مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    وزير الإسكان يعلن موعد انتهاء أزمة أرض الزمالك.. وحقيقة عروض المستثمرين    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    نيجيريا تنشر قواتها في بنين وتنفذ غارات لطرد "الانقلابيين"    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يتفوق على ريال مدريد ب4 نقاط    خطط لا تموت.. لماذا عادت الملعونة لعادتها القديمة؟    أمريكا: اتفاق «قريب جدًا» لإنهاء حرب أوكرانيا |روسيا والصين تجريان مناورات «مضادة للصواريخ»    إيطاليا ترسل مولدات كهربائية لأوكرانيا بعد الهجمات الروسية    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    استكمال محاكمة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى.. اليوم    وزير الزراعة: القطاع الخاص يتولى تشغيل حديقة الحيوان.. وافتتاحها للجمهور قبل نهاية العام    مدير أمن الإسكندرية يقود حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين بميدان الساعة وفيكتوريا    طعنة في الفخذ أودت بحياته.. "مهاب محمد" حاول فض مشاجرة في العجمي بالإسكندرية فأنهوا حياته    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    سعر الذهب اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025.. عيار 24 بدون مصنعية ب6411 جنيها    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    ارتفاع ضحايا مليشيا الدعم السريع على كلوقي إلى 114 سودانى    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال شرق قلقيلية    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    محمد الخراشى: مصر والسعودية قادرتان على بلوغ الدور الثانى فى كأس العالم    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الإثيوبيون يحتجون في إسرائيل على قمع الشرطة ولشعورهم بالتمييز.. إعلام إسرائيلى: تصاعد الأزمة بين كاتس وزامير.. رئيس الأركان الإسرائيلى: نستعد لاندلاع حرب مفاجئة    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    بحب نيللي كريم و التمثيل حلمي.. أبرز تصريحات مي عمر بمهرجان البحر الأحمر    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    ميرهان حسين تكشف خططها الفنية الجديدة وأعمالها وأمنياتها | شاهد    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    إضافة 4 أسرة عناية مركزة بمستشفى الصدر بإمبابة    مدير إدارة قفط الصحية بقنا تجري مرورا مفاجئا وتحيل متغيبين للتحقيق    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    هيئة الرقابة المالية تُلزم صناديق التأمين الحكومية بالاستثمار في الأسهم    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    وزير الري أمام اجتماع «مياه حوض النيل» في بوروندي: ستستمر مصر في ممارسة ضبط النفس    الطفولة المفقودة والنضج الزائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأعشاب.. تجارة «الموت البديل»
نشر في التحرير يوم 14 - 04 - 2015


تحقيق- ربيع السعدني:
ما أصعب أن تُولد حاملا للمرض، لكن أن يتكاثر الفيروس بداخلك عبر «روشتة» يفترض أنها طبية، فينهش ما تبقى من جسدك، فتلك هى المأساة والطامة الكبرى.
عبد الرحمن العقاد طفل لم يتجاوز ال12 ربيعا، ولد بمشكلات مزمنة فى وظائف الكلى، استلزم ذلك خضوعه لعملية جراحية فى سن مبكرة جدا، حيث كان عمره لا يزيد على الأشهر الثلاثة، لكن العملية زادت من أوجاعه بشكل كبير حتى لم يعد يتحمل آلام بطنه وأوجاع كليته بسنوات عمره المعدودة، وبعد أسابيع قليلة فوجئ بإصابته بفشل كلوى، وهو ما جعل ذويه فى حيرة بين أمرين، كلاهما مر، إما أن يخضع للغسيل الكلوى ثلاث مرات أسبوعيا، لتجديد الدماء فى شرايينه، وإما أن يقوم بعملية زرع كلى، وينتظر المتبرع الذى يتنازل له عن كليته «إن وجد»، فضلا عن صعوبة توفير قيمة البديل.
هنا اختارت أم عبد الرحمن الحل الثالث الأسلم من وجهة نظرها، بناء على نصيحة مجربة من أحد جيرانها المقربين، وهو اللجوء إلى دكتور أعشاب وتغذية علاجية ومناعة له برنامج شهير على قناة «الصحة والجمال» ومركز طبى كبير فى أحد العقارات بميدان رمسيس فى وسط القاهرة، دون الحاجة إلى «الدواء المر» و«الأمرّ منه»، بزعم أنه يعالج الكلى عبر نظام تغذية مثالى وعلاج بالأعشاب دون أى تدخلات جراحية.
وكما يقولون «فإن الغريق بيتعلق بقشاية» فذهبت والدة عبد الرحمن إلى دكتور التغذية العلاجية واستشارى المناعة فى مركزه الطبى أعلى صيدلية باب الحديد، فى عقار من التراث المصرى القديم، على المدخل لافتة عريضة مكتوب عليها «جمعية ومستشفى علاج المواطنين، إدارة الدكتور جودة محمد عواد- أمراض باطنة، استشارى مناعة وتغذية»، تعلوها لافتة أخرى بيضاء تحمل مسمى غريبا نوعا ما «جمعية علاج الموظفين».
وخلال زيارتنا له اكتشفنا أن الدور الرابع بالكامل خاص بالدكتور «عواد» وحده، ويتكون من أربع شقق، إحداها خاصة بالعمليات الجراحية، والثانية خاصة بمركز الأشعة ورسم القلب ومعمل الجودة للتحاليل الطبية وأبحاث الدم، بالإضافة إلى شقة ثالثة خاصة بمعمل عسل النحل وبيع منتجات الدكتور من النباتات الطبية، وأخرى خاصة بالكشف الطبى، وأخيرا مكتبة لعرض كتب الدكتور عواد وإعلانات دعائية لدور نشرها داخل غرفة الانتظار التى كانت تعج بالمرضى من داخل مصر وخارجها، انتظارا للكشف لدى الطبيب المعروف.
على باب غرفة الكشف أربع من نصائح وأقوال الدكتور عواد المأثورة والمكتوبة بالخط العريض فى بوكسات ملونة برسوم توضيحية جاء فيها: «ما يمكن علاجه بالغذاء لا يتم علاجه بالدواء، وما يمكن علاجه بالدواء لا يتم علاجه بالجراحة»، «التفاؤل والثقة فى الله من أهم أسباب الشفاء»، «العلاج منظومة متكاملة وليس دواء فقط»، «من لا يتجدد يتبدد ومن لا يتطور يسبقه الزمان.. ضع بصمتك».
لم تلفت أقواله المأثورة هذه انتباه ذلك الطفل الصغير حامل المرض أو والدته الأربعينية، فطلبت من موظف الاستقبال «كشف مستعجل» لابنها الذى يعانى من مشكلات فى الكلى، فأخبرها أن عليها أولا أن تسدد 200 جنيه قيمة الكشف، ثم تنتظر شهرين على الأقل حتى يأتى دورها فى الحجز الذى يحوى أكثر من 1500 اسم لحالات مرضية مستعصية لا تقل سوءا عن حالة طفلها الصغير، ولكن بعد محاولات استعطاف واسترضاء وشرح حالة طفلها المتأخرة ودس «إكرامية» له بين يديه تمكنت من انتزاع موعد بعد أسبوعين مع الطبيب المسافر حاليا خارج القاهرة.
قبل أن تنصرف الأم أعطى لها موظف الاستقبال استمارة بيضاء ك«الروشتة» التى توزع على جميع الحالات، دون تفرقة بين مريض وآخر أو تحديد نسبة الأعشاب لكل حالة على حدة بحسب تشخيص الحالة، وتشتمل على النظام الغذائى المثالى من وجهة نظره الذى يجب أن يسير عليه المريض للعلاج بالأعشاب، عبر إضافة أحد الأدوية التى يحددها أحدهم على عشب «سم النحل» الذى يذاب فى الدواء ويحقن به المريض عبر سرنجة أنسولين حول الركبتين، وذلك قبل إجراء الكشف الطبى الإكلينيكى العادى، ويزعم أنه خلاصة بحث علمى أجراه الدكتور عواد منذ عشرين عاما لعلاج كل الأمراض المستعصية، والمستحيل علاجها دون أى تدخلات جراحية، على حد قوله.
وكالمستجير من الرمضاء بالنار التزمت الأم بكل عشب فى النظام الغذائى للعلاج بالأعشاب الذى خطّه عواد حتى جاء وقت الكشف وحالة طفلها تتأخر يوما بعد يوم، والوجع يزداد ويفتك بالبقية الباقية من كليته، فانتظرت وولدها لأكثر من ساعة ونصف الساعة، رغم أن دوره فى الكشف رقم «9» بعد اتصالها قبلها بيوم لتأكيد الحجز، حتى دخلا إليه وطلب منها التحاليل والأشعة الطبية، وبعد الانتهاء من الكشف كتب لها على عدة أدوية طبية، ومكملات غذائية ليسير عليها عبد الرحمن، فى معظمها أدوية مستوردة غالية الثمن لا تقل عن مئتى جنيه للعبوة الواحدة، ولا تتوفر فى معظم الصيدليات، وعلى الروشتة مطبوع اسم الدكتور جودة محمد عواد، مصحوب بالدرجات العلمية الحاصل عليها «دكتوراه فسيولوجيا التغذية والمناعة ودبلوم الباثولوجيا الإكلينيكية ودبلوم الأمراض الباطنة»، دون ذكر اسم الجامعة أو المكان والمركز الذى اعتمد تلك الدرجات العلمية.
عام ونصف العام والأم تطبق وصفات استشارى التغذية والمناعة بالحرف الواحد، دون أن يخضع ابنها المريض بالفشل الكلوى لجلسة غسيل كلى واحدة، بحسب ما تقتضى حالته التى تدهورت بشكل كبير حتى أثرت عليه مجموعة الأعشاب والأدوية التى كان يحقن بها بناء على وصفات عواد، وهو ما دفعهم إلى اللجوء إلى استشارى متخصص فى علاج أمراض الكلى، فاكتشفوا أن المادة التى كانت تضيفها على العشب هى «الكورتيزون»، بزعم أنه مخفف لسم النحل، تجنبا لأى حساسية قد يكون مصابا بها، فيجعل جسمه يتقبل ذلك العشب.
ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة المعاناة والعذاب للعلاج من أعراض انسحاب الكورتيزون من جسم عبد الرحمن، حتى شعر بتعب شديد فى الكلية الثانية ومشكلات فى المسالك البولية، حتى اكتشف أن كليته الثانية تعمل بنسبة 18% فقط من معدلها الطبيعى، فضلا عن إصابته بآلام شديدة فى الركبتين، فانقطع اتصالهما به، حينما ساءت حالته بتلك الصورة المزرية التى اضطرته للجوء إلى الغسيل الكلوى، قبل أن يفقد ما تبقى من كليته الأخرى التى تشغل دورة عمل جهازه البولى لتمنحه الحياة.
البداية.. وصفة لعلاج فيروس «سى»
أن تشاهد بعينيك غير ما تسمعه بأذنيك، تجربة الطفل عبد الرحمن ووالدته مع الطبيب المدعى دفعتنا إلى دخول ذلك العالم الشعبى المسمى ب«الطب البديل»، على مدار شهرين هى عمر هذا التحقيق داخل عدد من محلات العطارة ومراكز التغذية وتقوية المناعة والتردد على بعض مراكز الأعشاب الشهيرة فى القاهرة التى تبيع النباتات الطبية والزيوت المستخلصة من الأعشاب، ويتردد عليها المئات من المواطنين يوميا تحت اسم «الطب البديل».
تلك السوق الكبيرة التى يتخطى أعداد العاملين فيها نصف المليون تاجر، منهم 5 آلاف فقط المسجلون رسميا بالغرفة التجارية بالقاهرة، بحسب تصريحات الحاج رجب العطار، سكرتير عام الغرفة التجارية بالقاهرة، ويصل حجم التجارة فى سوق العطارة فى مصر إلى ما يقرب من 10 ملايين جنيه سنويا، وتصل مبيعات تلك الأعشاب المستخلصة من النباتات الطبية إلى ما يقرب من 30% من إجمالى مبيعات الدواء فى مصر.
«عاوز وصفة لعلاج فيروس سى».. كانت هذه هى الجملة الأبرز التى نحملها بين أيدينا فى طريقنا نحو دخول هذا العالم الشعبى للطب البديل الذى لا تخلو من أعشابه ووصفاته منطقة شعبية أو راقية فى مختلف المحافظات، خصوصا فى ظل تزايد معدلات الإصابة بذلك الفيروس الكبدى الوبائى المزمن، حتى وصلت إلى أكثر من 18 مليون مصرى، بما يمثل نحو 20% من السكان، وهى أعلى نسبة إصابة فى العالم، فى ظل فشل العلاج ب«الإنترفيرون»، وطرح عقار «سوفالدى» المصرى فى الصيدليات منذ أسابيع قليلة بسعر 2670 جنيها للعقار الواحد بالصيدليات، و1430 جنيها بالتأمين الصحى، الأمر الذى لا يتحمله كثير من المصريين، ومن ثم كانوا يبحثون عن بديل رخيص، والبداية كانت مع «العطارة الهندية» بمدينة نصر.
فى العطارة الهندية 100 جرام من الشفاء
عدد من الأطباق والشكائر البلاستيك و«الأجولة» المفتوحة ملقاة على باب العطارة مليئة بالأعشاب والتوابل والياميش والبهارات، وعلى كل منها اسمه وسعره، وفى الداخل ترى أمامك مجموعة من البرطمانات الزجاجية المليئة بالأعشاب المتراصة بعضها فوق بعض على أرفف وداخل أدراج خشبية، تعلوها شاشة عرض صغيرة لعرض الأعشاب والنباتات الشهيرة التى يقومون ببيعها داخل العطارة، وفائدة كل عشب منها لأكثر 3 آلاف عشب، وفقا لما جاء فى كتاب «تذكرة داوود الأنطاكى» التى يعتمدون عليها فى استخلاص التركيبات ومختلف الوصفات للزبائن للتداوى بالأعشاب والعقاقير الطبية.
طرحنا طلبنا مرة ثانية على ذلك العامل العشرينى الذى يقف فى العطارة وبرفقته آخر سودانى، فقال دون مناقشة: «هاعملك تركيبة 100 جرام هتمشى عليها من مجموعة أعشاب»، فطلبنا أسماءها فذكرها «الرواند، أملج، كابلى، هندباء برية، زعتر، كركم، أرقطيون، روزمارى، شاكوريا، قسط هندى» وأضاف: «هتاخد من الوصفة دى ملعقة كبيرة يوميا لمدة 15 يوم وبعدين تعمل تحليل جديد للفيروس ولو النسبة قلت تستمر عليه لغاية لما تتضبط معاك»، فسألناه: طيب والآثار الجانبية إيه؟ فرد بلغة الواثق الأريب: «بص يا أستاذ الأعشاب عموما مالهاش أى آثار جانبية أو أضرار، ولو مانفعتش عمرها أبدا ما تضر، وبعدين انت مش هتجرب، ولا انت أول ولا آخر واحد هيستعمل التركيبة دى، الحاجات دى معروفة عندنا من زمان لعلاج فيروس سى، ثم سكت للحظات وهو ينظر إلى شاشة العرض ويطلب منا أن نراقبها لزيادة الثقة والاطمئنان، فطلبنا منه النسبة لكل عشب على حدة، فنظر إلينا بدهشة ثم قال: لما انت بتشترى الدوا من بره بالشىء الفلانى وبرضه بتاخده وما تعرفش تركيبته إيه ولا بتدور وراه هتفرق معاك يعنى لما تاخد وصفة من العطار تأثيرها فعال وسريع عن الدوا اللى أخدته، ثم نظر إلينا مودعا: خليها على الله يا أستاذ».
مخزن شيخ العطارين: لا أحد يعرف السر
على بعد خطوات من ميدان باب الخلق بحى عابدين فى وسط القاهرة وبجوار مديرية الأمن وصلنا إلى أشهر عطارى القاهرة، الحاج عبد الحميد حراز، والملقب بشيخ العطارين والعشابين، وهناك طلبنا من أحد العاملين «وصفة لعلاج فيروس سى»، فأشار إلينا بالدخول إلى المكتب الداخلى الموجود فى ظهر العطارة والخاص بالزيوت العشبية والعقاقير الطبية، ويجلس أحدهم على مكتب بالداخل وأمامه ورقة وقلم وجهاز كمبيوتر وهو مختص بكتابة الوصفات، فكتب لنا «تركيبة فيروس، ومطحون الديرة، باكر كبد» ثم طلب منا أن نسير عليها لمدة ثلاثة أشهر، وطلب منا تسديد الفاتورة التى قدرها ب150 جنيها إلى الكاشير، قبل التوجه لصرفها من الصيدلية «مخزن الأعشاب».
يقع المخزن داخل العطارة الرئيسية عبر سلم لا يزيد على ثلاث درجات تحت الأرض، وهناك الأعشاب ملقاة على الأرض وفى برطمانات مفتوحة دون غطاء وكطبيب مختص وصيدلى محترف أحضر العامل الخمسينى التركيبة المكتوبة وسحب ورقة بطريقة الاستعمال من عدة أوراق متشابهة أمامه، ثم قام بلصقها على الكيس البلاستيكى الملىء بالأعشاب المخلطة، ثم تناول قلم «فلوماستر» وكتب على العلبة الأخرى «مرة واحدة قبل الفطار»، يداوم عليها لمدة شهر. فطلبنا منه أسماء الأعشاب ونسبتها، فتعجب وقال: «مستحيل تعرفهم يا أستاذ إذا كنا احنا اللى شغالين هنا من سنين ما نعرفش هى عبارة عن إيه ولا نسبتها كام؟
الخلطة الجهنمية: ترامادول مطحون ومشتقات الكورتيزون
قديما كانوا يقولون «لن يصلح العطار ما أفسده الدهر»، لكن لم يكن أحدهم يتخيل أنه ربما يفسد العطار ما أصلحه الدهر، بعد الجولة السابقة لدى العشابين الذين يتناول وصفاتهم غالبية المصريين، اتجهنا بعينة «حراز» إلى أحد المختبرات الطبية المتخصصة: «المعمل المركزى لتحليل منتقيات المبيدات» والشهير ب«QCAP» بجوار نادى الصيد فى منطقة المهندسين بالجيزة، لتحليل ذلك المكمل الغذائى أو «معجون الديرة»، كما هو مدون على ظهر العبوة من الخارج، وبعد تحليل مكونات العينة وفصل موادها، جاءت النتيجة كالتالى: «عسل قصب محروق بفعل الحرارة العالية، زيت طعام عادى يستخدم للقلى ومنكهات ومكسبات للطعم بطعم زيت الزيتون والصويا وملونات باللون الزيتى الغامق وبودر حبوب ترامادول مطحونة».
وتوصلنا إلى أن هذا المنتج العشبى المسمى «المقوى العام والمكمل الغذائى»، الذى يتم بيعه يوميا عند شيخ العطارين غير مسجل بالمعهد القومى للتغذية، أو ما يفيد أنه حاصل على ترخيص رسمى بالتداول من قبل وزارة الصحة، فضلا عن احتوائه على مواد كيميائية ضارة، أبرزها مواد «Cyproheptadin»، وكذلك «Bitamethasone»، وهذه المادة أحد مشتقات عقار الكورتيزون الذى على الرغم من تأثيره الطبى القوى المضاد للالتهاب فإن له من الآثار الجانبية الخطيرة، بالإضافة إلى «B-Asarone» وهى مادة سامة ومسببة للسرطان وتليف الكبد ومحظور تداولها دوليا.
نتائج مرعبة بعد تحليل عينتين فى معامل «الصحة»
اتجهنا بعد ذلك بعينتى الأعشاب التى حصلنا عليهما من العشابين «العطارة الهندية- حراز» كوصفة لعلاج «فيروس سى» مع اختلاف التركيبتين، إلى المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة بشارع الشيخ ريحان فى وسط القاهرة، لتحليلهما وفحص نتيجة تلك المنتجات، لمعرفة مدى صلاحيتهما للاستهلاك الآدمى، وما إذا كانت العينة تسبب التسمم الغذائى من عدمه ومدى احتوائها على مبيدات سامة أم مطابقة للمواصفات الصحية القياسية؟
العينة الأولى كانت عبارة عن 500 جرام لأكثر من 10 أصناف عشبية، كل عشب على حدة من «العطارة الهندية» بمدينة نصر، والثانية تحتوى على 500 جرام من «خلطة أعشاب مجمعة» من شيخ العطارين عبد الحميد حراز بميدان باب الخلق بمصر القديمة، وذلك لتحليل «صلاحية، سموم، سموم فطرية، بكتريولوجى»، استغرق الأمر اسبوعين ثم ظهرت النتيجة، وجاءت نتيجة فحص السموم بأن فيها شقين، أحدهما إيجابى، والآخر سلبى، ويحمل خطورة بالغة على صحة الإنسان، نتيجة استعمالها أو التعرض لها، وبعد الفحص والتحليل فى معامل «الصحة» تبين أن العينة رقم «1» تحتوى على مبيد فطرى «Carbendazim» ومبيد حشرى «Chlorpyrifos»، مستخدمتين فى الحدود المسموح بهما طبقا للتشريع الأوروبى، وكذلك تحتوى على مبيد «Dimethoate» بتركيز «0.2» جزء فى المليون بقايا على المنتجات العشبية، وهى نسبة أعلى من الحدود المسموح بها دوليا وتمثل خطورة على متناولها.
يذكر أن مبيد «Dimethoate» هو أحد المبيدات الحشرية الأكثر استخداما فى العالم، ومصدر خطورة شديد فى الوقت ذاته لمن يتداولونه ويصنعونه ويقومون بتركيبه، فضلا عن متناوليه، بما يؤدى إلى ضعف الذاكرة والتركيز والصداع والارتباك والتهيجات العصبية، وذات سمية حادة تصل فى بعض الأحيان إلى الإصابة بالسرطان والتسبب فى تشوهات خلقية، نتيجة استنشاق المواد الطيارة المنبعثة منه نتيجة الغليان، حيث توصلت إحدى الدراسات التى أجريت على الفئران الحوامل إلى أن جرعة من 12 ملى جرام/كج يوميا تسببت فى عيوب خلقية متعلقة بتكوين العظام، التقزم، خلل فى المثانة لدى الفئران.
أما فى ما يخص العينة الثانية الخاصة ب«حراز» فجاءت النتيجة سلبية كليا، سواء من نتيجة فحص السموم أو السموم الفطرية، حيث تحتوى العينة على مبيد «Carbendazim» بتركيز (0٫4) جزء فى المليون، وهو من المبيدات العضوية الفوسفاتية التى صنفتها منظمة الصحة العالمية بأنها متوسطة السمية، ولكن زيادة نسبتها عن الحد المسموح به تتسبب فى تزايد احتمالية الإصابة بالأورام الكبدية الحميدة «لدى الإناث» والخبيثة «لدى الذكور»، وذلك بعد التعرض لكمية تتراوح ما بين (80- 5000) ملليجرام/ كيلوجرام/ النظام الغذائى، بالإضافة إلى مبيد « Chlorpyrifos» الذى تحتوى عليه العينة بتركيز (0.1) جزء فى المليون، فى حين أن الحد المسموح به هو (0.014) ميكروجرام/مل، وهو ما ينذر باضطرابات فى خلايا الجهاز العصبى وفقدان التركيز، مع احتمالية الإصابة بسرطان البروستاتا، وكذلك احتواؤها على مبيد «Dimethoate» بنفس التركيز «0٫1» جزء فى المليون، وهى نسبة أعلى من الحدود المسموح بها دوليا، وهو ما يصيب المتعرضين لها أو المتناولين لمنتجات تحتوى على تلك النسبة منها بزيادة ضربات القلب والتشنجات، وصولا إلى الشلل وفقدان الذاكرة.
الأخطر مما سبق هو ما جاء فى نتيجة فحص السموم الفطرية الخاص بتلك العينة عبر تقرير وزارة الصحة، حيث تم التوصل إلى احتواء العينة الثانية على سموم فطرية تحتوى على مجموعة «الأفلاتوكسينات» «B1 ،B2 ،G1 ،G2» بمعدل (3.8 ppb)، وهى مادة تتعامل مع الجهاز الهضمى ويكون أغلب تأثيرها على الكبد، ويحدث ذلك نتيجة الرطوبة والتعرض للحرارة العالية وسوء التهوية والتخزين لتلك الأعشاب، حيث تعد الفطريات من الكائنات عالية الاحتياج للأكسجين.
فى الوقت ذاته تحتوى العينة على مجموعة «الأوكراتوكسين» بمعدل (2.9 ppb)، وهى من السموم الفطرية التى تؤثر على الكلى وتتعامل مع الجهاز البولى على وجه الخصوص، وتحدث تليفا فى الكبد يؤدى لإصابة صاحبه بالفشل الكلوى بنسبة 70%، مع تكتلات دهنية وتضخم فى المرارة، وقد أوضحت بعض الدراسات الأخرى أن لهاتين المادتين تأثيرات بالغة الخطورة على الطحال والرئتين، حيث يحدث بها نزيف وتتجمع فيها بقع دموية، هذا وقد اجتمعت كل الأبحاث على حدوث سرطان كبدى لكل حيوانات المزرعة التى أجريت عليها التجارب، خصوصا إذا تناولت الأفلاتوكسين عبر الفم، بالإضافة إلى تأثير تلك المادة التيراتوجينى الضار الذى ينتقل من الأم إلى الجنين خلال فترة الحمل، مما يؤدى إلى حدوث تشوهات وموت للأجنة، وتتراوح قيم الجرعات النصف مميتة من الأفلاتوكسين ما بين (0.3 إلى 17.9 ) ملليجرام/ كجم من وزن الجسم.
هيئة قومية للرقابة
أوصى د. محمد عثمان، أستاذ النباتات المعشبة بعلوم عين شمس، بعدم تناول أدوية ووصفات الحرازين والعشابين دون استشارات طبية، وقبل أن يخضع العشب لثلاث عمليات «فصل وتقنين وتقييم» فى معامل ومختبرات طبية مختصة لتجنب «سميتها» وضبط تركيز مادتها الفعالة، وتحديد الجرعة المناسبة لكل حالة، مطالبا بإنشاء هيئة قومية تتناول العلاج بالأعشاب والطب البديل، كمركز بحثى متخصص مكون من أساتذة وباحثين أكاديميين من كليات «العلوم، الزراعة، الطب، الصيدلة» لتقييم «الفلورا» المصرية، أو ما يعرف بالنباتات الطبية البرية التى تعد ثروة قومية نحن فى أمس الحاجة إلى تقنينها لزيادة فاعليتها، وهو ما يقلص من دور العشاب الذى يعمل دون خلفية أكاديمية.
أزمة سوء التخزين
حول أسباب سمية تلك التراكيب العشبية يرجع ذلك الدكتور ماهر محمد شحاتة، رئيس قسم النباتات بعلوم عين شمس، إلى متغيرات عدة، أبرزها ممارسات الزراعة وسوء التخزين والشحن وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية الصحية، خصوصا إذا ما تناول المستهلك كميات كبيرة من مغلى أو منقوع هذه الأعشاب ولمرات متكررة، كما أن الشريحة الأكثر تأثرا هى الأطفال وكبار السن وحتى الشباب أحيانا، ويعد التخزين من أهم أسس علم الأعشاب، وتجب مراعاة قواعده بكل دقة لتفادى فساد النبات وتقليل المحتوى الفطرى والميكروبى وفقدان المواد الفعالة.
أما فى حالات التخزين الجيدة فتظل العشبة الجافة محافظة على ما تحويه من مواد فعالة لمدة سنة إلى سنتين، ولا بد من أن تكون ظروف التجفيف للأعشاب الطبية تحت أشعة الشمس غير المباشرة أو باستعمال الأفران الكهربائية المعدة لهذا الغرض. كما تجب مراعاة بعض الملاحظات عند شراء الأعشاب الطبية بحسب تعبيره، مثل اللون الأصلى للعشبة والرائحة المستساغة بالنسبة إلى الأعشاب التى تحتوى على زيوت طيارة، مع مراعاة تخزينها فى مكان جاف وظليل ذى تهوية جيدة، ويفضل حفظ الأعشاب داخل علب زجاجية أو خزفية محكمة الغلق، لا علب وأكياس البلاستيك أو الألمنيوم بعيدا عن الأماكن الرطبة فى المنزل كالثلاجة أو المطبخ أو الحمام، مغ تجنب تخزين الأعشاب بعد تجهيزها، لأن الأعشاب المنقوعة أو المغلية لا يمكن تناولها بعد مرور 24 ساعة من تجهيزها.
500 ألف تاجر للتوابل والأعشاب
«تنقية وتنظيف وتبخير».. ثلاث مراحل أساسية حددها الحاج رجب العطار، رئيس شعبة العطارين وسكرتير عام الغرفة التجارية بالقاهرة وصاحب سلسلة محلات العطارة الشهيرة باسمه التى ينبغى أن يمر بها أى عشب قبل أن يتم طرحه للبيع فى الأسواق، واصفا الأعشاب بأنها «بنزين وميه» الدواء الذى لا ضرر منها ولا ضرار، ودون خلاصة العشب لا يوجد دواء فى العالم على حد قوله، مؤكدا أن معظم العشابين اليوم لا علاقة لهم بالعطارة من قريب أو بعيد، أو كما وصفهم ب«الدخلاء» المخالفين، قائلا: «الخطورة مش فى الأعشاب ولكن فى اللى بيبيعها».
القانون يحظر بيع الأعشاب فى الصيدليات
على صعيد آخر أكدت الدكتورة مديحة أحمد، رئيس إدارة التفتيش الصيدلى بوزارة الصحة، أن نحو 99% من المنتجات العشبية التى تباع لدى العطارين محفوظة بطريقة خاطئة غير آمنة على صحة المواطنين، وتنمو عليها فطريات وبكتيريا سامة، كما أن أى دواء متداول غير مسجل لدى وزارة الصحة فيه سموم قاتلة لمتناولها، وبعضها يصبح ساما لو خلط بمركب آخر، وبعضها ساما على المدى الطويل ويؤدى إلى الموت.
وأضافت أن قانون الصيدلة الحالى لا يسمح ببيع أى منتجات عشبية غير مسجلة، ويستثنى من ذلك النباتات الطبية المسجلة بوزارة الصحة، وفى حالة ضبط أى أعشاب داخل الصيدليات يعد ذلك مخالفة قانونية يحول مرتكبها للتحقيق وقد تغلق بسببها الصيدلية، وتتخذ إدارة التفتيش الصيدلى الإجراءات القانونية اللازمة ضد وجود مثل هذه المنتجات مجهولة المصدر داخل الصيدليات، طبقا للمادة «59» من القانون رقم 127 لسنة 1955، بشأن مزاولة مهنة الصيدلة التى تنص على حظر تداول المستحضرات الطبية الخاصة «سواء كانت محضرة محليا أو مستوردة من الخارج» إلا بعد تسجيلها وكذلك المادة «63» من القانون ذاته التى تنص على أنه يجب أن تكون البيانات المذكورة على بطاقات تلك المستحضرات أو ما يوزع عنها من النشرات والإعلانات متفقة مع ما تحتويه فعلا من مواد وعلى خواصها العلاجية، كما يجب أن لا تتضمن عبارات تتنافى مع الآداب العامة
«التموين»: المواطن سبب الكارثة!
حول رقابة مباحث التموين على النباتات العشبية لدى العشابين يقول محمود دياب، المتحدث الرسمى باسم وزارة التموين والتجارة الداخلية، بداية لا توجد تسعيرة ثابتة للأعشاب، بل يخضع ذلك لآليات السوق والنظام الاقتصادى القائم والاتفاقيات المبرمة مع منظمة التجارة العالمية، وما يخص مباحث التموين فى هذا المجال شرطان رئيسيان، هما البحث عن الجودة والصلاحية أولا، ثم الكشف عن سعر المنتج العشبى المتداول فى السوق، والأزمة فى الأصل سببها الموروثات الشعبية الخاطئة لدى المواطن، بحسب تعبيره «العيب مش فى الحكومة»، لأنه رغم كل التحذيرات الإعلامية والبلاغات المقدمة ضد هؤلاء العشابين المخالفين والمتحايلين على القانون فإنه لا يزال المواطنون يترددون عليهم ويتناولون وصفاتهم.
وطالب دياب المواطنين المتضررين بسرعة الإبلاغ عن أسماء وأماكن العشابين المخالفين للتوجه إليهم وأخذ عينات من منتجاتهم وفحصها، واتخاذ الإجراءات القانونية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.