل ويونس محمد: عندما يتحول المسؤول إلى جلاد.. يعطي ويمنع ويذل ويبسط ويهين، فلا شك أنك في مصر، ولا بمستغرب أن تشعل النيران في نفسك، رئيس حي شرق شبرا الخيمة من عينة هؤلاء المسؤولين، الذين تحولت مكاتبهم إلى سلخانات، تهان فيها كرامة المواطنين، وغرف تهدر فيها ما تبقى من كرامتهم، وواقعة الموظف صابر فهمي، كانت كفيلة بإحالتهم إلى المحاكمة، فالرجل تعرض للسب والإهانة واحتقار سنه من قبل رئيس الحي، الذى طرده من مكتبه على طريقة «باشوات الإقطاع» بسبب رائحته الكريهة، هكذا قال، ولم يكتف بذلك، بل أوقف ثلاثة من زملاء عم صابر، بسبب قيامهم بإخماد النيران، التي أشعلها فه نفسه، ونقلوه إلى مستشفى النيل للعلاج، وكان يرجو أن يموت حتى لا يفتضح ظلمه، وهو الأمر الذي قررت فيه النيابة العامة مؤخًرًا مباشرة تحقيقاتها. «أنا عارف اللي عملته ده حرام، وربنا هيحاسبني بس أعمل إيه، الديون كتيرة عليّ، ومراتي مش عارف أجمع حق علاجها».. بما سبق بدأ صابر فهمي، 58 سنة، سائق بحي شرق شبرا الخيمة، سرد تفاصيل مأساته، مضيفًا «أنا عندي أمراض الدنيا ما بقتش قادر على الشغل، وكل شوية بيجيلي غيبوبة، وأسقط على الأرض، وأنا شغال، وبمرور الأيام فوجئت بإصابة زوجتي بمرض السرطان، واحتياجها إلى العلاج بالكيماوي». توقف عن الحديث متحسسًا بعض جروحه قبل أن يضيف عم صابر: «يا باشا أنا باقبض 750 جنيه في الشهر، ومراتي محتاجة 150 جنيه كل أسبوع للعلاج، أجيب منين؟ استلفت من جميع المعارف حتى أقدر على المعيشة وعلاجها، ورضيت بقضاء ربي حتى جاءت الكارثة الكبرى بتوقف حافز مرتبي البالغ 150 جنيهًا منذ 5 شهور، بقرار رئيس الحي، إضافة إلى المعاملة السيئة للغاية منه، وعدم مراعاة ظروف مرضي والمعاناة التي أمر بها، بل واستمر في تصعيد الأمور ضدي وأجبرني على العمل لساعات أكبر من الوقت الرسمي». بدموع ممزوجة بالظلم والقهر، تابع صابر: «أنا راجل عايز أعيش بالحلال، ومش مستني جنيه من حد، وأنا اللي غلطان إني دخلتله المكتب»، ويقصد هنا مقابلته مع رئيس الحي، واستكمل حديثه «كتير من الناس قال لي اطلع وقابل رئيس الحي، وأكيد هو إنسان وهيشوفك زي نجله، وطالبه بحقوقك، وفور دخولي مكتبه قلت له صباح الخير يا بيه محسوبك صابر، ولسه هكمل كلامي.. لقيته بيزعق بصوت عالي مين اللي دخل ده هنا.. اطلع بره ريحتك زبالة، يا بيه أنا مظلوم اسمعني، فصرخ رئيس الحي في حارس مكتبه قائلاً: "خدوه بره، وده اللى حصل رموني بره المكتب». وتابع: «أنا عارف إن ريحتي زبالة علشان بتتشال على العربية اللي باسوقها، بس والله الشغل عمره مكان عيب»، ليعاود سرد تفاصيل الواقعة: «خرجت من مكتبه كل اللي كان في دماغي إني أتخلص من حياتي والإهانة والذل اللي شفتهم، وعمري ما تعرضت لحاجة زي دي، فتوجهت إلى جراج الحي لإخراج سيارتي، وارتفع ضغط الدم والسكر، فسقطت على الأرض مغشيًا علىّ، والتف حولي السائقون وحاولوا مساعدتي، ووقعت عيني على ميكانيكي الجراج، وكان معه بنزين لتنظيف المحركات فلم أفكر كثيرًا، وقررت التخلص من حياتي، فسكبت جركن البنزين على جسدي، وأشعلت النيران في نفسي، ولم أتحمل الألم فدخلت في غيبوبة، وصحيت وأنا في المستشفى وده كان حالي». الدموع تغافل عم صابر تشكو إلى خالقها ظُلم الدنيا ومسؤولي المحافظة والحي، ثم يضيف «أنا عندي 3 بنات في الجامعة ومصاريفهم تهد الحيل، وماحدش حاسس بحد، ورئيس الحي ناقص يضربنا بالنار كمان، وشكله مسنود وماحدش قادر عليه»، ثم يتعلق صابر بالسماء ملتمسًا الخلاص «حسبي الله ونعم الوكيل» كعادة المصريين في المصائب. وهنا خطف أطراف الحديث محمد عبد العظيم، أحد موظفى الحي، ومن ضمن الثلاثة الذين تم إيقافهم عن العمل لمساعدتهم «صابر»، ونقله للمستشفى، قال «يا أستاذ إحنا لقينا عم صابر النار ماسكة في جسمه، وهو مرمي على الأرض ساكت، فاتصلنا برئيس الحي على الفور لتوجيه سيارة إسعاف لنا، فكان رده علينا (أوعى حد ينقله من مكانه خلوه لحد ما الشرطة تيجي، واللي هيشيله هخرب بيته...)، وهنا أدركنا أن هذا الرجل ليس إنسانًا.. واستطرد: "أخذته مع زميلي عمر وسامي إلى مستشفى النيل بشبرا الخيمة، وفور دخولنا إلى المستشفى تم عمل الإسعافات الأولية له، وعمل تقرير طبي بحالته، الذي أوضح أنه يعاني من حروق من الدرجة الثانية، وهنا جاء لنا رئيس الحي، وخطف منا التقرير، قائلاً (أنا قلت ماحدش ينقله لمستشفى أنا هحبسكم)، واستطعنا أن نسترد التقرير منه، وفوجئنا بقرار من رئيس الحي بإيقافنا عن العمل، وتحرير محضر بقسم الشرطة، يتهمنا بالتحريض على العنف والتظاهر». بينما أكد خالد عبده غنيم، المحامي، أن هناك كثيرًا من الأخطاء، التي وقع فيها رئيس الحي، منها إيقاف الموظفين 3 وإدعاؤه تعطيلهم العمل، وفي نفس الوقت معهم أوراق مذيلة بختمه تشير إلى استمرارهم في العمل، وعدم وجود تقصير. ترجع تفاصيل الواقعة بتلقي العقيد جمال الدغيدي، رئيس فرع البحث الجنائي، إشارة من مستشفى النيل باستقباله "صابر فهمي"، 57 عامًا، سائق بحي شرق، وبه نسبة حروق متفرقة بجسده، تم إخطار اللواء محمود يسري، مدير الأمن بالواقعة.