شاهدت أخيرًا الأفلام المأخوذة عن الرواية الناجحة لسوزان كولينز «ثلاثية مباريات الجوع» و«ألسنة اللهب» وآخرها «الطائر المُقَّلد» التى تصدرت قوائم مبيعات الكتب فى الولاياتالمتحدة على مدى عامى 2009 و2010 قبل تحويلها إلى سلسلة من الأفلام، والحقيقة أن اختزال القصة فى مجرد فيلم أكشن شىء مجحف، فالفكرة الأساسية للرواية تتعدى مجرد قصة فتاة تقاتل بالقوس والسهم، وتسلط الضوء على دور الإعلام، أو بالأصح دور المضمون الترفيهى أو الشو بيزنس فى إلهاء الجماهير عن أحوالهم المعيشية المتدنية، وذلك بالتزاوج مع السلطة الحاكمة. ففى دولة خيالية تسمى بانيم وفى فترة زمنية مستقبلية تحكى الأحداث عن استقرار تقليدٍ سنوى منذ 74 عامًا يتم بموجبه اختيار فتى وفتاة بالقُرعة الإجبارية من كل محافظة من المحافظات الإثنى عشرة، ليخوض المتسابقون الأربع وعشرون مسابقة دموية تُذاع على الهواء لا يعيش بها فى النهاية سوى شخص واحد بقتله المتسابقين الآخرين فى حلبة كبيرة تحاكى المناطق البرِّية كالغابات أو مناطق استوائية تملؤها أخطار مختلفة، كالحيوانات المفترسة والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى المنافسين الراغبين فى الفوز بقتله. تهدف السلطة الحاكمة بهذه اللعبة الدموية إلى عقاب شعب بانيم الذى قام بثورة ضد المدينة الحاكمة كابيتول لاحتكارها الخيرات والثروات فى مقابل جوع الغالبية العظمى من الشعب، سميت الثورة الأولى بحقبة الأيام السوداء التى لا يريد حكام بانيم تكرارها، وفى مباريات الجوع تذكرة سنوية أليمة لشعب بانيم بالخطأ الذى ارتكبوه فى الماضى، ولكن تأتى شرارة التمرد من تحدى بطلة الرواية لقواعد اللعبة التى وضعها الحكام، وترفض قتل منافسها الأخير لتفرض قواعدها هى، فى الوقت ذاته يحميها حب وانبهار جماهير المشاهدين من البطش بها، وتُصبح مُلهمة للجماهير ليتمردوا على قمع سكان كابيتول فى الواقع، ويخرج الصراع من داخل اللعبة إلى دولة بانيم بأكملها. تشغل قضية تلاعب الإعلام والسياسة بالشعوب ونقد الواقع الإعلامى أفلامًا أمريكية أخرى من أشهرها فيلم عرض ترومان لممثل هوليوود جيم كارى، الذى يحكى قصة تبنى محطة تليفزيونية لشاب واحتكارها حق بث حياته اليومية الخاصة تحقيقًا لأرباح ضخمة دون علمه بأنه يعيش فى عالم مزيف، إلى أن يقرر الخروج من الفقاعة التى عاش حياته حبيسا بها. فالفكرة لكل من ثلاثية مباريات الجوع و عرض ترومان واحدة: الواقع الإعلامى يختلف عن الواقع الحقيقى لصالح النخبة الحاكمة أو القوية أو المهيمنة على مقاليد السياسة والاقتصاد، وفى مقاربة واقعية من حياتنا الحقيقية لا يختلف إلهاء الجماهير عما نراه من تخدير ببرامج المسابقات وبرامج الترفيه أو ألعاب الكرة وغيرها، بل حتى البرامج السياسية تحولت إلى ساحات مبارزة كلامية ومحاضرات مُوَجَّهة، خصوصا مع خفوت المواضيع السياسية والأشكال التلقائية للاتصال السياسى فى المجال العام، ومن هنا أوصى بشدة بمشاهدة أو قراءة ثلاثية الجوع لما بها من تشابهات بالواقع.