الاختلاف والتباين هو سمة البشر، بشر نتساوى فى الكرامة التى منحنا اللهُ -سبحانه وتعالى- إياها، ونختلف تبعا لعرقنا، لوننا، جنسنا، ديننا، رأينا، مكاننا، ثروتنا، ثقافتنا، لكن لا يعطى ذلك لأحد ميزة تزيد أو تنقص من كرامته. لكن العكس هو ما يحدث فى المجتمعات العنصرية التى تقر عمليًّا بعلوّ منزلة جماعات/ أفراد على جماعات /أفراد آخرين. وإذا راجعنا حالنا سنجد ممارسات عديدة وغريبة توضح عنصريتنا وطبقيتنا وطائفيتنا وتعصبنا وغرورنا. وعلى سبيل المثال، إذا لاحظنا تعامل البعض مع مقدمى أعمال الخدمة والمساعدة (داخل أو خارج المنازل) لأدركنا مدى ضعفنا النفسى والخلقى وانعدام الثقة بالنفس. نعشق المظاهر والتكبر، نعدم التسامح والتعاطف تجاه أى مختلف، تحكمنا الرغبة فى الحط من شأن الآخر، والتدليل على تدنى مكانته. ولا يرتبط ذلك بحمية وغيرة على دين أو كرامة أو شرف أو وطن أو إحساس بالظلم والإهانة... وكل التبريرات التى نسوقها، بل يرتبط الأمر بسوء تربيتنا ومرضنا، فنبحث عمن نترفع ونتعالى عليه، فربما فى ذلك قوّتنا وتفوّقنا. المسلم ضد المسيحى، يتحين الفرصة لكى يقرفه، يعطل مصالحه، وقد يحرض ضده وينفر الناس منه. ولا ننسى أن المسلم فى مجتمعنا لا يقبل العكس فى بلاد أخرى ويستنكر على الآخرين نفس الفعل! الغنى مع الفقير، كل واحد لازم يحفظ مقامه، لأن التعامل بلطف وتبسُّط يقلل من شأننا ويساوى الرؤوس، يجب أن نكون حازمين قاسين، وإهانتهم هى لضبط سلوكهم! الأبيض يفضُل الأسمر، وطبعًا يتفوق على الأسود، الذى لا ننعته عبدًا لأننا متدينون ! وخد عندك تمييز ضد المرأة، الراجل من دول تلاقيه بره بيته ذوق ومهذب، يرتعب من رب عمله، ولكن يصبح شخصًا آخر مع زوجته، التى بدورها تضطهد الشغالة وتتعالى على عاملة الكوافير. أهل المدن يسخرون من أهل القرى ويستخفّون بهم. ومن ابتلاه الله بإعاقة نرمقه بنظراتنا لا نشيح عنه أبصارنا قبل أن تخترق قلبه وتعايره! وغير ذلك من أمثلة كثيرة..! المضحك فى أمر عنصريتنا اللخبطة اللى يمكن أن تحدث فى حال تداخل وتقاطع مسوغات القوة والتفوق لبعضنا ضد بعض. كل واحد منا فى حالة متغيرة من موقف لآخر ومن علاقة لأخرى، فالقوة والضعف نسبيّان، لا القوىّ قوىّ ولا الضعيف ضعيف على طول الخط. يعنى مثلاً علاقة رجل غنى أسود مع امرأة فقيرة بيضاء، رجل فقير وامرأة غنية، مدير مسيحى مع موظف مسلم، مديرة وموظف، رجل جاهل وامرأة متعلمة. علاقات كل طرف فيها يملك مقومات قوة ومقومات ضعف وفق قواعد المجتمع التمييزية. وللأسف لا تعلمنا تلك المواقف والعلاقات أننا مختلفون وخلاص، وأن الاحترام المتبادل هو ما يجب أن يحكم علاقاتنا، بل كلها مواقف تقلب علينا عُقَدنا وأمراضنا فنطلَّعها على بعض . مسيحى بس كويس ، ست بس جدعة ، أسمر بس حليوة ... بس تعكس محاولاتنا للتقليل من شأن الآخر كوسيلة لإعلاء مكانتنا! تُرى متى تشعر بالقوة والتفوق والتميز؟ من ذاتك أم من المقارنة بالآخر والتعالى عليه؟ الوضع يزداد سوءًا تدريجيًّا مع وضعية الاستقطاب الطائفى/ السياسى/ الطبقى التى نعيشها. يتكرس الوضع ونورث أمراضنا لأطفالنا، فى ظل غياب برامج وآليات قانونية وتربوية وتثقيفية تعزز المساواة والاحترام فى المجتمع وتحمى أفراده وجماعاته بعضهم من بعض. نسيت أن أنوه فى بداية المقال بأنى لا أعمّم، ولكن أؤكد أننا مرضى طبقيون وعنصريون، وبداية العلاج أن نعترف بتلك الحقيقة.