إذا لم تشاهده على المسرح ربما لا تدرك حجم موهبته وحضوره وعبقريته الفنية، قال عن نفسه: "دخلت الفن دون موهبة، فقط أصرّ شقيقي على أن ألتحق بالمعهد فأصبحت ممثلًا"! إذا لم تشاهده على المسرح ربما لا تدرك حجم موهبته وحضوره وعبقريته الفنية، قال عن نفسه: "دخلت الفن دون موهبة، فقط أصرّ شقيقي على أن ألتحق بالمعهد فأصبحت ممثلًا"! كرهه للدراسة جعله يظل في بلدته لمراعاة مصالح أسرته، ورغم هذا لم ينسَ حبه القديم للتمثيل، حتى أجبره شقيقه على الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليصبح واحدًا من أهم فناني المسرح العربي، إن لم يكن نجمه الأهم على الإطلاق. العمدة الذي يعشق التمثيل وُلد عبد الله غيث في 28 يناير عام 1930، بكفر شلشلمون مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، والده كان عمدة البلدة، وعائلته كانت واحدة من أكثر العائلات ثراء في المحافظة، التحق والده بجامعة كامبريدج بإنجلترا لدراسة الطب عام 1912، إلا أن قيام الحرب العالمية حال دون استكمال دراسته فأصبح العمدة، وتوفّي قبل أن يتمّ العام، بعدها انتقلت العائلة من الشرقية إلى القاهرة، وتحديدًا حي الحسين، ومن وقتها انقسم العام في حياة عبد الله إلى 8 شهور في القاهرة و4 في الشرقية. بعد وفاة عمه - الذي خلف والده في منصب العمدة - كان على أحد أبناء العائلة البقاء لمراعاة مصالح الأسرة، ولما كان شقيقه الأكبر حمدي متفوّقًا في دراسته - سواء في كلية الحقوق أو في المعهد العالي للفنون المسرحية، إذ كان يدرس فيهما في نفس الوقت - جاء القرار ببقاء عبد الله في البلد، وهو ما وافق هواه لكرهه الشديد للتعليم. أما النقطة المحورية التي غيرت حياته 180 درجة، كانت عودة شقيقه حمدي من البعثة الدراسية التي حصل عليها في باريس، ليعمل في المعهد العالي للتمثيل، ليجد شقيقه الأصغر وقد توقف بعد الثانوية العامة، ولما كان يعرف عنه حبه للتمثيل والفن، أجبره على تقديم أوراقه في المعهد العالي للفنون المسرحية، وخلال 4 سنوات تحوّل التلميذ الفاشل إلى طالب نجيب، حتى إن عبد الله كان من أوائل دفعته حين تخرج من المعهد عام 1955. من المسرح إلى التليفزيون وأثناء دراسته في المعهد انضم عبد الله غيث إلى المسرح القومي، وقدم أول أدواره في مسرحية "تحت الرماد"، من إخراج شقيقه حمدي، وقتها انطلقت أقلام عدد من الصحفيين متحدثين عن براعته وموهبته، وانهار الحصار الذي كان مفروضًا عليه من المخرجين؛ لرفضهم لفكرة الوساطة في دخوله لعالم الفن. كانت أدوار عبد الله غيث التاريخية والدينية التي أدّاها في بداية حياته، سببًا في استمرار بإسناد هذه الأدوار له، ولذا نجد أغلب أدواره من تلك النوعية، إلا أنه تمرد على هذه الأدوار في السينما، فقدم أفلام مثل "بياعة الورد" عام 1959، و"عاشت للحب" في العام نفسه، و"لا وقت للحب" عام 1964، و"الحرام" عام 1965، و"السمان والخريف" 1967. ورغم تألقه في أفلام "أدهم الشرقاوي" و"السمان والخريف" و"الحرام"، إلا أنه آثر التركيز على المسرح والتلفزيون، فقدم عددًا هائلًا من المسرحيات، كان أبرزها وأكثرها شهرة "الوزير العاشق"، وفي التلفزيون قدّم غيث عددًا من المسلسلات أهمها: "بعد العذاب"، "القضبان"، "أبناء في العاصفة"، "عنترة"، "ليلة سقوط غرناطة"، "محمد رسول الله"، "موسى ابن نصير"، "رسول الإنسانية"، "لا إله إلا الله"، "عابر سبيل"، "بوابة الحلواني"، "المال والبنون"، "ذئاب الجبل". العالمية في حياة عبد الله غيث وفي عام 1976، وبعد غياب دام 6 سنوات عن السينما، لم يتخلله إلا الظهور كضيف شرف في فيلم الشيماء عام 1974، قدّم عبد الله غيث أشهر أدوراه على الإطلاق، وهو دور حمزة ابن عبد المطلب في النسخة العربية من الفيلم الملحمي "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد. يقول غيث في لقاء تلفزيوني له: "كنا نصوّر المشهد مرتين، مرة بالممثلين الأجانب ومرة بالممثلين العرب، وكان العقّاد قرر أن يبدأ الممثلون الأجانب أولًا كي يتعلم منهم الممثلون العرب، ولكن بعد ثلاثة مشاهد فوجئنا بتغيير الخطة فنبدأ نحن لكي يشاهدنا الأجانب، وكان أنطوني كوين يطلب مني دائمًا البدء قبله كي يتعلم مني - على حد قوله". وقال أنطوني كوين عن أداء عبد الله غيث في الفيلم: "لو كان غيث في أوروبا أو أمريكا لكان له شأن آخر" ، بينما قالت النجمة العالمية إيرين باباس: "عبد الله غيث فنان عالمي على مستوى عالٍ". وفي مثل هذا اليوم 13 مارس 1993، توفي الفنان عبد الله غيث، متأثرًا بأزمة قلبية مفاجئة أثناء تصوير دوره في مسلسل "ذئاب الجبل".