في ذكر ثورة مارس 1919، ثاني ثورة مصرية بعد ثورة عرابي عام 1881، نرصد أهم ملامح تلك الثورة والنتائج المترتبة على اندلاعها. ثورة 1919، مفجرها الزعيم الراحل سعد زغلول، وهي أول ثورة مصرية تشهد مشاركة المرأة في الحياة السياسية من خلال خروجها للاحتجاج، وكان من نتائجها صدور دستور 1923؛ كأول خطوة وعلامة صحيحة على طريق الحياة النيابية المصرية، وانتخاب أول برلمان مصري على أساس حزبي، وتشكيل حكومة برلمانية "حكومة الوفد"، كما شهدت انتخاب وحل 10 برلمانات، بسبب خلافات ما بين الحكومة والملك من ناحية، والحكومة والبرلمان من ناحية أخرى . اندلاع ثورة 1919 والحصول على الاستقلال جاء نفي الزعيم سعد زغلول إلى جزيرة مالطة مع عدد من رفاقه، بمثابة الشرارة التي تولدت لتفجر الثورة التي قامت في كل أرجاء مصر، وشملت تدريجيًا جميع القوى المجتمعية؛ فبدأت من طلاب المدارس، ثم المحامون الشرعيون إلى عمّال العنابر والصناع، لتصل إلى جميع القوى الشعبية في ذلك الوقت. وبعد أن جرّبت السلطة العسكرية كل وسيلة ممكنة لقمع الثوار المصريين، استقالت وأُذيع خبر إطلاق سراح سعد زغلول وبقية أعضاء الوفد المصري، وبهذا كانت الثورة قد بدأت مرحلة جديدة في سبيل الاستقلال والحرية. وقد كان جوهرثورة مارس 1919 الرئيسي، الاستقلال السياسي لمصر، وإقامة حياة نيابية ديمقراطية سليمة، اضطرت بريطانيا تحت ضغط أحداث الثورة إلى إصدار تصريح 28 فبراير من عام 1922 مع التحفظات الأربعة، وصدر التصريح من جانب واحد وبموجبه انتهت الحماية البريطانية على مصر، وأعلن استقلال البلاد استقلالاً شكليًا في 15 مارس 1922، وأصبحت مصر مملكة واتخذ السلطان فؤاد لنفسه ملك مصر. صياغة دستور 1923 وتشكيل مجلس النواب بعد الثورة تم تشكيل وزارة جديدة، برئاسة عبدالخالق باشا ثروت، وشرعت وزارة ثروت باشا في تشكيل لجنة لوضع مشروع الدستور وقانون الانتخاب، ورأس هذه اللجنة حسين باشا رشدي، وقد سُميت ب"لجنة الثلاثين" وبعد إتمام لجنة الثلاثين عملها رفعت مشروع الدستور إلى ثروت باشا في السبت 21 أكتوبر 1922، وقدّمت اللجنة بعد أيام قليلة مشروع قانون الانتخاب المرافق للدستور. وبدأت وزارة الأشغال في إقامة مبنى؛ ليكون مقرًا لاجتماعات مجلس النواب، وتوسيع مبنى الجمعية التشريعية؛ ليكون مقرًا لمجلس الشيوخ. وصدر الأمر الملكي الخاص بدستور 1923 بعد سلسلة من العقبات التي حالت دون صدوره وتعطيله والعمل على تحريفه، إلّا أنه صدر أخيرًا في 19 إبريل 1923 طبقًا للمشروع. وطبقًا للدستور الذي أصدره الملك فؤاد الأول سنة 1923 بموجب الأمر الملكي في إبريل سنة 1923 انقسم البرلمان المصري إلى مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وقد تناول الفصل الثالث من الباب الثالث من دستور 1923 البرلمان بمجلسيه الشيوخ والنواب. أهم إنجازات برلمان 1924 صياغة قانون الانتخاب والذي صدّق عليه الملك في 11 أغسطس 1924، والذي أكسب عملية الانتخاب عدة مزايا مثل: الانتخاب المباشر والاقتراع العام دون قيد المال أو شهادة علمية، وإلغاء شرط الترشيح للعضو المرشح للنيابة، وترشيح العضو في أي دائرة من دوائر القطر، لأن المرشح إذا فاز أصبح ممثلاً عن الأمة كلها، كما اهتمام البرلمان بقضية السودان والتي عرفت "بقضية وحدة وادي النيل" وحق مصر في السودان، وأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية؛ حيث اقترح بعض النواب رفع الحواجز الجمركية، على أن تكون التجارة بينهما كما هي بين الوجه القبلي والبحري داخل القطر. حل البرلمان وبداية الأزمات الدستورية والنيابية لم تلبث أن بدأت الحياة النيابية في التبلور منذ صدور دستور 1923؛ إلّا وتم إنهاؤها في يوم الإثنين 23 من مارس سنة 1925، ومنذ ذلك الوقت شهدت الفترة "1924 – 1952" عدم استقرار نيابي فقد أٌسست 10 مجالس نيابية وحُلت، كما شهدت تلك الفترة أقصر مجلس نواب 1925 أستمر لمدة 9 ساعات وتم حله بأمر من الملك فؤاد، كما شكلت فيها أربعون حكومة. فقد ألغي دستور 1923 وتم إقرار دستور 1930، الذي جاء ليهمش السلطة التشريعية لحساب سلطة الملك وأنتخب علي اساسه برلمان 1931، وبعد أعتراض القوي السياسية والوفدية، قدمت الحكومة إستقالتها وتم إيقاف العمل بدستور 1930 وعودة دستور 1923 وأنتخب مجلس 1936. واستمرت رحلة من الصراع بين الملك والبرلمان من ناحية والحكومة والبرلمان من آخري على مدار أكثر من عشر سنوات حيث تكرر نفس الموقف أما أن تحل الحكومة البرلمان أو الملك أو تستقيل الحكومة حين تفشل في مواجهة أعضاء البرلمان.