كان شم النسيم فى مصر الفرعونية يمثِّل خليطا من الاحتفالات الدينية والشعبية التى تقام خلال فصل الصيف احتفالا ببدء موسم الحصاد، ورمزا لبعث الحياة، ورغم أن الاحتفال به يقتصر الآن على يوم واحد فقط فإنه لا يزال أريجه يسرى من مصر القديمة إلى اليوم. فلقد قسَّم المصريون السنة إلى ثلاثة فصول، يحتوى كل فصل منها على أربعة أشهر، وربطوا بين هذه الفصول فى الدورة الزراعية وبين الأساطير الدينية، خصوصا ملحمة أوزيريس، ذلك الإله الطيب، الذى اغتاله أخوه «ست» طمعًا فى العرش، وكان الفصل الأول «آخت» بمعنى الفيضان يمتد من منتصف شهر يوليو إلى منتصف شهر نوفمبر فى تقويمنا الحديث. واعتبر المصريون أن مياه النهر فيه كانت تمثل دموع إيزيس الوفية على زوجها أوزيريس، وسر الحياة الذى يهب الأرض الخصب، أما الفصل الثانى «برت» بمعنى الإنبات، فكان يمتد من منتصف شهر نوفمبر إلى أواخر شهر مارس، وفيه يبدأ الفيضان فى الانحسار، ويقوم الفلاحون بحرث الأرض، وتهيئتها للزراعة، واعتبر المصريون أن بذر الحبوب كان يمثل دفنا رمزيا لجسد أوزيريس، فيحتفل المصريون خلال هذا الفصل بتحنيطه ودفنه، ويخيّم الحزن على الكون انتظارا لبعثه مرة أخرى، أما الفصل الثالث، الذى يمتد من أواخر مارس إلى النصف الأول من شهر يوليو، فقد أطلقوا عليه «شمو» بمعنى التحاريق إشارة إلى نضج المحاصيل، عندما تبدأ الحرارة فى الارتفاع تمهيدا لفصل الصيف. وربط المصريون موسم الحصاد ببعث أوزيريس، وكانت علامة ذلك البعث تحوّل القمح إلى اللون الأصفر، وعبرت عنه اللغة المصرية القديمة بكلمة «شم إن سيم» بمعنى تحاريق النبات، فكانت هى الأصل فى تسمية هذا العيد بشم النسيم، ولم يقتصر الاحتفال بهذا العيد على أوزيريس فقط، بل شارك فيه عدد من الآلهة، الذين ارتبطوا بالخصوبة والزراعة فى مصر كلها، فكان الفرعون يقدم حزمة من القمح إلى «مين» رب الخصوبة أمام الناس، ثم يطوف الكهنة بتمثاله على الحقول، اعترافًا منهم بفضله عليهم، وكانت التقدمة الرئيسية لذلك المعبود هى نبات الخس، فيكثرون من أكله ليمنحهم الخصوبة واستمرارية الحياة، وربط المصريون فى هذا الموسم بين البصل الأخضر وعالم الموتى، فكانوا يزورون موتاهم محملين بباقات من البصل كى تعمل رائحته النفاذة على إبعاد الأرواح الشريرة، وتساعدهم على ذرف الدموع على من لهم فى عالم الأموات، وجمع المصريون ما بين أوزيريس والسمك المملح، فكان تحنيط الموتى باستخدام الملح يعادل عملية تفسيخ السمك، ولذلك كان أكل السمك المملح فى هذا العيد يوحد المصريين بأوزيريس ويهبهم القدرة على البعث واستمرارية الحياة، وكان تناول الحمص الأخضر الملانة من الأمور المحببة فى شم النسيم، حيث أطلق عليه المصريون كلمة «حربيك»، بمعنى رأس الصقر تيمنًا بالصقر حورس ابن أوزيريس، ورمزا لإعادة الميلاد للكون كله، وعبر تناول البيض فى موسم الحصاد عن رمزية إعادة الميلاد، عندما جاء إله الشمس للوجود من بيضة كبيرة معلنا بدء الخليقة، ورغم أن عادة تلوين البيض قد وفدت إلينا قديما من الفرس خلال القرن السادس الميلادى فإن الأصل فى رمزية البيضة ذاتها قد خرج من الحضارة المصرية القديمة.