تبقَّت مكاسب سياسية بسيطة من ثورة 25 يناير، لعل أبرزها المبادرات التنموية والاجتماعية التى بزغت فى أعقاب نجاح الثورة وخلْع مبارك من السلطة، حينها شعر الكثيرون أن البلد صار ملكهم، وأن المجال العام أصبح حرًّا بلا قيود. تأسست خلال هذه الفترة الحماسية مبادرات أهلية تتسم بالريادة الاجتماعية، تعمل على حلّ مشكلات المناطق الأكثر فقرًا وعشوائية وحرمانًا، منها «جمعية ميادين التحرير» فى المطرية، ومؤسسة «نبنى» فى منشأة ناصر، واليوم سأتكلَّم عن الأخيرة لأنها فى مشكلة. تأسّست نبنى عام 2011، تنموية غير هادفة للربح تعتمد على عمل المتطوعين والمتطوعات لتنمية منطقة منشأة ناصر، وصدر عام 2012 قرار إدارى من محافظ القاهرة حينها -مشكورًا- لاستضافة المؤسسة فى مقر استراحة المحافظة، وكانت حين تسلمته المؤسسة مهملا وساحته الداخلية مقلبا للزبالة، فتم تجديد المقر وتأثيثه بالجهود الذاتية والتبرعات، لتتوسع نبنى فى أنشطتها التى تشمل دروس محو الأمية ودروس التقوية للتلاميذ وتشجيع الأطفال الموهوبين على الاختراع والابتكار، كذلك برامج لمساعدة الأسر غير القادرة، من خلال شنط رمضان ولحوم العيد ومعارض الملابس وموائد الإفطار، إضافة إلى تأسيس مشاريع صغيرة وإحياء تراث الحرف اليدوية التى تكاد تنقرض، وكلها أنشطة ساعدت مئات وآلاف المواطنين من أهالى المنطقة. الآن تواجه مؤسسة نبنى مشكلة: فهى مهددة بالطرد من المقر، ومنذ شهور تبوء محاولات الشباب لتوفيق أوضاعهم بالفشل، فى مقابل تعنت وتوجس المحافظة التى تهددهم باستعادة المقر لأسباب غير معروفة ومتضاربة، خصوصا أنه ينافى الطلب الرئاسى بمساعدة الشباب للدولة فى تقديم خدمات نتيجة عدم قدرة مؤسسات الدولة على استيعاب كل أدوارها الخدمية فى الوقت الراهن، قد يسأل سائل: لماذا لا تنتقل المؤسسة من تلقاء نفسها؟ ولكن العاملين فى الأنشطة الخيرية يعلمون تمامًا صعوبة الانتقال نتيجة ارتفاع التكاليف وتوقف الأنشطة والبدء فى التعريف بموقع جديد على الأهالى، إضافة إلى وجود المقر الحالى قرب الطريق الرئيسى، بما يسهل وصول المتطوعين من خارج المنطقة إليه. يحاول شباب نبنى الإبقاء على روح التفاؤل، فرغم التهديد بالطرد يبثّون روح الأمل فى نفوس الأطفال الذين يخشون رحيل نبنى عن عالمهم، فنظَّمت المؤسسة يوم السبت حفل تخرج وتكريم المتميزين من الطلاب وأصحاب المشروعات الصغيرة بحضور وزيرة التضامن الاجتماعى. لماذا يتم سحب مقر نبنى الآن بعد أن نجحت المؤسسة فى بناء أنشطة تنموية وكسب ثقة آلاف الأسر فى منطقة عشوائية وفقيرة؟ المساس بمؤسسة نبنى رسالة سلبية ومحبطة لكل مَن يساعد فى تنمية المجتمع، رسالة مفادها أن المؤسسات التنموية المستقلة تغلق وتُقيَّد، مثل المورد الثقافى، فى حين يتم التصالح مع رموز عصر مبارك فى الوقت ذاته، وذلك بدلًا من حرص المحافظة على توفيق الأوضاع إداريًّا. إن كان القانون هدفه تحقيق العدالة، فالعدالة تقتضى بقاء نبنى لأنها تستحق البقاء.