يبدو أن أصحاب السلطة يدمنون خلط الأوراق، أو كما يقول المثل الشعبى «يحطون أبو قرش على أبو قرشين»، ليس من باب الجهل، ولكن بغرض فى نفس ابن يعقوب، هذا ما استشعره مما يحدث مع القاضى الجليل زكريا عبد العزيز، أعرف أن الإخوان اخترقوا مؤسسة العدالة نسبيا، وأعرف بعض رجال هذه المؤسسة وقد تصوروا أن زمن الإخوان «فرصة» يجب أن يهتبلوها، وتصرفوا بانتهازية مخجلة، فوقعت على رؤوسهم المصائب عدلًا وعقابًا، سواء كانوا فى «قضاة من أجل مصر»، أو «قضاة فى بيان رابعة»، أو وزراء وشركاء فى الحكم، ولم يكن لهم تاريخ سابق مع الجماعة، لكنها النفس الأمّارة بالسوء الطامعة فى الجاه والمناصب على حساب الناس. لكن زكريا عبد العزيز نوع مختلف، على النقيض من هؤلاء، رجل وطنى بمعنى الكلمة، كان حريصًا طوال حياته على استقلالية القضاء، وهى قيمة عظيمة لو تدرون، وعمل لها حين كان رئيسًا لنادى القضاة، وبالطبع كان مع المصريين الذين نزلوا إلى ميدان التحرير فى 25 يناير 2011، تحت شعار عبقرى «الشعب يريد إسقاط النظام»، وتغيرت الوجوه ومارس الجميع لعبة الكراسى الموسيقية، ولم يسقط النظام، صحيح أن 25 يناير كان خليطا من المؤامرة والثورة، لكن المتآمرين كانوا من الضآلة والخسة، فتعرت عوراتهم الثورية سريعا. أما القاضى زكريا عبد العزيز فهو ثائر بطبعه، وقبل أن تندلع ثورة 25 يناير بسنوات كان مخلصا لوطنه ولأهله، مشاركا معهم فى حلمهم من أجل تغيير مصر إلى الأفضل، ولم يكن معقولا أن يتخلى عنهم فى زمن غضبهم وثورتهم، صحيح أن روب القضاء يفرض تصرفات خاصة ويجبر صاحبه على الابتعاد عن السياسة، لكن ما حدث فى مصر لم يكن عملا سياسيا عاديا، وإنما كان هبّة شعب، وفى زمن الثورات تسقط الاعتبارات العادية وتنتصب مصلحة الوطن والناس، ولا يجوز أن نحاسب المستشار زكريا عبد العزيز على أيام الثورة، إلا إذا كانت السلطة الحالية تتصيد وتتربص وتحاسب «شخصيات 25 يناير» على ما اقترفوه فى حق نظام مبارك، كما لو أن مبارك كان زعيما ملهما أقرب إلى الرسل والمصلحين، وخرج عليه ملايين المصريين مطالبين برحيله، من باب سوء التربية والجحود ونكران الجميل. والسؤال: هل عودة الوجوه القبيحة إلى مسرح الأحداث يعنى أن نحاسب شرفاء الوطن باتهامات قبيحة وغبية؟ هل وجود زكريا عبد العزيز فى مواقع الأحداث فى فترة الثورة دليل على تحريضه على العنف واقتحام المبانى العامة؟! بالطبع هناك آلاف الشخصيات المصرية شاركت فى 25 يناير، ونزلت إلى ميدان التحرير بالقاهرة والقائد إبراهيم فى الإسكندرية والأربعين بالسويس وغيرها من المدن المصريين: قضاة وصحفيين وكتابًا ومفكرين وأساتذة جامعات وإعلاميين وسفراء وفنانين، ولا علاقة لهم لا بمؤسسات تمويل أجنبية ولا محلية، ولم يتدربوا على الثورة فى صربيا، كانوا يحلمون فقط بمصر على قدر قيمتها، وليس على قدر هامات صغيرة تحكمها، وما زالوا يحلمون. ويبدو أنهم يحاولون قتل هذا الحلم فى وجدان زكريا عبد العزيز وكل الحالمين معه!