فى بدايات هذا الشهر، كتبت مقالًا بعنوان «غضب» عن حالة الغضب المنتشرة -حينئذ- فى طول البلاد وعرضها، فالكل غضبان بشدة من أشياء كثيرة جدًا تثير -للحق- التوتر والضيق والغيظ، وتؤجج فى نفوس الناس بواعث الغضب. وها نحن، وقبل أن نصل إلى نهاية نفس الشهر، نعانى من نار الغضب المشتعل داخل الصدور، والمنطلق بقوة من أعماق الحناجر والقلوب! فنتيجة الانتخابات الرئاسية، جاءت مخالفة لكل استطلاعات الرأى، وصادمة لكل الحسابات والتوقعات والاحتمالات، وحتى لقواعد المنطق! وثمة تسريبات كثيرة عن تصرفات مشبوهة تمت خلال مراحل العملية الانتخابية، وهناك بلاغات قدمت بوقائع ووثائق وفيديوهات تؤكد حدوث تلاعب فى سير العملية الانتخابية. وإذا حاولنا أن نحلل، أو نفسر هذا الغضب المشتعل فى صدور كثيرة، فيمكننا أن نشير إلى جهات عدة، أولاها اللجنة العليا للانتخابات وتصرفاتها، ومعها المادة «28» من الإعلان الدستورى، التى تحصن قرارات اللجنة وأعمالها! وثانيتها، القوى الثورية! فثمة مراهقة سياسية، بل وأنانية واضحة شاهدناها جميعا ممن كنا نتمنى منهم أن يُغلّبوا مصلحة الوطن ومصلحة الثورة على مصالحهم الشخصية. وثالثتها، جماعة الإخوان وحزبها السياسى، فتصرفات هذه الجماعة المسجونة داخل ماضيها التعس، أفصحت عن رغبة جنونية مسعورة فى الاستحواذ على كل شىء فى البلد، مع إعلائها لمصلحتها كجماعة فوق مصلحة الوطن كأمة! ورابعتها، الملايين الخائفة والجائعة والمذعورة، التى تصورت أن من تلوثت يداه بدماء المصريين فى موقعة الجمل وغيرها، يمكن أن يعيد لهم الأمن والأمان! وخامستها، الملايين اللا مبالية والصامتة، التى رفضت ترك الكنبة والنزول إلى طوابير لجان الاقتراع، هؤلاء الذين رفضوا -بمنتهى الخسة والنذالة- الدفاع عن حقوق الشهداء والمصابين. وثمة ملاحظة مهمة فى سياق توجيه هذا الغضب الشعبى، إذ فجأة تعالت أصوات كثيرة تتهم إخوتنا فى الوطن بالتصويت لصالح تلميذ المخلوع! وكأنما ملايين من المسلمين لم تصوت له! وإذا كان ترديد مثل هذه الأقاويل من بعض المتطرفين يعد مفهومًا أو مبررًا، إلا أن ما أحزننى حقا، هو أن يصدر مثل هذا الكلام المرسل بلا دليل من بعض الوطنيين العقلاء! فقد شاهدت بنفسى أبو العلا ماضى، رئيس حزب الوسط، فى قناة «الناس» مساء يوم السبت 26/5 ، وهو يقول بكل ثقة إن اثنين مليون مسيحى أعطوا أصواتهم لشفيق! فهل تفضل الأخ ماضى وحصر أصوات المسيحيين جميعًا، وعرف كم صوتا أخذه كل مرشح؟! إن غضب ملايين الثوار، وغضب جماهير المصريين المؤيدين لثورتنا العظيمة، هذا الغضب النبيل لا يجب أن نوجهه إلى شعبنا الطيب، فلا يصح أن نركز كل غضبنا على الفقراء الذين قبلوا الرشاوى الانتخابية، ولا على الجهلاء الذين صوّتوا لجلاديهم، ولا على من اختلفوا معنا فى الرأى، وإنما غضبنا جميعا يجب أن يوجه إلى من يريدون القضاء على ثورتنا المجيدة