نعيش فى ظل حالة من الصخب أو بتعبير أدق زمبليطة فى صالون الوطن.. بدأ الملحن المطرب عمرو مصطفى العدو الأول بين النجوم لثورة يناير، إضرابه عن الطعام حتى يتم نقل حسنى مبارك من السجن إلى مستشفى.. أمام مجلس الشعب يضربون الآن حتى يطبق قانون العزل على شفيق، ويتم القصاص من مبارك، بينما عمرو يُضرب حتى لا يطبق القانون على زعيم دولة الفساد والمسؤول الأول عن إزهاق أرواح المصريين. عمرو منذ بداية الثورة وهو يعانى من صدمة نفسية جعلته يتخبط بين تأييد مبارك ثم تأييد الثورة، وبعد أن تمت مواجهته بتسجيلاته المؤيدة لمبارك صار عدوا لدودا للثورة، يتهمها بأنها مخطط إسرائيلى، استنادا إلى أن المظاهرات كانت تردد تعبير «الشعب يريد» الكلمة العربية الصميمة «يريد» يقول عنها إنها عبرية المنشأ وحجته أن المسلسلات والأفلام التى تقدم شخصيات أجنبية تستخدم دائما تعبير «يريد» على لسان الأجانب. الأكثر جنوحا -ولا أقول جنونا- من ذلك أنه ربط بين موعد الثورة وعيد ميلاد مشروب البيبسى كولا. أشياء أقرب إلى الهلاوس تذكّرك بإعلان فيلم «الجاسوس» الذى بثه مؤخرا التليفزيون الرسمى، يعتبر أن أى أجنبى موجود على أرض مصر يريد -استخدمت تعبير يريد عامدا متعمدا- أن يحصل على معلومات فهو جاسوس. لو تذكّرتم أيام الثورة كان هذا هو أحد أسلحة النظام فى محاولة إجهاضها باعتبارها أجندة أجنبية، ولا أستبعد أنه بمجرد أن يصل شفيق إلى الكرسى سوف يفتح هذا الملف مرة أخرى للتأكيد أن 25 يناير مخطط أجنبى وبعدها يصبح عمرو مصطفى هو الملحن الرسمى للنظام، ويسند إليه تلحين نشيدنا القومى القادم «شفيق ومبارك إيد واحدة». عمرو مصطفى مباركى النزعة ووصل إلى أعلى الدرجات المرضية، حيث إنه لا شعوريا يتماهى معه ويصبح دفاعه عنه هو دفاع تلقائى عن نفسه. طلعت زكريا يعيش حالة التوحد هذه، ولكن بدرجة أقل كلما هوجم صار أكثر تشبثا بمبارك، ولكنه لن يُضرِب عن الطعام، أقصى ما يمكن أن يُقدم عليه هو أن يذرف دمعة فى برنامج فضائى مدفوع الأجر. بعض الفنانين استطاعوا التخلص من أعراض هذه الحالة المَرضية.. محمد فؤاد كان مرشحا لها بقوة، خصوصا أنه لم يكتفِ مثل عمرو مصطفى بالإضراب عن الطعام لكن هدد معجبيه بالانتحار إذا تنحى مبارك إلا أنه بعد رحيل مبارك أخذ يغنّى: الحياة حلوة بس نفهمها الحياة غنوة محلى أنغامها، ولا يزال يغنى. تستطع أن ترى الموقف الحالى مثل زمبليطة الصالون فى أغنية «جميل جمال» الكل يريد -استخدمتها عامدا متعمدا- أن يدخل فى الزمبليطة، ولكن بعد أن تهدأ الأمور لن ترقص مديحة يسرى على إيقاع فريد الأطرش وفاتن حمامة وماجدة الصباحى وسراج منير. الصخب الذى تعيشه مصر يجعل مثل هذه المواقف المتطرفة جزءا من الإيقاع العام للصورة، إنها ملامح مصر منذ ثورة يناير. نعيش الآن توابع الثورة، فالبعض لن يستطيع التعايش مع مصر بعد 25 يناير، هناك من تعوّد أن يتنفس الفساد ليس بالضرورة أن تستفيد مباشرة من الفساد، ولكن أن تعرف مفاتيح التعايش معه. أتذكر أن الرقابة على المصنفات الفنية كان بها رقيبٌ مرتشٍ، كل الوسط الفنى يعلم أنه يحصل على الثمن مقدما، ولكنهم تعايشوا معه، وفى ندوة حضرها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وكان ذلك فى أثناء انعقاد مهرجان دمشق قال للسينمائيين ردًّا على اتهامهم الرقيب «أنتم الذين طلبتم تولِّيه الرقابة»، وكان بالفعل هذا صحيحا، وعندما أسند المهمة إلى رقيب آخر الكل يعترف بنزاهته وأمانته لم يستطيعوا التعايش معه وأخذوا يرددون «ولا يوم من أيامك». كثير من المواقف التى نراها الآن هى نوع من التعود والتحرك بالقصور الذاتى البعض لا يصدق أن عصرا جديدا تعيشه مصر لن يسمح بأسماء، صار بينها وبين العهد الفاسد ارتباط شرطى أن تعتلى كرسى الرئيس، ولكنك ستكتشف أن هناك من يؤيده، فليس كل من يقف فى خندق شفيق هو فاسد بالضرورة، ولكنه تعوَّد على إيقاع زمن مبارك وشفيق من ريحة الحبايب. عمرو مصطفى ليس مطلوبا منه أن يُضرب عن الطعام، ولكن فقط يُضرب عن الكلام بدلا من الزيطة والزمبليطة التى يحدثها فى صالون الوطن!