النوم على ترابيزة تنس الطاولة فى أول أيام الأهلى.. وتركت الكرة تدخل مرماى فصفق لى الجميع 1 لم أصدق أن حلم العمر كاد أن يتحقق، فأنا على بوابة النادى الأهلى ولا يفصلنى عن الدخول إلى النادى إلا خطوات قليلة جدا، وأحلام اليقظة تداعبنى، فبعد قليل سأرى الخطيب وإكرامى وعبده والبطل وجمال عبد العظيم وطاهر الشيخ ومختار مختار، وباقى نجوم الأهلى العظام، وبعد قليل سأكون فى ملعب النادى الأهلى أتدرب وأثبت وجودى، وأؤكد للجميع أننى أصلح أن أكون حارسًا للأهلى، وسأرد على من طردونى فى نادى طنطا ونادى الترسانة، ورفضوا حتى اختبارى فى أرض الملعب. وأخذت أراجع شنطتى وملابسى التى استعرتها من صديقى الراحل محمود البمباوى، لكى أظهر بمظهر يليق بالنادى الأهلى، وظل رأسى يتخبط وأنا غير مصدق، كيف سأدخل إلى النادى الأهلى، ويا ترى من سيقابلنى من المدربين، وما شكل المدرب عمرو أبو المجد، أسئلة كثيرة أفقت منها على صوت زميلى رمضان القللى، وهو يخبط على كتفى عندنا مشكلة فى الدخول، وهى أن رمضان يحمل بطاقة اختبار تسمح له بدخول النادى الأهلى، أما أنا فلا أملك شيئا، والساعة لم تصل بعد إلى السابعة موعد فتح أبواب الأهلى، ووقفنا فى حيرة بالغة، فالتدريب سيبدأ فى الساعة الثالثة عصرا. ومن غير المعقول أن أظل فى الشارع كل هذا الوقت وأنا لا أعرف شيئا على الإطلاق فى القاهرة، وقد يغيب الكابتن عمرو أبو المجد عن التدريب، وبالتالى لا مفر من العودة إلى طنطا، حيث لا يوجد مكان للمبيت، وكاد الجنون يصيبنى وصرخت فى وجه رمضان أبدا لن أعود إلى طنطا إلا وأنا لاعب فى النادى الأهلى، وحاول هو تهدئتى بقوة، ولكن كنت فى غاية الانفعال، ولكن فجأة نظرت إلى بوابة النادى الأهلى فوجدتها قصيرة للغاية، وعبارة عن بوابة حديد منخفضة جدا، ولم أفكر للحظة، فتركت رمضان وقفزت من فوق السور لأصبح داخل جدران النادى الأهلى، ولم يجد رمضان حلا سوى أن يقفز هو الآخر خلفى، وأصبحت داخل النادى الأهلى وقضيت ساعة من الرعب، خوفا من أن يسألنى أحد كيف دخلت إلى النادى، ولكن الله سلَّم، ودعانى رمضان بعد نحو ساعة على وجبة إفطار كانت عبارة عن ساندوتش جبنة رومى من عم إبراهيم الجرسون، وكان رجلا شديد العصبية، وسأل عن الحساب قبل أن يأتى إلينا بالإفطار، ولكنى علمت فى ما بعد أن بعض اللاعبين لا يحاسبون على الطلبات، ولكن رمضان حاسبلى قبل أن نفطر، وخفت جدا من هذا الاستقبال، وظللت جالسا فى مكانى لا أتركه خوفا من أمن الأهلى أو موظفيه، ولكنى تظاهرت بالثبات، رغم أننى كنت مرعوبا من داخلى، ومرت الساعات إلى أن نادانى رمضان ليعرفنى بالمدرب، فكان أول لقاء مع الكابتن عمرو أبو المجد صاحب الفضل الحقيقى بعد الله سبحانه وتعالى، لكى أكون لاعبا فى النادى الأهلى. ووجدت شخصا فى غاية التواضع والاحترام، يسألنى عن اسمى وتاريخى مع حراسة المرمى، ولماذا اخترت الأهلى، ومن هو مثلى الأعلى، وأحلامى فى المستقبل؟ والغريب أننى رددت عليه بمنتهى الثقة والثبات، كأننى أعرفه منذ سنوات، ويبدو أن طريقة استقباله واحترامه الشديد كانت من أسباب هذا الهدوء غير العادى، ثم طلب من رمضان أن يصطحبنى إلى غرفة الملابس كى أتعرف على زملائى، وهناك قابلت أعضاء الفريق، ولا أنسى أبدا معظمهم وكان على رأسهم حسام البدرى المدرب الكبير الآن، وإبراهيم عزت ومحسن حسن وعصام رياض وعلاء سعد وعلاء حسن وأشرف صبحى، والكابتن ماهر عبد الغفار وغيرهم من اللاعبين. والحقيقة أن معظمهم استقبلنى بشكل رائع، خصوصا حسام البدرى وماهر عبد الغفار، بل إن الكابتن عمرو أبو المجد صمم على أن أتناول الغداء بصحبتهم جميعا، وبالطبع لم أكن أعرف أين المطعم، فاصطحبنى حسام البدرى إلى هناك، وأوصى علىَّ عم محمد الصغير لكى يأخذ باله منى، ولكنى طلبت منه أن يؤجل الغداء إلى ما بعد التدريب، ووافق عم محمد الصغير فى حب، لأنه سألنى عن اسمى وبلدى، وكان سعيدا جدا أننى من مدينة طنطا. وأخذ يحكى لى بعض الذكريات له عن طنطا، وهو ما شجعنى أكثر أن أسأله عن الكابتن عمرو أبو المجد واللاعبين، وكيفية تعاملهم، فأثنى كثيرا على الكابتن عمرو، ثم أعطانى نصيحة العمر قائلا: خليك فى حالك، اتمرن وبس، ومالكش دعوة بحد، إلى أن تضع قدما، ثم افعل ما بدا لك. ثم حان وقت المران، وأذكر عامل غرفة الملابس، وكان يسمى محمد عبد النظير، وكان فتى صغيرا، ويبدو أنه تعاطف معى بشدة فقد وجدنى خائفا بعض الشىء، فقال لى: اوعى تخاف، ده رمضان القللى بيقول عليك كلام حلو قوى، ثم قال لى أهم كلمة على فكرة: إحنا ماعندناش غير جون واحد هو إبراهيم عزت، والفريق محتاجلك جدا، تشد حيلك وبإذن الله سيكون لك مكان مع الفريق، وأعطانى كلامه جرعات شديدة جدا من الثقة، وبدلت ملابسى، ووجدت الانبهار فى عيون بعض اللاعبين بسبب حسن مظهرى، فكسبت الجولة الأولى دون أن ألعب، وجاء موعد المران، وكان فى الملعب الفرعى للأهلى، وهو ملعب شديد السوء، لدرجة أننى اندهشت أن يكون هذا هو الملعب الثانى للنادى الأهلى. وبدأت مباشرة مع الكابتن عمرو أبو المجد، فاختبرنى وكنت موفقا للغاية، ثم لعبنا تقسيمة، فكان الله معى بشكل غير معقول. وللعلم فإن كل الاختبارات المصيرية فى حياتى كانت هناك قوة خفية من الله سبحانه وتعالى تساندنى بقوة، ونلت الإعجاب السريع من الكابتن عمرو أبو المجد. وجلس معى بعد التدريب، مؤكدا أن لدىّ فرصة فى اللعب تحت 17 سنة بالنادى الأهلى، ولكن هذا يتطلب وجودى فى القاهرة لفترة لا تقل عن 15 يوما، كى يرانى مدرب الحراس الكابتن عصام عبد المنعم، لأنه فى إجازة والكل فى انتظار عودته مرة أخرى للتدريب. ولم أعلق على كلام الكابتن عمرو، واكتفيت بهز رأسى، وانتظمت فى المران بكل قوة، وساعدنى على ذلك أن إبراهيم عزت الحارس الأساسى انضم إلى منتخب الشباب المسافر إلى ألمانيا، وأن الحارس الآخر عز إبراهيم غائب تماما عن التدريب، ولم يكن هناك سوى حارس وحيد اسمه طارق شاكر، ولم يكن مهتما بكرة القدم، حيث إنه كان يأمل فى أن يصبح طبيبا مشهورا، لذلك أبلغ الكابتن عمرو أنه مع بداية الموسم الدراسى سيتفرغ للثانوية العامة، وأحسست أن الدنيا بدأت تفتح لى أبوابها، فأنا فى الأهلى ونلت الإعجاب المبدئى من عمرو أبو المجد، واللاعبون مبكرا اعترفوا بموهبتى، واتضح ذلك من خلال صراعهم على أن أحرس مرماهم فى التقسيمة، رغم أنه لم يمر سوى يوم واحد على نزولى التدريب. ومن حسن حظى أن الكابتن عمرو كان يفتتح الموسم له بمباراة ودية مع نادى المعادى، فلعبت أول مباراة فى حياتى مع النادى الأهلى بعد اختبارى بثلاثة أيام فقط، وأذكر أن الحكم كان مدرب نادى المعادى، وكان فى نفس الوقت كشافا للنادى ويسمى الكابتن شيكو، وقد توفى مؤخرا عليه رحمة الله، واحتسب يومها ضربة حرة غير مباشرة على الأهلى خارج منطقة الجزاء، تصدى لها أحد لاعبى المعادى وأسكنها الشباك، ففوجئ الجميع بأننى أحضر الكرة وألعب ضربة مرمى وسط ذهول لاعبى الأهلى والكابتن عمرو، واعتراضات لاعبى المعادى، ولكن الكابتن شيكو وقف فى الملعب وقال لهم كلكم جهلة لا تعرفون القانون، وحارس الأهلى فقط هو الصح، ولعبت مباراة جيدة، لأن المعادى كانوا يلعبون بالفريق الأول كاملا، فكانت خطوة أخرى نحو دخولى الرسمى للنادى الأهلى. وبقيت أسبوعا كاملا أؤدى المران بكل قوة، واكتسب ثقة الكابتن عمرو وكل اللاعبين بلا استثناء، ولكن واجهت متاعب عديدة، أولها عدم وجود مكان للمبيت، لدرجة أن أول يوم داخل الأهلى وعقب المران ليلا لم نجد أى مكان للمبيت، لولا أن أنقذنا ممدوح عامل غرف الملابس بالنشاط الرياضى، وفتح لنا غرفة تنس الطاولة، فنام رمضان القللى على الكنبة أما أنا فنمت على ترابيزة البنج بونج تنس الطاولة ، وكنت حزينا جدا لذلك، وشكوت للكابتن عمرو أبو المجد، الذى سعى مشكورا لكى ننام فى استراحة الفريق الأول للفريق، ولكن بشرط بعد أن ينصرف كل لاعبى الفريق الأول، وأن نصحو مبكرا جدا قبل أن يأتى اللاعبون. وكان مران الفريق الأول الساعة التاسعة صباحا أحيانا. وكان المدرب هو العظيم الراحل هيديكوتى. 2 وبالفعل أقمنا يومين أو ثلاثة فى الاستراحة، ثم رفض بعد ذلك إداريو الفريق الأول أن نستمر، خصوصا أن عدد من اللاعبين من طنطا حضر للاختبار فى النادى الأهلى، وأذكر منهم إبراهيم مرزوق وبيومى نور وعادل جبر، لذلك أصبح العدد كبيرا جدا، فقرروا طردنا من الاستراحة، ولكن كان لرمضان القللى دلال كبير على الجميع داخل النادى، فأعطوا لكل واحد منهم خمسة جنيهات، ورفض عم عبده البقال بإصرار إعطائى أى مبلغ، ولما سألته عن السبب قال إننى لن أكمل مع النادى، أما الباقون فالمدربون مبسوطون منهم، وسيتم قيدهم فى النادى الأهلى. وذهبت للكابتن عمرو أبو المجد أشكو له طالبا منه تحديد موقفى، خصوصا وقد كنت أشعر أننى محل ثقته، فهدأ الرجل من روعى، وصرف لى من جيبه الخاص جنيهين، وطلب منى أن أسد أذنى تماما، وأن أركز فى التدريب فى الفترة القادمة، حتى يأتى الكابتن عصام عبد المنعم. واستجبت له، وبالفعل خرجنا لأول مرة خارج النادى الأهلى، وذهبنا للمبيت فى أحد فنادق العتبة المتواضعة جدا جدا جدا، وكنا ننام جميعا فى غرفة واحدة. وتصادف أن كان بجوارنا مجموعة من الهنود السيخ، وحاولوا مرارا أن يجلسوا معنا، ولكننا شعرنا بالرعب الشديد، فكانت النتيجة أن عيوننا لم ترَ النوم، ومع أول ضوء للنهار ذهبنا سريعا للنادى الأهلى، ويومها تكرر المبيت من جديد بالنسبة لى داخل غرفة تنس الطاولة، ولكننى لم أحك هذه المرة للكابتن عمرو، لأنه المفروض أن معى نقودا. المهم مرَّ على أسبوع كامل داخل النادى الأهلى أتدرب بانتظام، وأؤدى بشكل جيد جدا، وأصبحت لدىّ صداقة مع معظم اللاعبين باستثناء لاعب أو اثنين، ولا أعرف وقتها لماذا، حتى عرفت فى ما بعد أنهم الأصدقاء الأقرب للحارس إبراهيم عزت، لذلك فهم يخافون عليه منى، فقرروا تطفيشى من الفريق، ولكن كل هذا لم يكن ليؤثر فى إصرارى على اللعب للنادى الأهلى. والطريف أنهما بعد ذلك رحلا عن النادى رغم الموهبة الكبيرة التى كانا يتمتعان بها. نفدت فلوسى، وقررت أن أصارح الكابتن عمرو عن الطريقة التى أتيت بها إلى القاهرة، وأننى كذبت على والدى، والأهم أننى لم أمكث فى القاهرة أكثر من أسبوع، وخشيت أن يقول لى مع السلامة، ولكن مفاجأة الرجل كانت مدوية، فقد قال لى: اسمع يا شوبير، وبالمناسبة هو أول شخص قال لى شوبير، فالكل كان يسمينى أحمد، إلا الكابتن عمرو، قال: بص، إنت مشروع جون كويس، والناس شافوك فى النادى وتابعوا التدريبات من غير ماتشوف. 3 حاول بكل الطرق إنك تقنع والدك وتيجى الأسبوع الجاى، لأن الكابتن عصام عبد المنعم خلص الإجازة، وحيبدأ التدريب معانا الأسبوع الجاى، ولكنى كنت واضحا جدا معه من أن والدى سيرفض، أو بالأحرى لن يصدق، فكانت المفاجأة الكبرى، فقد أكد أنه على استعداد للسفر إلى طنطا لإقناع والدى بالموافقة لى على الاستمرار فى الأهلى، إلا أننى اقترحت عليه أن يكتفى بكتابة خطاب له يشرح فيه كل الظروف، وأن يعطينى بطاقة لدخول النادى الأهلى لفترة طويلة كى يصدقنى، ووافق على الفور، وكتب خطابا مؤثرا جدا جدا لوالدى، وظل هذا الخطاب معى حتى فترة قريبة، ولكنى وبكل أسف فقدته، وإن كان عذرى أن الكابتن عمرو أبو المجد لديه خطابات كثيرة متبادلة بينى وبينه حتى الآن. أخذت الخطاب وسافرت إلى طنطا، ولم أذهب إلى بيتنا، بل فضلت الذهاب مباشرة إلى منزل عمى عبد الشفيع، وكان أهلاويا متعصبا، وشرحت له الموضوع بالكامل دون كذب هذه المرة، وبالمناسبة كان عمى عبد الشفيع خفيف الظل جدا، ومثقفا جدا، ودائم الضحك، فقابل الأمر بهدوء تام، ثم اصطحبنى إلى المنزل ووجدته يحتضن والدى ويقبله ويهنئه بأن ابنه سيصبح مثل إكرامى والبطل والخطيب، وأن اسمى سيصبح ملء السمع والأبصار، وأن أبواب السماء قد انفتحت له، ثم قرأ عليه خطاب الكابتن عمرو، وطلب من أمى أن تعزم الجميع على الشربات والحاجات الساقعة. كل هذا وأنا مندهش بشدة من ذكائه الخارق، فى محاولة منه لكسب ود وموافقة أبى، ولكن ما حسيته لقيته، فقد اندهش والدى بشدة، وطلب معرفة القصة بالكامل، وكان أكثر شىء أغضبه أننى كذبت عليه، فتدخلت أمى بسرعة غريبة، وقالت له إن عصام شقيقى أبلغها كل شىء، وإنها كانت تطمئن من أم رمضان القللى عن طريق إرسال عصام لها يوميا، وطبعا هذه قصة لم تحدث، ولكن أمى وحبها الشديد لى جعلها تخترع هى الأخرى هذه القصة لكسب رضاء أبى. وظل عمى عبد الشفيع ثلاث ساعات كاملة حتى استطاع إقناع والدى فى النهاية بالموافقة على إعطائى مهلة لمدة أسبوعين آخرين، أذهب فيهما للمران من جديد للنادى الأهلى، وكدت أطير من الفرحة، وخرجت إلى الشارع، ومعى بطاقة النادى الأهلى أبرزها لكل من أجده فى وجهى من أصدقائى، ومررت عليهم جميعا، مؤكدا لهم أن الحلم قد اقترب، وذهبت إلى الكابتن جورج بانوب، لأبلغه وأحتفل معه، ولكنه كعادته كان عاقلا وهادئا، وقال لى: إنت لسه ماعملتش حاجة خالص، يا دوب إنت بدأت فى الاختبار. بكرة تيجى التدريب، واندهشت أى تدريب؟ فقال لى: تدريب منفرد، وذهبت وتدربت معه لمدة ساعتين كاملتين ليومين متتاليين، ثم ودعنى متمنيا لى التوفيق فى الاختبار الجديد. ولمحت الدموع فى عينيه حبا وسعادة، لأن ابنه أحمد -حسب ما كان ينادينى رغم أن عمره ليس بعيدا عنى، ولكنه اعتبرنى كابنه، وهو يرى أننى على وشك تحقيق حلمه.