جزء كبير من التسريب الأول المنسوب إلى وزير الداخلية كان لصالحه، حيث أبرز الرجل رغبة معلنة فى البعد عن أداء ما قبل يناير، وأنه لا يريد أن يرى فى ضباطه وأفراده «طول اللسان بتاع زمان» حتى لا يخسروا الشعب مرة أخرى، «لأن التجاوزات عادت بعد (ثلاثين يونيو) وانتبهت إليها الصحافة»، ثم وعد ضابطا فقد سيارته وتراخى رئيس المباحث المسؤول عن منطقة السرقة فى إعادتها، بل نصح الضحية بالبحث عن عرباوى، يعيدها بشكل ودى. غضب الوزير، ثم طلب اسم الضابط المتراخى، وقال أنا الكبير بتاعك وهأرجعهالك . وفى التسريب الثانى المنسوب إلى الوزير فسَّر الرجل لماذا لا تتدخل الشرطة لإيقاف اعتصام أنصار جماعة الإخوان داخل جامعة القاهرة، وقال لضابط عمليات خاصة أبدى قلقه من تزايد المعتصمين: هناك موقف من جابر جاد نصار رئيس الجامعة، وأتمنى أن يتجمع كل الإخوان داخل الجامعة، حتى يصرخ لننقذه، ولن ننقذه . ثم قال الوزير -حسب التسريب المنسوب إليه- إنه تكلم مع الإعلام، وتسبب الكلام فى مسح الأرض بكرامة رئيس الجامعة . النصوص السابقة تحيلنا إلى مجموعة نتائج، فنحن أمام وزير يعلن رغبته فى الإصلاح، لكن الإصلاح بلا منهج، فتقاعُس ضابط مباحث يحتاج إلى أن يأخذ الوزير بنفسه اسمه، ليلاحق إهماله بنفسه، وهو أمر من المستحيل حدوثه لو كان الشاكى فردا عاديا وليس ضابطًا تمكَّن من محادثة الوزير. ثم لا يلبث أن يقرّ الوزير مبدأ غريبًا، يرهن أداء مؤسسة من مؤسسات الدولة واجبها، بموقف القائمين عليها، فأداء الوظيفة، يتطلب هنا أن ترضى الشرطة عن رئيس الجامعة، وإلا فعليه أن يعرف قيمتها، ويتم تلقينه درسًا بتعرض أمن منشآته بل وأمنه الشخصى للخطر، للدرجة التى يضطر إلى أن يصرخ ثم لا يشفع له صراخه. وهو مشهد سبق أن ذاقه المصريون جميعا بعد ثورة يناير، مع سيادة منطق خلّى الثورة تنفعكم . عقاب رئيس الجامعة بتجاهل إنقاذه من الخطر، أداء يضرب بعرض الحائط كل وعد للإصلاح، وتسييس واضح لمؤسسة مهمتها الوحيدة أمن المواطن، لا الانتقام ممن يضايقون الوزير أو الرئيس أو النظام، سواء بصم الأذن عن استغاثات أمنية أو التنكيل غير المباشر عبر أذرع إعلامية تشوه المستغيث وتمسح بكرامته الأرض ! شرطة الشعب هكذا أرادها ضباط كثيرون بعد ثلاثين يونيو ، والتسريب نفسه يظهر هذه النية لدى بعضهم، دون الرغبة فى العودة إلى ما قبل يناير ، لكن الوصول لهذه الغاية يتطلب الخروج من شرنقة القبيلة، التى تغضب لشيخها، فالوزير مواطن على رأس مؤسسة وطنية وليس كبير عائلة يعيد الحقوق لأفرادها مثلما قال، ولا تختزل مهمتها فى إصباغ مكاسب فئوية، من تبرير تورط بعض أفرادها فى القتل، مثلما ذكر بيان أخير للوزارة، إن قاتل ضحية المستشفى تعرض للاستفزاز والسب من إرهابى ، فهذه أوصاف ومبررات تكتشفها المحكمة فى حكمها بالإدانة أو بالبراءة، أو تضعها كحيثيات تخفيف للحكم لو أرادت. شرطة مصر الراغبة فى الاحتفاظ بحالة المصالحة التى جربتها، لا يلزم ضباطها سيارات بلا لوحات تتحدى القانون فتثير حنق المواطن العادى الذى يراها بجوار الكمين ينزل منها ضابط يسأله عن الرخص أو يعاقبه على عدم وضوح لوحاته، يشعر بالظلم لأنه بسيط لا تكفله قبيلة تمكنه من اختراق القانون والسير عكس الاتجاه أو بزجاج غامق، وبلوحات ممسوحة، بل تدفعه هذه الممارسات إلى البحث عن طرق آمنة للتحايل، وهو يرى القانون يطبَّق عليه فقط. هذه آفات مستمرة لا علاقة لها بالرغبة فى هدم المؤسسة أو الإساءة إلى معنوياتها وهى تحارب الإرهاب، أو غيرها من الحجج التى تتعاطاها الأذرع الإعلامية وهى تستعد لمهمات شبيهة لما جرى مع جابر نصار.