نحن نخدع أنفسنا. تلك هى الحقيقة المبدئية التى ينبغى أن نصارح أنفسنا بها إذا أردنا ولوج أولى عتبات التقدم الحقيقى. نحن نخدع أنفسنا، قولوها لأنفسكم كدليل عملى مبدئى على وجود أمل حقيقى فى التغيير. فبدون مصارحتكم لأنفسكم بتلك الحقيقة التى تنص على أننا نخدع أنفسنا بأنفسنا لن يستقيم أى شيء آخر، وكل ما سوف نفعله بعد ذلك ليس سوى محض هراء وعبث مبنى على هراء وعبث. بعقل فاسد لن يمكنكم التفكير بشكل سليم، وبروح ملوثة لن يمكنكم تصفية ذهنكم من أجل التفكير بشكل صحيح. ولأن العقل فاسد والروح ملوثة، ولأن الإنكار مش حيفيدنا حيث أن الواقع الذى نعيشه يؤكد تلك الحقيقة، ولأن الهروب يُعد محاولة غير مجدية فى ظل أن الكوكب كله مُحاصر، وفى إطار أنه.. مهما هربنا، حنروح فين يعني؟! حنفضل برضه جوه نفس الكوكب! لهذا، إقرارنا فى البداية بأننا نخدع أنفسنا أمر لا سبيل أمامنا للهروب منه أو للإفلات من قبضته. إقرارنا بأننا نخدع أنفسنا بمثابة الباسوورد اللازم إدخاله أولا قبل بدء عملية تحميل وتنزيل برنامج التقدم الذى نطمح جميعنا إلى تحميله. نحن نخدع أنفسنا، ونعى ذلك تماما فى قرارة أنفسنا، فى تلك الحتة الجوانية المظلمة بداخلنا والمسؤولة عن جعل ضمائرنا تؤنبنا، وأنفسنا توبخنا، وذواتنا تجلدنا، أحيانا بسبب أشياء فعلناها بينما لم يكن ينبغى أن نفعل، أو بسبب أشياء لم نفعلها بينما كان ينبغى أن نفعل. وإيصال تلك الحتة الجوانية المستخبية من ضمائرنا بداخل اللاوعى إلى منطقة الوعى يعد هو البداية الرسمية لكل شىء وأى شىء. نحن نخدع أنفسنا، بنفس منطق حملة وزارة الصحة الإعلانية فى التليفزيون للتوعية من مخاطر الإدمان، حيث تعد الطريقة التى نتعامل بها مع أنفسنا أقرب ما تكون إلى الطريقة التى يتعامل بها السادة المسؤولين عن نحت تلك الحملة الرخيصة مع هدفهم الرئيسى من الحملة، وهى الطريقة المعتمدة فى الأساس على أنه.. كبر مخك واضرب الشغلانة فى السريع ولا تنشغل كثيرا بعلم النفس ولا بضرورة الإعتماد عليه فيما يخص الحملات الإعلانية عموما والحملات الإعلانية من تلك النوعية الصعبة على وجه الخصوص. فالهدف المنطقى من وراء مثل تلك الحملة هو الوصول إلى عقل المدمن ووضعه أمام حقيقة لا يستطيع إنكارها، حقيقة متمثلة فى أنه يضر نفسه حتى ولو بدا له الأمر على عكس ذلك، ولإيصال مثل تلك الحقيقة إلى مدمن ينبغى أولا جعله يصدقنى ويصدق أنى أفهمه جيدا، أفهم الأوبشنات الكثيرة التى يمنحها إياه المُخدر، وأفهم الحالة التى يمر بها فى حالة عدم التعاطى، وأفهم الصعوبة التى سيواجهها أثناء فترة الإنسحاب. لابد أن يصدقنى أولا حتى يتقبل منى أى شيء آخر، وهذا بالتأكيد هو ما لم يحدث فى تلك الحملة الرخيصة، الرخيصة فنيا وماديا وفكريا ونفسيا. بقى معقولة لسه فيه ناس بتفكر كده؟! بقى عشان أخوف المدمن أجيب بنت بتاخد حباية عشان تعرف تسهر ليلة الامتحان تذاكر وتانى يوم فى الامتحان طبعا تنسى كل اللى ذاكرته وحياتها تتدمر، بينما صوتها يؤكد على أنه.. حابعد عن التعاطى وحاختار حياتى. لا والنبى! طب لو فيه بنت فعلا بتاخد حبوب عشان تسهر تذاكر، وراحت الإمتحان وحلت ونجحت والحبوب عملت معاها شغل وكله زى الفل، البنت دى لو شافت الإعلان دا تفتكروا حتقتنع بيه أو حتصدقه؟! تفتكروا حتبعد فعلا عن التعاطى ولا حتحوِّل القناة؟! مش مهم طبعا.. المهم إننا نفذنا بند الحملة الإعلانية اللى فى خطة الوزارة وخلاص. قِس على ذلك كل شىء يحدث، فالمنطق هو نفسه فى النهاية، منطق تسديد الخانات وخلاص. كل ما تعتقدون أنكم عليه خاطىء، فأنتم على غير ما تعتقدون أنكم عليه، ومصارحتكم لأنفسكم بتلك الحقيقة هى الخطوة الأولى نحو كل شىء جميل.