سألنى ابنى وهو يتابع مظاهرة باريس الكبرى ضد الإرهاب، تضامنا مع ضحايا جريدة «شارلى إبدو» الفرنسية التى اقتحمها الإرهابيون بالأسلحة الأوتوماتكية وقتلوا فيها 12 إنسانا وأصابوا مثلهم: كيف يمكن أن نرد على من يسىء إلى رسولنا إساءات مقصودة. أجبته: نرد كما رد الرسول نفسه، ولنا فى سلوكه ما يغنينا ويصد عنا الشطط الذى تنحرف إليه نفوسنا كذبا وادعاء بالإيمان. سأل: كيف؟ قلت: كلنا نعرف ما حدث للرسول فى مكة قبل الهجرة، من إساءات بالغة معنوية ومادية عنيفة من أول اتهامه بالسحر والشعر إلى إلقاء أشياء قبيحة عليه، ولم يرفع سيفه ليقتل من أساؤوا إليه. بل كان يجادلهم بالتى هى أحسن. قال: لا يجب القياس على فترة الاستضعاف فى بدء الدعوة، فالمسلمون كانوا قلة، ولم يكن بمقدورهم رد العدوان المعنوى والمادى عنهم. قلت: لا تنسَ أن الدائرة دارت دورة كاملة، وامتلك الرسول والمسلمون كل أسباب القوة والتمكين ولم يشهروا سيوفهم ولم يقتلوا ولم ينتقموا. سأل: ومتى حدث هذا؟ قلت: ثمة وقائع كثيرة قبل دخول مكة وفتحها واستتباب الأمر للمسلمين فيها، لكن دعنا نذكر ما حدث عند الفتح وقوله النبى محمد صلى الله عليه وسلم، من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت أبى سفيان فهو آمن، وكان أهل مكة وقتها الأشد عداوة للرسول والإسلام والمسلمين، وظلوا على عداوتهم للنهاية، ومن هؤلاء هند بنت عتبة، التى أغوت وحشى بحريته وثروة ليقتل العباس عم النبى فى أحد ، وغيرهم كثيرون ممن تعرضوا للرسول. قال: يعنى نسكت على إهانة رسولنا والإساءة إليه؟ قلت: قطعا لا، يمكن أن نقاضى الصحيفة بتهمة بث الكراهية والتحريض عليها، يمكن أن نتظاهر أسبوعيا أمام مقر الجريدة حاملين شعارات ضد إهانة الأديان وسب نبى الإسلام، يمكن أن نشترى صفحة أو صفحتين فى كبريات الصحف الفرنسية ونشرح فيها الخطأ الذى وقعت فيه الجريدة وصحفيوها.. بالقطع نحن نملك عشرات الوسائل والأدوات للرد والجدال بالتى هى أحسن دون أن نتورط فى قتل النفس. سأل: ولماذا أصلا يفعل الغربيون ذلك، حدث فى هولندا وألمانيا وفرنسا وغيرها؟ قلت: هم لم يرتكبوا ذلك مع الإسلام ونبيه فقط، بل فعلوه مع المسيح وأساؤوا إليه كثيرا بادعاءات مشينة، من أول نسبه إلى زواجه. قال: هذا يبدو غير منطقى وغير مفهوم. قلت: لا له أصول تاريخية مرتبطة بنشأة الأديان فى أوروبا، فالأوروبيون عرفوا تعدد الآلهة من قديم الزمان، بل وصوروا هذه الآلهة على هيئات بشرية، تكره وتحب وتعشق وتنجب وتنتقم بل وتتصارع مع بعضها البعض، وعاشوا هذا قرونا طويلا، الإغريق والرومان، وكان زمانهم بحقبة ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ولم يؤمنوا برسالة سماوية إلا مع المسيحية، وحينها جعلتها الدولة الرومانية هى ديانتها الرسمية، لكن ظلت الأساطير القديمة فى مخيلة وتحت جلد ثقافة الأوروبيين طول الوقت، فلا يجدون غضاضة فى الكلام عن الأديان والأنبياء بطريقة فجة وسخيفة ومهينة، ولم يتوقفوا عن ذلك فى أى وقت، ولهذا هم يتعجبون من رد فعلنا العنيف مثل الهجوم المسلح على شارل إبدو ، فالشرق عرف الوحدانية من قديم الزمان، والوحدانية تفرض قداسة على كل ما يتعلق بها.