محافظة الجيزة تزيل أكبر تجمع لفرز المخلفات بحدائق الأهرام بعد أكثر من 10 سنوات    الاتحاد الأوروبي يضاعف الرسوم الجمركية على الصلب إلى 50%    بيان رسمى.. الأهلى يفاضل بين مدربين وإعلان هوية المدير الفني خلال ساعات    بدء التحقيق مع عصام صاصا ومالك ملهى ليلى و12 أخرين فى مشاجرة المعادى    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار وارتفاع الأمواج بالإسكندرية غدا    هؤلاء ممنوعون من السفر لحج القرعة لعام 2026 (انفوجراف)    رئيس الوزراء: الاحتياطى من العملة الصعبة تجاوز 49.5 مليار دولار    عمرو نبيل بعد تكريمه بمهرجان جيلنا: أصور بعين واحدة ولم أتوقف عن نقل الحقيقة    هند الضاوي: مصر قارئة المشهد الإسرائيلي وترامب أداة وظيفية في يد إسرائيل والغرب    لكشف على 937 مواطنًا خلال قافلة طبية بقرية السلام بالإسماعيلية ضمن مبادرة حياة كريمة    عقوبات الجولة العاشرة من الدوري المصري    شحاته السيد عضواً بتحالف اليونسكو للدراية الإعلامية والمعلوماتية    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد الوكالة الألمانية    استشهاد 11 فلسطينيًا.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات عنيفة على غزة في ذكرى 7 أكتوبر    6 أكتوبر.. أبطال الظل من "الهجان" إلى "مروان"!    الكرملين: تسليم صواريخ "توماهوك" لأوكرانيا تصعيد خطير    محافظ المنوفية يحيل عدداً من المختصين بالزراعة والوحدة المحلية بالبرانية وجريس للنيابة    حدث بالفعل .. عالم يكتشف فوزه بجائزة نوبل خلال رحلة فى البرية للتخلص من إدمان الهواتف الذكية    لتطوير منظومة العمل الإداري .. الزمالك يعتمد تشكيل المكتب التنفيذي الجديد بخروج أحمد سليمان ودخول محمد طارق    قبل مغادرته.. البابا تواضروس يُدشّن كنيسة أُنشئت بأمرٍ ملكي في عهد الملك فاروق قبل أكثر من 80 عامًا    4 أبراج روحهم في مناخيرهم.. العصبية جزء من شخصيتهم    مدبولي: استضافة مصر لقاءات بين حماس وإسرائيل دليل على قوتنا الإقليمية    بحضور شخصيات عامة وسياسية.. أسماء زعفان تناقش رسالة الدكتوراة في طب الأطفال    سوق حضارى جديد ببنى مزار للقضاء على الأسواق العشوائية بالمنيا    كشف غموض اقتحام 3 محال تجارية في قنا    فتح باب التسجيل لقبول دفعة جديدة من الدارسين برواق العلوم الشرعية والعربية بالأزهر    بيان رسمي من برشلونة بشأن افتتاح ملعب كامب نو    خاص.. كيشو ممنوع من تمثيل أي دولة أخرى غير مصر حتى يناير 2028    محافظ الغربية يفتتح الملعب القانوني الجديد بنادي السنطة بتكلفة 797 ألف جنيه    شعبان يحيى: نستلهم روح انتصار أكتوبر فى بطولة العالم لرفع الاثقال البارالمبى    محمد قناوي يكتب: قراءة في جوائز مهرجان الإسكندرية السينمائي ال 41    أسماء جلال من كواليس «فيها إيه يعني؟»: «كل واحد يخليه في حاله»    «المنبر» أفضل فيلم فى «الإسكندرية السينمائى»    «بصلي وبصوم وبسرق وعاوزة أكفر عن ذنبي».. أمين الفتوى يجيب    رمضان عبد المعز: الإيمان بأقدار الله يُريح الروح ويُهدي القلب    ما حكم سب الدين عند الغضب؟.. أمين الفتوى يُجيب    مجلس جامعة حلوان يستهل جلسته بالوقوف دقيقة حداد على روح رئيس الجامعة الأسبق    لمناقشة عدد من الملفات المهمة.. بدء اجتماع الحكومة الأسبوعي برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    تُدشّن مبادرة الكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية لطلاب المدارس بالمنوفية..صور    «فوائد بالجملة».. ماذا يحدث لجسمك عند تناول كوب من الشاي الأخضر في الصباح؟    بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم: أحمد عمر هاشم خدم كتاب الله وساند المسابقة    بسبب معاكسة فتاة.. إصابة شخصين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في أوسيم    سكرتير عام المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات التنموية    وزير الخارجية يلتقي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    "المستشار هشام قطب" يدعو لتفعيل نظام المساعدة القانونية لغير القادرين ماليًا    مدبولي يوجه بتوفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الكبرى    اليونيسيف: أطفال غزة يعيشون رعبا ينبغي ألا يواجهه أي طفل    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2691 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى المنيا    كيروش: مواجهة قطر صعبة.. ونطمح للانتصار في بداية مشوار التأهل    الأهلي يحيل ملف ثلاثي الفريق إلى لجنة التخطيط لحسم مصيرهم    محافظ بورسعيد للطلاب: عليكم بالتمسك بالأخلاق الحميدة التي يرسخها الأزهر الشريف    أغلقوا المدرسة قبل موعدها، تحويل العاملين بابتدائية قومبانية لوقين بالبحيرة للتحقيق    وكيل صحة بني سويف يشيد بدور التمريض: العمود الفقري للمنظومة الصحية    ضبط 99 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وزير الخارجية: نثق في قدرة الرئيس ترامب على تنفيذ خطة غزة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديبة سلوى بكر وعربتها الذهبية والحالمة
نشر في التحرير يوم 29 - 12 - 2014

فى 30 ديسمبر 1974 كتبت الأديبة السورية مقالًا تحت عنوان «امرأة قاتلة = رجل»، وذكرت فيه أن ثلاث سجينات عربيات فى سجن النساء فى -عالية قرب بيروت- نجحن فى الفرار من السجن، ولم تعتبر ذلك مكسبًا على الإطلاق، رغم أنه نجاح شكلى يبرز قوة المرأة فى مواجهة القهر، ولكن نضال المرأة الإنسانة لا يسعى بأى شكل من الأشكال للهروب من سجون أو ساحات العقاب الطبيعية، بل إن ملايين النساء العربيات عليهن أن يهربن من سجونهن الأخرى، هذه السجون التى شيّدتها تراكمات تاريخية عتيدة، وهى سجون العرف والعادة والخوف والقهر والموت سرًّا والخجل من عواطفهن وأحاسيسهن وحقوقهن.
وتعتبر هذه الفقرة السابقة، والتى صغناها بطريقتنا، مقدمة لقراءة ما أسماه الناقدون المحترفون الأدب النسوى ، رغم أننى لست ميّالا لاستخدام مثل هذه المسميات، والتى أعتبرها مجرد غوايات نقدية، يستخدمها البعض لإلصاق بعض الخصائص لما يتناولونه من نصوص أدبية.
وجدير بالذكر أن كاتبات كثيرات كتبن عن السجن، بعضها مذكرات وذكريات، مثل لطيفة الزيات ومليكة أوفقير وفاطمة أوفقير وزينب الغزالى ونوال السعداوى، وأخريات كتبن نصوصًا فنية مثل فتحية العسال ورضوى عاشور وأخريات، ولكن تظل رواية العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء ، هى النص الأبرز والأجمل والأكثر اشتباكًا مع حالة السجن، ولم تدع الراوية أو الكاتبة أنها ستكتب عن نساء الطبقة المرفهة، أو عن ساكنات الأدوار العليا فى المجتمع، ذوات الأيدى الناعمة، والمساحيق المزيفة للحقائق الأزلية، أو عن المثقفات اللاتى يردن أو يزعمن تغيير المجتمعات، بل نجد الكاتبة اخترقت كل حواجز التعالى والادعاء والزعم، واستجابت لصرخات نساء يعشن فى قاع المجتمع، وارتكبن الجرائم تحت ضغوط قاهرة وكافرة وظالمة، وعلى رأسهن السيدة عزيزة بطلة الرواية، والتى قررت أن تجهّز عربة شبه ملكية، وستجمع فيها النساء المقهورات، وهن إيراد السجن اليومى.
هنا لا مساحيق ولا تزييفات، ولا أقنعة، ولا ثياب كثيفة تتسر خلفها أجساد مجرمة، الراوية تعترف أن كل النساء المرشحات لركوب العربة الذهبية، مذنبات، وارتكبن جرائم قتل وسرقة ودعارة ونصب، ولكن الرواية تذهب فى تحليل سردى ممتع لتتقصى الحقائق الدامغة التى تدين النساء حسب التكييف القانونى، هذا القانون الذى صاغته أذهان وعقول قاهرة، عقول جبارة وظالمة عبر التاريخ، وهنا لا توجه سلوى بكر إصبع الاتهام إلى هذا الرجل المسكين الطامع فى جسد المرأة أو مالها أو خضوعها الذى يحقق بعض ذكورته، ولكنها توجه سهام نقدها إلى هذا التراكم الاجتماعى التاريخى عبر أزمنة قديمة وسحيقة، هذا التراكم الذى تحميه نصوص وقوانين ولوائح، وتحرسه طبقات متسلطة تنهب المرأة والرجل معا، وهكذا تعتبر الرواية مذكرة دفاع عن الإنسان المقهور عدة مرات، مرة لأنه أنثى يخضع لكل أشكال الطمع الجسدى، ومرة لأنه فقير لا يستطيع أن يفى بحاجاته الاجتماعية الضرورية والدنيا، وبالتالى تقهره الحاجة إلى الغير الطبقة أو النوعى أو الجنسى، وتستمر عملية القهر الشائكة دون أدنى حلول، ويظل الاستخدام السيئ للنصوص الدينية والفكرية بشكل يخدم السلطة المتعددة الوجوه على مر التاريخ.
هذه الرواية التى صدرت بعد عشرين عاما منذ أن كتبت غادة السمان عن السجن الجنائى للنساء، لم تكن درّة سلوى بكر الوحيدة، بل إنها بدأت الكتابة القصصية منذ زمن بعيد، ولكنها لم تنشر قصصًا إلا فى عام 1979، عندما قرأ الكاتب الراحل يحيى الطاهر عبد الله بعض قصصها، وأبدى إعجابًا شديدًا بهذه ىالقصص، وتنبأ لها بمستقبل إبداعى كبير، ثم تلقف هذه المبادرة الفنان التشكيلى محمود بقشيش، وأصدر لها أول كراسة قصصية من السلسلة التى كان يصدرها تحت عنوان آفاق 79 ، وكان عنوان الكراسة حكاية بسيطة ، وكانت تنطوى الكراسة على قصتين، ثم أصدر لها بعدها كراسة أخرى فى العام نفسه تحت عنوان الخصبة والجدباء ، وأقام لها أتيليه القاهرة ندوة لمناقشة هذه القصص، وكان الناقد الكبير إبراهيم فتحى هو المناقش الرئيسى، والذى قرأ القصص بروح إيجابية عالية.
ومنذ القصة القصة الأولى حكاية بسيطة ، تبحث سلوى بكر فى الهم الإنسانى الجارف الذى يعوق الحياة الكريمة، ونظرة المجتمع الناقصة إلى المرأة باعتبارها المخلوق الأدنى الذى لا يستطيع أن يمارس كامل صلاحياته.
فى تلك السنة أو بعدها قليلًا، ذهبت سلوى بكر إلى بيروت لتعمل فى دار الفارابى، وتمارس العمل الصحفى، وحدث الهجوم الإسرائيلى الغاشم على جنوب لبنان، واجتاحت هذا الجنوب بضراوة، وشاركت سلوى بكر فى المقاومة الثقافية، وكان لا بد أن تترك بيروت، لتذهب إلى قبرص، وتعود إلى القاهرة عام 1986، وكان لديها المخزون الإبداعى الذى دفعها إلى إصدار أول مجموعة قصصية، ونالت هذه المجموعة ترحيبا نقديا عاليا، فكتب عنها الناقد الراحل د.سيد حامد النساج، ثم الكاتبة صافيناز كاظم، والدكتورة فريال غزول رئيس تحرير مجلة ألف بالجامعة الأمريكية.
وأصدرت بكر سلسلة مجموعات قصصية أخرى، مثل إيقاعات متعاكسة، وأرانب، ومقام عطية، والروح التى تسرق تدريجيا ، وترجمت هذه القصص إلى معظم لغات الأرض، لترشح كاتبتها للتمثيل المصرى فى بلاد ومؤتمرات عديدة.
ودوما تتقاطع الكاتبة سلوى بكر فى إبداعها مع الملفات الشائكة، فبالإضافة إلى روايتها العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء ، والتى فتحت فيها قضية المرأة المضطهدة بعدة مستويات، تناولت فى روايتها وصف البلبل ، تحريم المجتمع لمشاعر المرأة الطبيعية فى الحب والجنس والرغبة فى الحياة، عندما أحبت هاجر، الأرملة ذات الأربعين عاما، شابا فى العشرينيات من عمره، واقتحمت سلوى هذه القضية بفنية راقية، لتنتصر إلى الأبعاد الإنسانية المغيّبة والمستبعدة.
كذلك كانت رواياتها البشسمورى و أدماتيوس الألماسى ، وطرقت فيها أبواب العلاقات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، وقلّبت التربة المكمورة على أبعاد مغلقة ومستبعدة ومهجورة، وما زالت أديبتنا تبدع وتكتب وتشارك فى الحياة الثقافية والمصرية بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.