كل من يتصدر المشهد السياسى الآن هم من بقايا نظام حسنى مبارك المخلوع إلا قليلا.. ولعل ذلك موجود فى الأزمة التى تمر بها البلاد الآن، نظرا إلى غياب الخيال المختلف عن الانتقال إلى تجربة مغايرة تتوافق مع ثورة 25 يناير العظيمة ومطالبها التى كان على رأسها الانتقال إلى مجتمع ديمقراطى بدستور جديد يليق بالثورة والشعب الذى خرج ضد استبداد وديكتاتورية النظام.. لكن من يتحكم فى الواقع السياسى هم بقايا النظام.. فالمجلس العسكرى من أتى به هو حسنى مبارك ومن اختياراته وعلى رأس أعضائه المشير طنطاوى الذى كان رئيسا للحرس الجمهورى ثم رئيسا للأركان ثم وزيرا للدفاع لسنوات طويلة.. وكذلك نائبه فى رئاسة المجلس العسكرى الفريق سامى عنان الذى عينه رئيسا للأركان قادما من قيادة الدفاع الجوى. ولهذا أداروا الفترة الانتقالية على طريقة نظام مبارك وحافظوا على الرجل.. وأمواله وصحته ومحاكمته.. واستعانوا برجاله لإجهاض الثورة. والحكومة الحالية برئاسة الدكتور كمال الجنزورى بها وزراء كانوا من رجال النظام القديم وخدموا معه، ولم يستطع أحد أن يقف أمام ذلك النظام أو كشف فساده حتى الآن، وعلى رأسهم الدكتور الجنزورى نفسه.. الذى جرت فى عهده خصخصة الشركات وبيع شركة المحمول والتكويش على السلطة وصراع أبناء المسؤولين فى الحصول على الرشاوى لتسهيل الاستيلاء على المال العام.. وأيضا الدكتورة فايزة أبو النجا التى كانت وزيرة لمدة عشر سنوات مع مبارك وتفتخر، كما أنها حصلت على عضوية مجلس الشعب عن بورسعيد فى انتخابات 2010 المزورة.. وهناك وزراء آخرون كانوا موظفين كبارا ومحافظين ينفذون تعليمات مبارك وعصابته ومتورطين فى الفساد.. والأحزاب السياسية على غرار حزب الوفد والتجمع، والأحزاب الكرتونية التى صنعها أمن الدولة وصفوت الشريف، وكانت تتوافق مع سياسات الحزب الوطنى ومبارك وينافقونه مقابل الحصول على مكاسب شخصية، كتصاريح إنتاج أدوية أو عضوية بالتعيين لرؤساء الأحزاب فى مجلس شورى «التزوير»، وقد استمرت بعض تلك الأحزاب فى بيع عضويتها وتصاريحها كشقق مؤجرة، كما يجرى الآن فى المرشحين للرئاسة الذين يدفع بعضهم مقابل الحصول على ترشيح تلك الأحزاب.. والنائب العام المستشار عبد المجيد محمود هو الذى عينه الرئيس المخلوع.. ولعله السبب فى ما نرى من ارتباك النيابة فى التحقيقات فى كل قضايا قتل المتظاهرين، وفى قضية مبارك شخصيا وعصابته فى الداخلية.. ورموز النظام الذين نهبوا الأموال.. وحتى نادى القضاة.. فما زال المستشار الزند على رأسه وهو الذى أتى لضرب حركة استقلال القضاء برعاية نظام مبارك ووزيره للعدل الأسبق المستشار ممدوح مرعى، الذى قدمت ضده بلاغات كثيرة فى أثناء توليه وزارة العدل ولم يحدث شىء.. وحتى جماعة الإخوان المسلمين.. فقد كان النظام يحافظ عليها لتكون فزاعة للعالم الخارجى، وكان هناك اتصال دائم بين النظام وقيادات تلك الجماعة، لكن كانت دائما عن طريق أمن الدولة والجماعات السلفية التى كان ولاؤها للنظام، وقد خرجت قياداتها ضد الدعوة إلى الخروج فى ثورة ضد نظام مبارك.. باعتبار أن الخروج على الحاكم حرام شرعا.. وكان يدير تلك المجموعات جهاز أمن الدولة ويؤتمرون بأمر ضباطه.. ومعظم مؤسسات الدولة وشركاتها تدار بنفس الشخصيات التى تدين بالولاء لمبارك وعصابته ولجنة سياساته.. بما فى ذلك السفراء المصريون فى الخارج الذين وضعوا أنفسهم خدما لمبارك وعائلته.. حتى مرشحو الرئاسة المحتملون، هناك الكثير منهم من رجال مبارك جاء بهم لخدمته.. فالفريق أحمد شفيق خدم وزيرا للطيران لمدة عشر سنوات، بعدما أنهى خدمته فى القوات الجوية، وأتى به رئيسا للوزراء لإجهاض الثورة، وأشرف بنفسه على موقعة الجمل.. واللواء عمر سليمان ظل مديرا لمخابرات مبارك لسنوات طويلة منفذا تعليماته.. وحارسا شخصيا لمبارك وراعيا لمصالحه.. ثم أتى به نائبا للرئيس لإجهاض الثورة.. وخرجت الجماهير عندما فوضه الرئيس فى خطابه الأخير بتولى مهامه الرئاسية، رافضة ذلك، رافعة شعار «لا مبارك ولا سليمان مش عايزينه هو كمان»!! ويأتى الآن ليرشح نفسه رئيسا أو يتم دفعه إلى ذلك.. حتى عمرو موسى.. محسوب بشكل قوى على نظام مبارك، ولم يكن يجرؤ على الحديث عن النظام، حتى عندما كان يتم سؤاله عن إمكانية ترشحه للرئاسة لم يكن يستطيع الإشارة أو التلميح إلى ذلك.. فى الوقت الذى كان فيه الدكتور محمد البرادعى قد أسقط قداسة حسنى مبارك ومنصبه الرئاسى.. إنه بقايا النظام.. فلا أمل فى تحقيق أهداف الثورة ودستور مدنى وديمقراطية حقيقية والعيش والحرية والكرامة الإنسانية.. وجرى الاتفاق والتحالف من أجل إقصاء القوى الثورية والخيال المغاير لإقامة دولة مدنية حديثة.. تليق بالثورة والشعب المصرى وبتاريخ وجغرافيا مصر.. ويسقط يسقط حكم العسكر!!