كان المعتمد بن عباد حاكما لإشبيلية وآخر ملوك بنى عباد فى الأندلس، تزوج من اعتماد الجارية التى فُتن بها وبفطنتها فقرر الزواج منها، وكان مهتما بتحقيق كل أمانيها. وفى إحدى المرات رأت اعتماد، التى أصبحت ملكة، بعضًا من الجوارى يخضن فى الطين فحنَّت إلى ماضيها، فطلبت من الملك المعتمد بن عباد أن يسمح لها هى وبناتها أن يخضن فى الطين مثل الجوارى، ولأنه كان يحبها فقد حقق أمنيتها ولكن على طريقته، فقد أمر الملك بالمسك والعنبر والكافور مع ماء الورد فتكونت بركة من هذا الخليط الشبيه بالطين، فلعبت الملكة مع بناتها. وتدور الأيام ويسقط حكم المعتمد ويرحل من بلده وتضيق به الحال حتى يتصدق الناس عليه وعلى أسرته، بعد أن كانت الأسرة مسكنها القصور، وفى إحدى مرات الغضب المعتادة بين الأزواج تقول له اعتماد: ما رأيت منك خيرا قط، فيرد مقهورا: ولا يوم الطين؟! كثيرون يذكرون هذه القصة لتعتبر زوجاتهم، ولكننى أريد أن أطبقها عامة فى التعاملات بين البشر. فى لحظة أصبح الفراق سهلا، بين الأصدقاء، بين الأقارب، فى تقبل آراء الكتاب والمفكرين، فى النقاش على القهوة.. أصبح الواحد منا ينسى كل ما فعله شخص ما من أجله، ربما آثره على نفسه، ربما أعطاه من قُوته، ربما بذل جهدا ووقتا قبل ذلك فى سبيل دعمه أو الدفاع عنه، وكل ذلك ربما يضيع من أجل اختلاف فى الرأى، ويتحول الشخص من مَلاك رحيم إلى شيطان رجيم إذا لم تتواصل عطاياه وتضحيته وآراؤه المتفقة معه. المنّ على الناس بذكر أفضالك عليهم ليس أمرا مستحبا أيضا، ولكن حتى إذا واجهت نُكران البعض بالصمت والتغافل، فستصمت وأنت تقول فى داخلك: ولا يوم الطين؟