خبران بشعان قرأتهما مؤخرا وتألمت لحدوثهما جدا، تركت سيدة رضيعها فى مستشفى بطنطا، وعندما طلبوها بعد أن تركته 4 أيام من إقامته فى الحضانة قالت لهم: «ماتتكلموش هنا تانى.. ماعندناش فلوس نعالجه» فى النهاية ذهبت زوجة والده لاستلام الرضيع، أما القصة الأخرى فهى عن أم شنقت رضيعها بعد الولادة، وألقت به فى دورة مياه، بغض النظر عن بشاعة الحدثين ووجود أناس آخرين يتمنون فيها نعمة الذرية دون أن يحصلوا عليها، فهناك مغزى لهاتين القصتين، ولم تحدثا من فراغ أو نتيجة طبيعة بشرية تتسم بالشر المطلق. فالظروف غير الطبيعية التى مر بها المجتمع المصرى على مدى العقود السابقة من تخبط سياسات وقمع فكرى وتدهور تعليم وصحة وخدمات من الممكن جدا أن تنتج كائنات مشوهة، الإحساس العام بفقدان العدالة وتكافؤ الفرص وتناقص قيمة الطرق القانونية للحصول على الحقوق، نتيجة تلاعب المحامين بالثغرات القانونية والألاعيب الإنشائية، إضافة إلى تزايد الهوة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء والإحساس العام بفقدان الأمل والاستسلام للواقع دون مخرج تجعلنا جميعا نسلك سلوكيات مملكة الحيوان فى مجتمعات الفقر المزدحمة، الأنا هى الأهم، ويحتاج المرء إلى طاقة هائلة ليحافظ على آدميته وتعاطفه وسلوكياته الإنسانية. فكرة المقال الأساسية أن الإجرام وغياب المشاعر الآدمية موجود فى كل المجتمعات فى العالم، فلا يوجد بلد أهلها ملائكة أو شياطين على طول الخط، بل هناك منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تشكل الأرض الخصبة لنمو سلوكيات آدمية أو غير آدمية، فلمن يرى أن الغرب الكافر وحش ونحن أهل الأخلاق الحميدة، ويعتقدون أن من يتصادف مولده مسلما بالضرورة مواطن صالح، لعله يتذكر أن الخصوصية الثقافية يجب أن لا تترجم فى شكل استعلاء ثقافى، لأن الشواهد الواقعية استنادا إلى مقارنة المجتمعات تقول عكس ذلك، سواء على مستوى استعمال العنف أو مستوى أخلاقيات العمل والإنتاج والإنجاز أو النظافة وغيرها، فى السياق المصرى تلعب العوامل الهيكلية دورا إذن فى صياغة ثقافة الشعب ومعتقداته وسلوكياته. فالسياق العام الضاغط فى مصر يجعل من البشر وحوشا ومسوخا، وهذه الفكرة ليست جديدة، فكرة أن السلوك البشرى العنيف يتولد نتيجة سياق عام ضاغط وملىء بالمشكلات، ففى الأدب العالمى جاءت نشأة مسوخ «الأورك»، تلك الكائنات الخرافية الشريرة التى ظهرت فى ثلاثية «مملكة الخواتم»، سواء بنسختها الروائية أو الأفلام بأجزائها الثلاثة، بنفس الطريقة، ففى البداية كانت حوريات نورانية صارت بشعة نتيجة تعرضها للتعذيب بشكل جعلها ناقمة على كل شىء وتفتقد إلى قيم التعاطف مع الآخرين وأكثر قابلية للعنف. ومن الأمثلة الطريفة لنفس الفكرة ما روّجته الحملة الإعلانية لإحدى المدن السكنية الجديدة خارج القاهرة، فتظهر تأثير الزحام والضوضاء على البشر الذين يتحولون إلى الرجل الأخضر، نتيجة زيادة معدلات الغضب لديهم، الخلاصة أن الضغط يجعلنا أقل آدمية.