د.أشرف الصباغ إن إثقال القمة المصرية - الروسية بأجندات وهمية متخمة بالبنود والآمال من شأنه أن يضرّ بأسس العلاقات، خصوصا أن هناك ترقبا لنتائج هذه القمة، ليس فقط على المدى القصير، وإنما أيضا على المديَيْن المتوسط والطويل. هناك مجالات للتعاون تحتاج إلى عشرات السنين لكى تظهر ثمارها، مثل التعاون النووى السلمى الذى يحتاج على الأقل إلى 20 عاما من العمل المشترك، نظرا لما يحيط به من تعقيدات علمية وتقنية وتجهيز وإعداد الكوادر، إضافة إلى التحديات الخارجية المتعلقة بالتوازنات الإقليمية والتحالفات الدولية، مما يستلزم بناء القاعدة الأفقية الصحيحة والمتينة لتصبح جاهزة لتنمية العلاقات بشكل رأسى. السلاح النووى أما عن مسألة السلاح الروسى، فكما قلنا فى السابق، لن تسمح روسيا بالإخلال بالتوازن الاستراتيجى الإقليمى فى المنطقة، لأنها ببساطة دولة كبرى لديها مصالحها مع أطراف أخرى قد لا تكون قريبة من مصر، كما أن روسيا ليست لديها رفاهية تشكيل أحلاف عسكرية أو الدخول فى حرب باردة جديدة، وبالتالى فموضوع السلاح يحتاج إلى وقت كافٍ، وتعديلات وتغييرات نوعية وإعداد كوادر، ونحن نعرف جيدا ماذا يدور فى أسواق السلاح العالمية من صراعات وحسابات وتحالفات ومعايير، ولذلك على القاهرة أن تكون أكثر مرونة وأكثر اعتمادا على الذات، وأكثر تجهيزا لملفات تنويع العلاقات بما يخدم مصالحها الوطنية والقومية، مما يشير إلى ضرورة التركيز على الملفات الاقتصادية والتجارية والإنسانية، باعتبارها الأساس المتين لتنمية مجالات التعاون الأخرى. لقد حملت زيارة بوتين إلى القاهرة عديدا من الملفات الاقتصادية، بدءا من الاستثمار إلى الطاقة، وصولا إلى التبادل التجارى، فعلى صعيد الطاقة هناك اقتراحات روسية بإنشاء بنية تحتية نووية شاملة روسية الصنع على غرار محطات الطاقة الكهروذرية فى روسيا، وبالفعل هناك اتفاقية حكومية تم توقيعها فى عام 2008 بشأن التعاون فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، الشىء الذى يتيح للشركة الحكومية روس أتوم ، المتخصصة فى بناء المحطات الكهروذرية، المشارَكة فى المناقصة المعلنة من الجانب المصرى لبناء أول محطة كهروذرية بطاقة 100 إلى 1200 ميجاوات للواحدة. الحاصلات الزراعية الملف الثانى، وهو السعى المصرى إلى إلغاء رسوم تصدير وتسليم القمح الروسى الذى يغطى نحو 40٪ من إجمالى استهلاك السوق المصرية. وكانت روسيا قد قررت فرض رسوم جمركية على صادرات القمح، اعتبارا من 1 فبراير 2015، لا تقل عن 35 يورو للطن الواحد، بهدف تحقيق الاستقرار فى سوق الحبوب المحلية بعد موجة من ارتفاع الأسعار هناك. وبالنسبة إلى موضوع الحاصلات الزراعية فإن الصادرات المصرية إلى روسيا ارتفعت خلال عام 2014 بنسبة 30٪، بالمقارنة مع عام 2013، والمفاوضات جارية بين الهيئات المعنية فى البلدين لتسهيل عملية تقييم السلع الزراعية المصدّرة من مصر إلى روسيا، وتفادى تطبيق الأسعار الإرشادية التى كثيرا ما تكون مكلّفة بالنسبة إلى المستورد الروسى، هذا إضافة إلى المباحثات المكثفة المتعلقة بالحجر الزراعى والبيطرى لتسجيل المنتجات المصرية، أما ملف المفاوضات حول اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادى الأوراسى، الذى يضم كلا من روسيا وبلوروسيا وكازخستان وأرمينيا، فإن مصر لا تزال تسعى لتوقيع اتفاق للتجارة الحرة مع هذه الوحدة الاقتصادية. وفى المقابل، خصّصت مصر منطقة تقع شمال جبل عتاقة بالسويس شرق القاهرة لتكون منطقة صناعية روسية، وقد تم إبلاغ الجانب الروسى بذلك، وتم توجيه الدعوة للمستثمرين الروس للعمل فى هذه المنطقة التى ستكون جزءا من المنطقة التى تسعى مصر لتنميتها تحت مسمَّى مشروع تنمية قناة السويس ، هذه المنطقة ستمنح مميزات كبيرة فى إطار الاستثمار، حيث تستفيد من قانون المناطق الاقتصادية الخاصة، وهو القانون الذى يمنح حوافز للمستثمرين، وسيجرى تعديل القانون لتحقيق مزيد من التسهيلات للمستثمرين، سوف يتم تعديل عدد من مواده لمواكبة التغيرات التى لحقت بالهيكل الاقتصادى. السياحة الروسية ويأتى الملف الثالث والمهم، حيث السياحة الروسية التى تضخّ فى السوق المصرية ما يزيد على 3 ملايين سائح، وهو رقم ضخم لا يمكن تجاهله، وهو أيضا رقم خاضع للمنافسة بين مصر وتركيا وإسرائيل، وعلى مصر أن تعيد النظر فى كثير من الأمور المتعلقة بالسياحة والخدمات لاستعادة الأعداد الكبيرة، سواء من روسيا أو من غيرها، علما بأن أعداد السائحين الروس تقلّصت ليس فقط بسبب انخفاض سعر العملة الروسية، وإنما بسبب الأحوال الداخلية فى مصر من جهة، والمنافسة الساخنة مع دول أخرى من جهة ثانية، مما استدعى إجراءات إضافية من جانب مصر، مثل إلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الروس بشكل مؤقت، والاتفاق مع شركات الطيران، بما ينعكس إيجابيا على سعر الرحلة بالنسبة إلى السائح، واحتواء مشكلة انخفاض العملة المحلية فى روسيا. رسائل القمة للعالم إن أهم الرسائل التى أطلقتها القمة المصرية-الروسية هو إرساء قواعد استقلال القرار وضرورة احترام المصالح، وتدشين مسار تنويع العلاقات وليس استبدال الشركاء، هاتان الرسالتان تخصان كلا من القاهرة وموسكو فى اتجاهات متعددة، سواء فى اتجاه الغرب أو الشرق، وعلى هذا الأساس ارتكزت المواقف السياسية للبلدين، وانعكست فى تصريحات كل من السيسى وبوتين، وبالذات فى ما يتعلق بالأزمات الإقليمية: ليبيا وسوريا واليمن والعراق، واتضح أن هناك بالفعل مواقف متقاربة بين القاهرة وموسكو حول الأزمة السورية عموما، وهناك بعض البنود المتطابقة فى هذه الأزمة، وبالذات عدم وجود بديل عن التسوية السياسية، ودعم مصر وروسيا وحدة أراضى سوريا وسيادتها والرؤية المتطابقة أيضا للخطوات الأولية باتجاه الحل، وعلى رأسها إطلاق الحوار السورى-السورى، دون شروط مسبقة ودون تدخل من الخارج وعلى أساس مبادئ إعلان جنيف فى 30 يونيو 2012. ومن الواضح أيضا أن هناك تنسيقات ومشاورات مكثفة بين وزارتَى خارجية البلدين، إذ إن هناك اتفاقا بشأن ما يجرى فى العراقوسوريا، حيث ترى كل من القاهرة وموسكو أن أغلب أسباب ما يحدث حاليا فى هذين البلدين يعود إلى التدخل الخارجى السافر، واعتماد المعايير المزدوجة وتقسيم الإرهابيين إلى طيبين وأشرار. الروبل والجنيه الملف الرابع والمتعلق باستخدام العملتين المحليتين فى بعض مجالات التعاون التجارى والاقتصادى، وهذا الإجراء فى غاية التعقيد والصعوبة، إذ إنه مضرّ للاقتصاد المصرى وحجم العملات الصعبة فى مصر فى حال كان تطبيقة تعسفيا أو سريعا دون الأخذ بعين الاعتبار جملة من العوامل والإجراءات المالية من جانب الطرفين، وليس من جانب طرف واحد، ولا يزال البنك المركزى المصرى ينظر فى هذا الإجراء المطروح بالفعل على مائدة الحوار بين الخبراء من الجانبين، كما يتطلب أيضا موافقة البنك المركزى الروسى، ومن الواضح أن الجانب المصرى جاد فى التعامل مع ملف السياحة الروسية الذى يمثّل أكثر من 30٪ من حصيلة الحركة السياحية الوافدة إلى مصر، والتى دونها سيحدث خلل فى القطاع السياحى المصرى. فى كل الأحوال فالتعامل بالعملتين المحليتين، الروبل الروسى و الجنيه المصرى ، فى التجارة البينية سيُسهم فى إيجاد ظروف أكثر ملاءمة للملايين من السائحين الروس الذين يقصدون مصر سنويا، وستفتح هذه الخطوة آفاقا جديدة أمام التبادل التجارى بين البلدين. مكافحة الإرهاب إن أهمية لقاء القمة المصرى-الروسى، وفى القاهرة بالذات، تكمن فى موضوع مكافحة الإرهاب، وتأكيد الطرفين المصرى والروسى على مواقفهما المتقاربة أو المتطابقة بشأن هذا الموضوع، وبشأن المعايير المزدوجة تجاه مفهوم الإرهاب وطرق مكافحته، والشروع فى تنفيذ بعض المهام العملية على الأرض وفى المحافل الدولية، فالرئيس الروسى جاء إلى العاصمة المصرية وهو يعرف جيدا ماذا يجرى فى مصر والشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أحداث مرعبة يتعامل معها الغرب بازدواجية وانتهازية، بينما بسطاء الناس يسقطون ضحايا الإرهاب والسيناريوهات الحمقاء. وبالتالى، فملف مكافحة الإرهاب فتح الطريق للرئيسين المصرى والروسى لتأكيد مواقفهما أيضا بشأن الأزمات المحيطة، وعلى رأسها ليبيا وسورياوالعراق، وإمكانية تقريب المواقف من أجل الشروع فى العمل وليس التوقف عند تسجيل المواقف والآراء. لقد توصلت شركة غازبروم الروسية والشركة الحكومية المصرية للغاز إلى اتفاق لتوريد الغاز الطبيعى الروسى المسال إلى مصر خلال السنوات الخمس المقبلة على شكل 6 شحنات سنويا، وتم إبرام العقد يوم السبت الماضى، أى قبل زيارة بوتين للقاهرة بيومين، ومن أجل استيراد الغاز من روسيا يجب أولا تشغيل محطة لإعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية، حيث تعتمد مصر بكثافة على الغاز فى تشغيل محطات توليد الكهرباء التى تستخدمها المنازل والمصانع، وهناك تقارير مصرية تشير إلى أنه من المتوقع أن يبدأ تشغيل المحطة التى تقوم شركة هوج النرويجية ببنائها، لإعادة الغاز المسال إلى حالته الغازية فى نهاية مارس المقبل.