فى أواخر عهد مبارك كانت معظم مقالات كتّاب مصر تزداد حدة وسخطا، وأتت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بتزويرها الفاضح لتصبح القشة التى قصمت ظهر البعير، وثار البركان. تحت كل مقال رأى ساخر لى كانت التعليقات محفوظة ومكررة من نفس الأشخاص أو من آخرين لهم نفس الأسلوب من اللجان الإلكترونية، ومعظمها ينصبّ حول فكرة نحن نعرفك أيها القابض الخائن الممول عدو الوطن أو وماذا سنستفيد من كل هذا الرغى الممل الذى تكتبه؟ لا شىء سيتغير . بالنسبة إلى فصيل المعلقين الأول كنت أضحك وهم يتهموننى بالتمويل من الخارج والملايين التى تنهال علىّ وأنا أتأرجح على الكرسى البلاستيك ذى الرِّجْل المكسورة فى شقة العزوبية، نفكر أنا ومن معى فى كيفية تدبير إيجار الشهر. أما الفصيل الثانى فكنت دائما أقول إن الكتّاب -وأنا منهم- يكتبون لعل وعسى، حتى إننى وضعت لعل وعسى عنوانا لأحد كتبى متحدثا عن هذه الفكرة. مهما كتب الكاتب فإنه لن يرضى كل الأطراف، بل إنه أصبح الآن لا يرضى حتى أحد الأطراف، فكل طرف أصبح متطرفا فى قناعاته، فلم يعد مطلوبا من الكاتب المعارض أن ينتقد وضعا مأساويا فى البلد فقط، بل عليه أن يلعنها ويسبّ مَن فيها حكاما ومحكومين، ويكره العيشة واللى عايشينها حتى يرضى كل يائس، ولم يعد واجب الكاتب الموالى للنظام أن يمدح قراراته فقط، بل عليه أن يسبّح بحمده، وينحنى تزلّفا، ويرمى كرامته وثقافته ودينه عند عتبات القصر. الكتابة ليست لإرضاء الناس، وإلا تحول الكاتب إلى مقدم برامج ما يطلبه المستمعون ، وإنما هى تنوير، تثقيف، آراء قابلة للنقاش، كسر لمعتقدات بالية، تحطيم لتماثيل يصنعها المنافقون للحكام والمسؤولين. تمر السنوات، وما زال البعض يسألنى: لماذا تكتب؟ وسأظل أجيب: لعل وعسى!