لا ينتبه كثيرون إلى أن أقدم الحروب الوطنية لبناء دولة موحدة هى الحرب التى انتهت بتوحيد القطرين فى مصر القديمة -أو ما اصطُلح على تسميته بمصر الفرعونية- وتأسيس أول دولة مركزية تمتد لها حدود طويلة ومساحة ضخمة من الأرض، بعد محاولات كثيرة سبقت من أجل التوحيد بين الجنوب والشمال، وما صار يعرف بالوجهين القبلى والبحرى، وساد الظن لفترة طويلة بين علماء التاريخ القديم أن «مينا» هو «نعرمر». أثبتت الدراسات المعاصرة أن نامر ومينا ليسا نفس الشخص، وإنما الملك نعرمر هو الملك الذى حكم مصر فى توقيت سابق مباشرة لعصر الأسرات، مما جعل العلماء يطلقون على فترة حكمه الأسرة صفر ، كما أثبتت الدراسات السائدة، بعد التوثيق الذى حققه العثور على لوح إردواز سليم ، أن به نقوشًا تخلد انتصار نعرمر . وقد وجدت هذه اللوحة فى هيراكنبوليس بالقرب من العرابة، وهى محفوظة الآن بالمتحف المصرى، وإذا كان نعرمر قد حقق انتصارًا عسكريًّا على الوجه البحرى وأصبح حاكمًا للوجهين، إلا أنه لم يقم بتوحيدهما، لذا فقد كان يرتدى تاج كل وجه على حدة، ولم يتم دمج التاجين فى عهده، واستمرت المصالح الحكومية والإدارية منفصلة أيضًا. فى المرحلة التالية استطاع الملك مينا أن يخوض معارك ناجحة ضد قبائل ليبية ويؤمن الحدود الغربية، وأن يحقق انتصارات على النوبيين، أمّن بها الحدود الجنوبية ليقوم بعدها بإنشاء حكومة مركزية تسيطر على كل أرجاء الدولة الوليدة، بعد إذعان الوجه البحرى لتوجه مينا ببناء دولة قوية فرضت وجودها فى العالم القديم، وأبدعت فى ما بعد فكرة القوات النظامية التى تتفرغ للدفاع عن البلاد ضد أى عدوان خارجى، ولذلك فمن اللافت أن مينا أصبح يرتدى تاجًا يدمج التاجين السابقين لكل من الوجهين القبلى والبحرى معًا. كانت هذه هى بداية عصر الأسرة الأولى فى مصر القديمة، وإن اعتبرت بعض الآراء الأسرتين الأولى والثانية لهما تصنيف خاص سمى بالعصر العتيق، وهو عصر بناء الوحدة السياسية قبل 3200 سنة قبل الميلاد وبداية الحضارة المصرية على أسس صلبة وراسخة، وهى الحضارة التى عاشت طويلًا هادية للبشرية، وقدمت لها نموذجًا يحتذى، وأثْرتْها بالعلم والمعرفة واتفقت الآراء على تصنيف عصور الأسرات كالتالى: الدولة القديمة: تشمل الأسرات من الأولى حتى السادسة، أو طبقًا للرأى السالف من الثالثة حتى السادسة، وهو العصر الذى عرفت البلاد فيه الأمن التام والاستقرار، وفى هذه الفتره حققت مصر إنجازًا كبيرًا فى علوم الطب والهندسة والفلك، وكان زمن الدولة القديمة هو عصر بناة الأهرام، وقد تمكن الملك زوسر من السيطرة الكاملة على النوبيين، ومع نهاية الأسرة السادسة مرت مصر بما يعرف بعصر الاضمحلال الأول. عصر الاضمحلال الأول وقد استمرت فترة هذا الاضمحلال من الأسرة السابعة حتى العاشرة، وسادت فى هذه الفترة حالة من الفوضى وانتشر الاضطراب وتدهور الفن، وإن حافظ الأدب على مكانته، وبعد هذه الفترة تمكن أمراء طيبة من إحكام السيطرة على البلاد والنهوض بها ثانية. الدولة الوسطى وهى تشمل الأسرات من الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة، وفى هذه الفترة اهتم ملوك مصر بالتوسع الخارجى، فسيطروا على النوبة السفلية، وقاموا بإنشاء مشروعات رى ضخمة. عصر الاضمحلال الثانى وامتد من الأسرة ال15 إلى الأسرة ال17 وفى هذه الفترة وقعت دلتا مصر تحت احتلال الهكسوس، وفى نهاية الأسرة السابعة عشرة قاد الملك سقنن رع الحرب على الهكسوس، لكنه قُتل وهناك آراء بأن قتله كان بسبب مؤامرة داخلية، ثم قام ابنه كاموس بالمهمة، لكنه تُوفى فى ظروف غامضة، ليتولى قيادة الجيش الابن الأصغر أحمس ذو السابعة عشرة، لينجح فى القضاء على الهكسوس وطردهم خارج مصر، وتبدأ من عنده الدولة الحديثة. الدولة الحديثة وأطلق على زمنها عصر الإمبراطورية، واتسمت بالازدهار والقوة العسكرية العظمى فى فترة الأسرات من 18 إلى 20، حيث حاربت مصر معارك مجيدة، وحققت مصر استقرارًا تامًّا ومنعة، واعتبر تحتمس الثالث أقوى الأباطرة فى التاريخ، وتدرس خططه الحربية فى كبرى الأكاديميات العسكرية حتى اليوم، وفى هذه الفترة أسست مصر كبرى الإمبراطوريات، وكانت عاصمتها طيبة، وفى هذه الفترة أيضًا شُيِّدت صروح معمارية رائعة وعظيمة. الاضمحلال الأخير (الثالث) اعتبارًا من الأسرة ال21 بدأت مصر فى الانحدار التدريجى والتعرض للاستعمار الخارجى من حين لآخر، إلى أن طُويت صفحة أعظم حضارات العالم القديم مع الأسرة ال31، وإن كانت هناك آراء بأن النهاية كانت مع الأسرة ال30.