خلال الأسابيع القليلة الماضية تناقلت وكالات الأنباء أخبار عودة بعض مقاتلى «داعش» من الأوروبيين إلى بلدانهم الأصلية، واعتقالهم فور وصولهم، وتحويلهم إلى المحاكمة بتهم الانتماء إلى تنظيم إرهابى. والحقيقة أن فى هذه العودة دلالات كثيرة، ففى مقابل التجنيد الكثيف الذى شهده تنظيم «داعش» منذ الصيف الماضى، خصوصا بين المراهقين والشباب من مختلف البلدان، نجد اليوم موجة عكسية للخروج من رحم «داعش» والعودة إلى الوطن. ومن ذلك بعض العائدين إلى بريطانيا وألمانيا والنرويج، الذين أحيلوا بشكل فورى إلى المحاكمة. ولكن هل يجب أن يُحاكم هؤلاء حقا؟ وإذا حوكموا وعوقبوا بالسجن لسنوات طويلة تترواح بين ست وعشر سنوات حسب القوانين المختلفة لهذه الدول، من سيحكى القصة للآخرين، ومن سيكشف زيف ادعاء داعش بتمثيل الإسلام وبإقامة الخلافة المتوهمة؟ فالرواية الكاشفة تلك إذا كانت بتوقيع داعشى سابق، ستكون حتما أكثر مصداقية. حملت تقارير إخبارية فرنسية روايات عديدة عن شباب ومراهقين فرنسيين انضموا إلى تنظيم الدولة ، ثم ما لبثوا أن أصيبوا بخيبة أمل. بعضهم أرهق من الحياة القاسية فى أقاليم مقفرة مقارنة برفاهية العيش فى القارة الأوروبية. والبعض الآخر ساخط على المهمات التافهة التى أوكلت إليه من غسل للصحون وإعداد الطعام، بعد أن تخيل أنه قادم من أجل تغيير التاريخ والمشاركة فى مغامرة مثيرة. والقسم الثالث وهو الأهم، هم المصدومون من اختلاف الواقع عن الدعاية التى روجها داعش لكسب الأنصار وتجنيد الشباب. فهم يرون أن المهام اليومية لتنظيم داعش لا تخدم الإسلام فى شىء بل تناقض قيمه وتنتهك مبادئه. ورغم أن توجس الدول الأوروبية وبقية دول المنطقة من عودة أبنائها المنخرطين فى داعش مفهوم ومشروع. فبعضهم قد يكون عائدا بهدف تنفيذ عمليات إرهابية، خصوصا فى البلدان التى تشارك فى التحالف الدولى، وبعضهم قد يكون عائدا لتجنيد المزيد من الشباب للالتحاق ب داعش . إلا أنه لا بد من فتح قنوات آمنة تسمح بانسحاب من يريد منهم العودة بعد أن شعر بزيف الدعاية الخادعة. فعودة هؤلاء ضرورية للغاية، ليس لخفض عدد المنخرطين فى التنظيم الإرهابى وحسب، بل من أجل كشف حقيقة داعش لدى من لا يزال يريد الالتحاق به. والأولى بالدول العربية التى عرفت تجنيدا واسعا بين أبنائها ضمن تنظيم داعش أن تستعد هى الأخرى لموجة عودة محتملة للإرهابيين التائبين. الأمر الذى يتطلب إعداد برامج أمنية تسمح بتعقب العائدين والتحقيق معهم من أجل الاستفادة من المعلومات التى يملكونها أولا، ثم من أجل تبين النية من عودتهم ثانيا، ثم من أجل إعادة دمجهم بما يستبعد فرص جنوحهم مرة أخرى نحو العنف. ولكن الأهم أن يتسنى لهؤلاء العائدين نقل تجربتهم إلى الرأى العام لكى يوضحوا حقيقة داعش وممارساته البعيدة كل البعد عن مقاصد الشرع ومبادئ وقيم الإسلام.