1) أكتب مقالى هذا بعد ساعات قليلة من صدور الحكم فى قضية المخلوع وابنيه ووزير داخليته وأعوانه الستة، لكى أسلمه للجريدة قبل موعد النشر بيومين. أول انطباعاتى أن إدانة مبارك والعادلى بالسجن المؤبد فى قضية قتل المتظاهرين تتعارض منطقيا مع منح البراءة لمساعدى وزير داخلية النظام الساقط ورئيسه المخلوع، لأن إدانتهما (مبارك والعادلى) تعنى اقتناع المحكمة بقيامهما بإصدار أوامرهما بقتل المواطنين الثائرين السلميين، أو على أقل تقدير بتقاعسهما عن التدخل لحمايتهم، وأولئك الجنرالات المساعدون كانوا يمثلون أذرع وعيون وزيرهم وسيده وأشرفوا على تنفيذ قراراتهما التى أدت إلى إدانتهما. فكيف إذن يمكن للمحكمة أن تدين وزير الداخلية ورئيسه الأعلى ثم تبرئ ساحة من أشرفوا على تنفيذ أوامرهما لعدم كفاية الأدلة؟ الأدلة السياسية التى تكفى لإدانة الرئيس والوزير على القيام بتحريض كبار الجنرالات على القتل، تكفى بالمثل لإدانة أولئك الجنرالات بجريمة تحريض صغار ضباطهم على القتل. عدم كفاية الأدلة المادية قد يتيح الإفلات لمن أمسكوا -بأيديهم- بأدوات تنفيذ تلك الجرائم وضغطوا على زنادها. هذه واحدة. الأخرى، أن براءة علاء وجمال مبارك ووالدهما من تهمة التربح باعتبار أن جريمة حصولهما على قصور كرشوة من المتهم الهارب حسين سالم سقطت بالتقادم لمرور عشر سنوات على ارتكابها، تفتح الباب لسؤال هامّ: وهل كان بالإمكان وجود أى احتمال لرفع دعوى قضائية ضدهما بالتربح طوال عشر سنوات قبل الآن فى عز سطوة أبيهما المخلوع؟ إن الحكم بسقوط الدعوى بالتقادم يعد تجاهلا لوجود والدهما على رأس السلطة وقتئذ، وهو الأمر الذى لا يجوز لعاقل أن يتجاهله. براءة الأخوين (طبطبة) على كتف الفساد، وبراءة قيادات الشرطة تمنح الداخلية تفويضا بالقتل من جديد فى أى مظاهرات سلمية قادمة. لهذا أرفض شفيق، لأنه إعادة لإنتاج دولة مبارك التى يمارس رجالها قتل المتظاهرين السلميين ولا يحاسبون. 2) رفضى للموت شنقا لا يعنى أن أرحب بالموت حرقا. مصر تغيرت. لا يمكن لشفيق أو لمرسى أن يحكما على مستقبلها بالهرس المؤبد فى مفرمة الفساد أو الاستعباد. شفيق باطل ومرسى باطل. سأفسد صوتى بالشطب على كليهما. أحدهما ليس أفضل من الآخر. كلاهما لا يؤمن بالديمقراطية. الأول يجسد الفاشية العسكرية، والآخر يجسد الفاشية الدينية. كلاهما يستخدم المال أو الترهيب لشراء أصوات الغلابة. كلاهما لن يقدم أى تنازلات من أجل دولة مدنية ديمقراطية، لأنه لن يعمل من أجل الوصول إلى دولة لا يؤمن بها. إذا حصل شفيق على الرئاسة نريد أن نرى نضال الإخوان والإسلاميين وقيادتهم للجماهير ضده. أليسوا بمسيطرين على البرلمان؟ كان السادات ديكتاتورا بامتياز، وكانت حفنة ضئيلة من نواب اليسار وقتئذ تمثل شوكة فى حلقه. فما بالك بما يمكن أن تفعله أغلبية برلمانية ساحقة معارضة للرئيس؟ أعرف أن هناك من سيردون قائلين إن شفيق سيلغى البرلمان. إذن فهذا أدعى أيها السادة إلى المسارعة بالقيام بتشكيل لجنة وطنية لكتابة الدستور، يمثل أعضاؤها جميع الأطياف السياسية والاجتماعية بطريقة عادلة تؤهلها لصياغة دستور محترم يقلص سلطات الرئيس، ويمنح المناضلين البرلمانيين، من كل الأطياف، القدرة والصلاحيات التى تمكنهم من الوقوف فى وجه أى طاغية قادم. هذا هو المطلوب الآن، أم أن التكويش على لجنة صياغة الدستور من أجل إرساء دعائم دولة دينية ما زال همّكم الوحيد؟ ضمانة عدم استبداد شفيق أو غيره هى البدء فى وضع دستور يمنع صناعة ديكتاتور. النضال الحقيقى يحتاج إلى العمل وصدق النوايا، بينما الكذب لا يقود النفس المريضة إلا إلى تصديق كذبها وتأكيد غرقها فى مستنقع عشق الذات. مرسى يزعم الآن أنه سيعيد محاكمات قاتلى الشهداء إذا صار رئيسا. كيف أصدقك وأنت وإخوانك كنتم تتحدثون منذ شهور قليلة عن ضمان خروج آمن لجنرالات المجلس العسكرى وعدم محاسبتهم عن جرائم قتل شهداء ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء؟ لماذا تهتم الآن بمحاسبة جنرالات الداخلية؟ واضح أنه طق حنك يفرضه حشد الأصوات الانتخابية. 3) أقول لمن يتعجبون لسقوط ثمرة الثورة فى كف أكثر التيارات رجعية وأقلها ثورية: طبيعى للغاية أن يحدث ذلك. الثورات لا تقوم فى مجتمعات متطورة حديثة، لكنها تقوم فى مجتمعات تعانى مزيجا من الفقر والظلم والجهل يتيح لتلك التيارات القيام بخداع الغالبية العظمى من البسطاء، والاستيلاء على تأييدهم باستخدام الدين بطريقة تعتمد على الكذب والابتزاز. كُتّاب مرموقون ما زلنا نحترمهم ولا نشكك فى إخلاصهم صدّعوا أدمغتنا طوال الشهور الماضية بحديثهم عن إمكانية التخلص بطريقة ديمقراطية سلمية من تيارات الإسلام السياسى بعد وصولها إلى الحكم إن أساءت استخدام السلطة، على اعتبار أن الشعب بإمكانه أن لا يمنحها صوته مرة أخرى إذا اكتشف خداعها، أو إذا لم تتمكن من إرضاء طموحاته بأدائها السياسى الهزيل. قالوا هذا رغم تأكيدنا مرارا وتكرارا أن الشاغل الأوحد لتلك التيارات سيكون العمل على هدم كل الآليات الديمقراطية بتفصيل القوانين، وبالتغلغل فى مفاصل الدولة للتحكم فى تغيير هويتها المدنية. قلنا هذا ولم يصدقنا أحد. لم يكن استخدام الدين ترهيبا وترغيبا خلال استفتاء مارس كافيا بالنسبة لهم لكى يفهموا تلك الحقيقة البسيطة. كما لم يكن تكفير الخصوم وشراء الأصوات فى الانتخابات البرلمانية كافيا هو الآخر. فهل سيكون تكويش الإخوان على كل السلطات إذا تمكن مرسى من اقتناص الرئاسة كافيا لإفهامهم؟ لا لمرسى وشفيق معا، ونعم لبدء نضال تيار الكتلة الثالثة الذى يؤمن بدولة مدنية ديمقراطية تحمى الحريات وحقوق الإنسان.