اقوم بفتح الفيس بوك الخاص بي كالمعتاد فألمح دعوة لعمل like لصفحة تدعى ( إحكي Speak Up) لا اكترث للأمر لأنني اعتدت أن أجد دعوات لا حصر لها من أصدقائي على صفحات مماثلة. ظننت أنها صفحة "بناتية" على غرار صفحات الهبل (بتاعت مشاكل البنات العاطفية وأصل جوزي بكرش وأصلي روحت خطبت واحدة طلع مجموعها في أولى جامعة قليل اعمل إيه افيدوني! أو أنا صيدلاني ومش هاتجوز من تجارة لأن مجموعها أقل مني وما شابه ذلك من التخلف). ضربت بتلك الصفحة عرض الحائط بعد أسبوع وجدت كم هائل من الصديقات يقمن بنشر الصفحة والشحاتة لعمل اللايك قولت لنفسي "وماله ادخل أشوف إيه الحكاية". ودخلت الصفحة ووجدت شيئًا غريبًا؛ قصص لفتيات تعرضن للتحرش الجنسي باللفظ أو بالفعل أو بكليهما معا.. وجدت حملة قوية لمحاربة التحرش في الجامعات وفي شتى ميادين مصر تقودها طالبات من كلية الإعلام بجامعة القاهرة وبعض أساتذة كلية الإعلام. وجدت الصفحة تستقبل بلاغات وقصص لفتيات تعرضن للتحرش لتشجيع غيرهن على البوح بما تعرضن له من إهانة جسدية ونفسية .. وجدت فتيات ونساء من أعمار مختلفة يتحدثن عن تعرضهن للتحرش ويشجعن غيرهن للحديث وكشف أولئك الكائنات الحيوانية التي تقوم بهذا الفعل المشين. وجدت نساء قويات لديهن من الشجاعة الأدبية للحديث عن الأمر ومناقشته بكل حرية ورغبتهن في ردع الفاعلين حتى وإن كان بعض الفاعلين من أساتذة جامعة يستحقون العقاب على ما اقترفوه بحق طالباتهم. تلك الحملة وغيرها من الحملات المشابهة مثل "سكوتك اغتصاب لأنوثتك" ما هى إلا مؤشرات إيجابية لحل أزمة التحرش بواسطة ما يسمى بالرقابة المجتمعية التي تسعى لنبذ الموبقات في المجتمع ومحاربتها ومساعدة الدولة في احتواء تلك الأزمات المتفشية بالمجتمع، ولعل امتلاك تلك النساء المقومات النفسية للبوح بهذا الأمر يعطي بارقة أمل لغيرهن من النساء للتقدم بشكوى ضد المتحرشين. ولعل ما يلفت النظر أيضًا مدى تحمل أولئك النساء لبعض التعليقات السخيفة من بعض الرجال والنساء أيضًا ممن يلقون باللوم على ملابس الفتاة أو ممن يبررون للجاني فعلته ويجلدون الضحية بكلامهم اللعين دون أدنى محاولة لمعاقبة الجاني مما يعطيه الحافز لتكرار فعلته. فالحل الأمثل حاليًا لمواجهة التحرش هو فضح المتحرشين واستخدام أسلوب الوصمة الاجتماعية التي تلحق الضرر بالمتحرش وبمكانته وصورته الاجتماعية وصورة المقربين إليه حتى يتعظ غيره لحين وضع قوانين رادعة للتعامل مع المتحرشين. وتتعاون حملة إحكِي مع وحدة مكافحة التحرش بجامعة القاهرة على أمل تعميم تلك التجربة بكافة المحافظات المصرية وليس فقط الجامعات. المميز بتلك الحملة روح الإيجابية السائدة لتشجيع الفتيات لمشاركة تجاربهن مع التحرش دون خوف من العواقب والتنسيق لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد الجناة فأثمرت الحملة عن إحالة أحد أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية للتحقيق بسبب شكاوى متزايدة من الطالبات لقيامه بالتحرش بهن. مما ينذر بالخير أيضا مدى التعاطف والتشجيع من قبل الناشطين والأعضاء بتلك الحملة للفتيات اللاتي يتقدمن بشكوى وتحيتهن من قبل جمهور الحملة والإشادة بشجاعتهن لتخطي الأمر والبوح بالواقعة دون سلبية أو تردد وباسم المتحرش إن أمكن التعرف عليه. تلك الحملة تبرهن لنا أن صوت المرأة مسموع وأن عصر تكميم أفواه النساء قد ولى، فقد بدأت ثورتهن الحقيقية على التحرش.. بدأ الأمر بطالبات الجامعة اللاتي يدعون لجامعة بلا تحرش وبدأ آخرون يدعمون الحملة ويطورونها إلى (حملة وطن بلا تحرش) وهى الغاية المنشودة التي أؤمن يقينا بأنها سوف تتحقق عاجلا أم آجلا. فلا تنسوا أن ترفعن أصواتكن لرفض التحرش بكافة صوره لأن الصمت لا يفيد بل يضيع حقوق نساء أخريات.. ولن يضيع حق وراه مُطالِب فلا تصمتوا لأننا إذا صمتنا توهم أهل الباطل أنهم على حق..