ملايين كثيرة من المصريين داخل الوطن وخارجه، ظلت على مدى ساعات تتابع باهتمام المناظرة التليفزيونية بين مرشحَين لرئاسة الجمهورية، هما: عمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح، فهذه أول مناظرة من نوعها فى تاريخنا كله، وكذلك هذه الانتخابات الرئاسية، هى الأولى من نوعها، والفضل فى هذا التطور الديمقراطى يرجع إلى ثورتنا العظيمة، وتضحيات شهدائنا الأبرار، ومصابينا الأبطال. فماذا كانت نتيجة هذه المناظرة التاريخية؟ ثمة من بدأ المشاهدة، وهو مقرر مسبقا أن ينتخب أحد هذين المرشحين أو غيرهما، وبعد ساعات من المتابعة للمناظرة،لم يغير رأيه السابق، بل ربما ترسخ رأيه أكثر. ولعل هؤلاء -للأسف- هم أغلبية المشاهدين! (طبعا لا توجد لدينا إحصائيات دقيقة، لا عن هذا الموضوع، ولا عن غيره). فمعظم الناس فى بلادى -وفى بلاد أخرى أيضا- يتشبثون برأيهم جدا، إذ يخلطون بين رأيهم، وذاتهم (شخصيتهم)، ولا يتمتعون بالمرونة الفكرية الكافية، لتغيير مواقفهم المسبقة بناء على ما يحدث على أرض الوقائع، ومن ثم إذا سألت أحدهم مثلا عن حجج الخصم، لا يتمكن من سردها بموضوعية، لأنه لم يعط نفسه الفرصة للاستماع لوجهة النظر المخالفة، فهو يهتم فقط بكل ما يعضِّدُ وجهة نظره! لقد تابعت ردود أفعال كثير من المشاهدين، ووجدتهم يؤكدون مواقفهم بطريقة غير موضوعية، فأنصار موسى يؤكدون أنه انتصر انتصارا ساحقا على أبو الفتوح، بينما أنصار أبو الفتوح يؤكدون انتصارهم على موسى، وحتى المعجبون بيسرى فودة، ومحبو منى الشاذلى، لكل منهما رأيه المخالف للآخر، وكأنما كل فريق يشاهد مناظرة غير التى شاهدها الفريق الآخر! لدرجة أن مؤيدى حمدين صباحى اعتبروا أنفسهم خرجوا منتصرين، نتيجة التجريح الذى حدث فى موسى وأبو الفتوح! ويمكننى أن أرصد بعض الأخطاء التى وقع فيها كل من المرشحين، كما يمكننى أيضا أن أشير إلى بعض السهام التى تم تصويبها بدقة من طرف إلى آخر، لكن حتى هذه ستختلف فيها وجهات النظر! فمثلا قد يرى البعض أن موسى أخطأ فى اتباع سياسة الهجوم الحاد والعنيف على خصمه، بينما هناك من سيرى أن هذه هى السياسة الأنجح فى مثل هذه المناظرات! وقد يرى البعض أن أبو الفتوح أخطأ فى هجومه -بلا مناسبة- على السادات، بينما سيرضَى آخرون عن هذا الهجوم على الرئيس الراحل! لكن ثمة من استفاد جدا من هذه المناظرة الأولى من نوعها فى مصر، فالمحطات التليفزيونية ربحت الملايين، وشركات الإعلانات أيضا، وكل من شارك فى هذه المناظرة استفاد كثيرا، وطبعا موسى وأبو الفتوح زادت شعبيتهما، وعرفهما الناس أكثر، فثمة من لم يحددوا رأيهم بعد، وكانت هذه فرصة لهم ليتعرفوا على آراء اثنين من أهم المرشحين، والفائدة الكبرى هى أن نتحرك جميعا فى طريق الديمقراطية