هى من أساطير العرب القديمة، زرقاء بنى نمير، أو زرقاء اليمامة، كما اشتهرت، بها يُضرب المثل فى حدة البصر، ويُحكى فى كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسى أنه «كانت امرأة باليمامة تبصر الشعرة البيضاء فى اللبن، وتنظر الراكب على مسيرة 3 أيام، وكانت تُنذر قومها الجيوش إذا غزتهم، فلا يأتيهم جيْش إلا وقد استعدوا له، حتى احتال لها بعض من غزاهم، وقد عرفوا سرها. فأمر أصحابه، فقطعوا شجرا وأمسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزرقاء، فقالت: إنى أرى الشجر قد أقبل إليكم؛ قالوا لها: قد خَرِفْتِ، ورقّ عقلك وذهب بصرُك، فكذَّبوها، وصبحتهم الخيل، وأغارت عليهم، ففقؤوا عينيها». وقُتلت الزَّرقاء التى أعاد العبقرى الراحل أمل دنقل تخليدها فى رائعته «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة»، وفيها: قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبار.. فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار! قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار.. فاستضحكوا من وهمك الثرثار. نستحضر قصة الزرقاء هذه الأيام مع اقتراب اختيار المصريين لرئيسهم الأول بعد ثورتهم، لو تمت الانتخابات أصلا، ولكن ما علاقة زرقاء اليمامة بانتخاب الرئيس؟ لست أضيف هنا جديدا حين أقول إن الانتخابات القادمة لا بد أن تكون نقطة تحول فى مسيرة بلادنا، وفى قراراتنا كمصريين، وأسلوبنا فى الاختيار بعد ستين عاما من حكم «جيل يوليو» الإجبارى.. لماذا؟ لقد جربنا خطابة ناصر وديكتاتوريته المستمدة قوتها من افتتان الشعب بالزعيم الأب، كما مررنا بعدها على مرحلة الديمقراطية الساداتية ذات الأنياب والرئيس كبير العائلة، حتى وصلنا إلى «أزهى عصور الديمقراطية» أكثر المراحل سوادا فى تاريخنا المعاصر مع فساد مبارك وآله وأصدقائهم، هذه المرحلة الأخيرة التى كان فيها أيضا لقب زوجة الرئيس هو «ماما سوزان»، ولكن... ماذا تنتظر مصر من الرئيس القادم؟ حتما لا نريد زعيما أبا يلعب على مشاعر المصريين بخطابات عاطفية ولا ثورية، فقد اكتفينا من ذلك، ولا نريد رئيسا يحدثنا بحديث السماء دون أن نرى كراماته على الأرض فى صورة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، هذا ما نريده، ولكن ما هو أيضا «ما لا نريده»؟ إن تمت الانتخابات فعلا فى موعدها ولم يتحجج «مجلس جنرالات وزير دفاع المخلوع» بالاضطرابات والمؤامرات أو «احترام أحكام القضاء» لتأجيلها أو إلغائها -وهى سيناريوهات حذر منها عديد من الزملاء، ربما كان أولهم رئيس تحرير هذه الجريدة- فعندى لك رسالة، عزيزى الباحث عن رئيس، إذا لم تكن حسمت خيارك بعد، وقد كان يفترض أن يبدأ بالفعل تصويت المصريين بالخارج أمس، بينما باتت تفصلك أنت عن الحدث الكبير أيام معدودة، ففكر جيدا قبل أن تحسم قرارك، لن أملى عليك اسما لتكون إجابتك الصحيحة فى ورقة الامتحان المصيرى، فلا أحد يمكنه زعم معرفته بالإجابة الصحيحة، وإنما «آفة الرأى الهوى»، فكر كثيرا وراجع نفسك قبل أن تختار بيدك من يعيد إنتاج الظلام، بعد أن كافحنا لنوقد شمعة، فلو لم تكن ذقت الظلم سابقا، فلا بد يطالك لهيبه فى ما هو قادم، احسبها جيدا حتى لا نصنع بأيدينا، وقد جاءتنا الفرصة، فرعونا جديدا يفقأ أعيننا أنا وزملائى الذين حذروك قبلى، حتى لا نبيت نحن «زرقاء يمامة» هذا العصر، ولا تصبح أنت، بعد فوات الأوان، نادما باكيا بين يدى زرقاء اليمامة.