المشكلة ليست فى براءة مبارك، المشكلة فيمَن فوجئ بها، ويعتقد أن عليه الاستمرار فى نفس الأداء والمنهجية! قانونيا، لا يبدو هناك شىء يمكن إثباته وفق نص القانون ليحاكم عليه أحد.. فقد قدمت عمليات اقتحام وحرق أقسام البوليس الغطاء الكافى؟! وثوريا، لم يعد من الممكن ملء الميادين وخروج الناس جحافل تندد وتطالب، فقد أصبحت الثورة لدى كثير من الشعب مطلب مَن لا مكان له، متآمر ضد البلد، يسعى لمصالحه، وقد تكفل أكثر من طرف فى وصول الناس إلى تلك النتيجة: «الإخوان»، بعدما اتضح أن خيارهم الوحيد السلطة أو تدمير البلد.. «النشطاء والثوار»، وقد أتاح لهم الإعلام بكل كرم فرصة تسميم موقف الناس منهم ومن الثورة، فأوضحوا أن لا بوصلة لهم ولا برنامج عمل.. بل مطالب، تجمعات كر وفر، تنتظر رد الفعل؟.. «النخبة»، تسعى فى تخبط، لا رؤية واضحة إلا لمصالحهم، ولا تفوق إلا فى توظيف كل شىء صوب مناصبهم، شهرتهم، ثرواتهم.. «الأحزاب» كلمة مجازية، لا توصف بواقعية حال كيانات تضع اللافتة، هى ليست إلا تكتلات ضيقة تُخَدِّم على أصحاب المصالح من رجال الأعمال، وطالبى السلطة. لا يوجد لدينا حزب يملك أيديولوجية واضحة، يبلور «برنامج عمل» واقعيا وفقا لها، ولا نقصد «ببرنامج الحزب» رص كلام وشعارات وأنشطة نخبوية، بل نقصد عملا وسط الناس يُحدَد وفق حاجتهم ويستجيب لمطالبهم.. وعذرًا.. إلى متى سنلجأ إلى لوم نظام مبارك على هذا الوضع؟ إلى متى سنتشدق بمصطلح مبارك جرّف البلد من الكوادر، جرّف التعليم، جرّف الأحزاب، والحياة السياسية والنخبة. هو قول حق، لكن معناه الوحيد إن كل اللى دوشونا من نخب وأحزاب ونشطاء ليسوا إلا «متجرفين».. جَرف مبارك؟! طيب ليه لازم نضيّع مزيدا من الوقت معهم؟ لماذا يجب أن نسير فى نفس المسارات، ونقول ونسمع ونكرر؟ ومَن يقود؟ المُجرفون أم خريجو تعليم مبارك؟ يجب أن نتخلص من «متلازمة مبارك»، لكى لا تصبح لعنتنا، ولا أقول مسامحته أو نسيان ما وصلنا إليه بفضله، لكن أقول بأن وقوفنا «جميعا» عند نقطة مبارك ونظامه.. ستُبقينا طويلا فى نفس مستنقع. ألم يحن الوقت لطرح سؤال بسيط.. ماذا تحتاج البلد كى تنهض؟ هل وصول أو مغادرة شخص أو جماعة معينة من/ إلى السلطة؟ عفوا، لم يعد يعنينى، بل لم يعد من الممكن أن نستمر بنفس المنهجية والمقولات.. إلا إذا كان هذا كل ما نجيد ونعى. هل أى عمل آخر ثورى، انقلابى، شحن وتأليب الناس، أو حتى توعيتهم بصراع السلطة؟ هل فى أى من ذلك حل لمشكلات البلد أم أن الهرم لا يُصلح إلا من قاعدته لينطلق بناء صحيا؟ إلى متى نتحدث وفقط عن مناصبنا وطموحاتنا «السياسية»، على الرغم من تأكيد السنوات الأربع الأخيرة أننا لا لينا فى السياسة ولا يحزنونك. هل نستمر فى التفرج على الناس تموت مرضا وجهلا وكمدا؟.. نبشرهم بذنب السلطة تجاههم، فنُخلى مسؤولياتنا ونريح ضميرنا؟ ماذا لو توجهت جهودنا نحو بلورة حلول لمشكلة الفقر وإصلاح التعليم والصحة، والعادات والتقاليد التى تنخر فى وعى الناس ولا تزيدهم إلا جهلا؟ هل نعُدُّه دعما للنظام الذى نرفضه أم هو دعم للبلد والناس وبداية خطوات التغيير الحقيقية؟ أؤكد لكم أننا لو ركزنا نضالنا الأيام والسنوات القادمة فى العمل مع الناس، نساعدهم ونحررهم من الفقر والجهل والمرض.. قريبا سيأخذون هم بأيدينا ليخرجونا من متاهتنا وعقدنا السياسية؟! آن أوان تجاوز مبارك، وإصلاح البلد، إصلاحا حقيقيا، أن نفتح فورا ملفى الصحة والتعليم، يليهما كل ملفاتنا المؤجلة.. عمل إن لم نبدأه وننجز فيه خلال السنوات الخمس القادمة، لضعنا وضاعت البلد ومستقبل أولادنا فيه لا قدر الله.