عندما تحكى الدولة العميقة.. اعرفها من الرواة. هذا ما نراه فى رواية قتل الإخوان للثوار فى موقعة الجمل. ابحث عمن يروى تعرف ما وراء الرواية.. لأنه ببساطة ليس المقصود أن تصدق الرواية ولا أن تتخيل أن هناك ما يثبت صحتها.. المهم أن تخلق رواية من عدم.. وأن تصبح محل نقاش لينتشر الشك.. وعندما تشك فى ما تراه عينك ليس أمامك إلا أن تنتظر دائمًا رواية من يرى الكائنات الخفية ويعرف خريطة الحركة غير المرئية.. الحقيقة ليست ما تراه بعينك ولكن كما ترويها الدولة العميقة. والدولة العميقة.. عميقة نفس عمق شبكات الصرف الصحى.. وها هى روايتها تستخدم «كارت انتخابى» لشفيق فى مواجهة مرسى.. وها هم رواتها تجار خرافات ولاعبون قدامى فى السيرك السياسى الذى استطاعت فيه الدولة «العميكة» توظيف أو زرع عناصرها لتنام فى صفوف المعارضة والثوار، يعلو صوتها عن الجميع وتتقدم حين يكون المطلوب تبرعات أو تجهيزات، وتصرح وتصرخ لكى تكون عند الطلب صاحبة مصداقية وشهادتها هى لشاهد من أهلها. هكذا انتقلت رواية قتل الإخوان للثوار من خزعبلات الشيخة ماجدة واسكتشات توفيق عكاشة لتصبح بلاغات أشهر من قدمها هو مصطفى بكرى صاحب العروق النافرة الذى يكاد قلبه ينفجر عند ذكر كلمة مصر، والذى صفق له الإخوان أنفسهم عندما اتهم البرادعى بالخيانة. هل هناك أفضل من مصطفى بكرى ليقدم البلاغ؟ ستنسى الناس طبعًا قصائد المديح التى قالها البكرى فى دور الإخوان لحماية الثورة.. وستنسى أنها نفس رواية عمر سليمان مدير المخابرات وحامل مفتاح الصندوق الأسود.. وصاحب الصفقة مع الإخوان بعد موقعة الجمل، متصورًا أنهم قادرون على تفريغ الميدان مقابل منحهم شرعية تصل إلى حد الشراكة الشرفية. صفقة عمر سليمان ظلت سارية إلى لحظة انتخابات الرئاسة، فلماذا اعتمدت خرافات الشيخة ماجدة لتصبح رواية بوليسية الآن؟ هل هى الانتخابات فقط؟ هل تريد الدولة العميقة فعلًا حرق الإخوان؟ وهل يمكن للنظام ترميم توابيته دون مساعدة الجماعة؟ أم أن الرواية كلها إعادة للإخوان إلى الحجم الطبيعى؟ لا عاقل يمكنه تصديق الرواية البوليسية الخائبة، لكنها تصلح فى جو الشك العام لتشفط الغضب الكبير على أجهزة النظام وتوجهه إلى الإخوان أو بعيدًا.. وهذا يزرع الشك فى كل شىء.. وفى المقدمة بطولة وجسارة الثوار ولحظتهم الصوفية فى الميدان.. هذه رواية من السهل فضحها سياسيًّا وجنائيًّا.. لكن أثرها الكبير هو ترك صورة المؤامرة تسرى باعتبارها حقيقة وحيدة لأصغر أمامها كل ما تصنعه مغامرة ناس عاديين من أجل أحلامهم. هذه المغامرة هى الثورة ليس إلا. والروايات المستوحاة من زمن التلفيق ركيكة، لكنها مثل الأسلحة القديمة جرحها قاتل. ولا نعرف إذا كان شفيق بنى حملته على رواية ملفقة، فماذا سيفعل إذا أصبح رئيسًا؟