لا يحس بقيمة الإنجاز العظيم الذى حقّقه الأشقاء الأعزاء فى دولة الإمارات العربية منذ نشأتها قبل 43 سنة، مثلما يحس أمثالى من الذين شهدوا لحظات الميلاد الصعب، وتابعوا عن قرب كيف تم بناء هذا النموذج العربى المتقدم من نقطة الصفر. وعندما أقول «من نقطة الصفر» فأنا أعنى ما أقول، حيث كانت سنوات الاحتلال البريطانى الطويلة قد تركت البلاد وهى خارج العصر تمامًا، وكأنها تريد أن تقدّم صورة تذكارية لما يفعله الاستعمار فى الشعوب وما يرتكبه من جرائم نهب واستغلال لثرواتها وقهر لم يفلح فى أن يهزم إرادة الحرية والاستقلال والتقدّم عند شعبنا العربى فى هذه المنطقة، شاءت له الأقدار أن يحصل على استقلاله فى أصعب الظروف، ثم ينطلق بعد ذلك ليحقق ما يشبه المعجزة على شاطئ الخليج العربى. كنت شاهدًا على لحظات الميلاد الصعبة لدولة الإمارات الشقيقة. وتابعت عن قرب المناورات التى تمت والمحاولات المستميتة التى استمرت حتى اللحظات الأخيرة لوضع العقبات أمام اتحاد الإمارات. وكيف نجحت حكمة الشيخ زايد وأشقائه من حكام الإمارات فى التغلُّب على كل ما تم زرعه من ألغام فى طريق الوحدة. ليتم إعلان الدولة وتبدأ المسيرة الصعبة.. والرائعة، التى جعلت منها، فى أقل من أربعين سنة، نموذجًا لما يستطيع العرب تحقيقه من تقدم وازدهار وحداثة لا تخاصم التاريخ بل تعانق أجمل ما فيه. فى الذاكرة لقطات لزايد، رحمه الله، وهو يبدأ من نقطة الانطلاق الأساسية التى سارت بالدولة الوليدة فى الطريق الصحيح، حين قرر أن الاستثمار فى البشر هو الأهم، فوضع الجهد الأساسى فى التعليم، ووفَّر المتطلبات الأساسية من صحة وإسكان، وخاض معركة حقيقية من أجل أن تحصل بنت الإمارات على حقوقها كاملة وأن تكون شريكًا أساسيًّا فى بناء النهضة وصنع التقدُّم. وفى الذاكرة مواقف لا تنسى من الاعتراف بما قدمته مصر من تضحيات على مدى العصور، والإدراك العميق بالمصير المشترك بين مصر ودول الخليج والأقطار العربية، واليقين بأن مصر القوية المستقرة هى «عامود الخيمة العربية» بكل ما تعنيه الكلمة. لم يكن موقف زايد المبدئى والحاسم فى حرب 73 الذى وضع البترول العربى سلاحًا أساسيًّا فى المعركة هو الموقف الأول فى دعم الجهد الحربى المصرى، بل سبقته مواقف عديدة، وتبعته بعد ذلك مواقف أخرى فى معركة البناء، ثم فى رأب الصدع بعد معاهدة السلام. لتتواصل مسيرة التعاون المشترك بين الشعبين الشقيقين فى مصر والإمارات، ولتكون 30 يونيو هى العنوان الحاسم لوحدة المصير فى وجه العدو المشترك، والمؤامرة التى أرادت أن يكون إخضاع مصر هو المدخل الأساسى لإخضاع الوطن العربى كله لحكم الجهالة والتخلف الذى يستخدم الدين الحنيف ستارًا للإرهاب ووسيلة لضياع الاستقلال وضرب الاستقرار وإعادة العرب إلى ظلام العصور الوسطى تحت لافتات فاشية تبدأ من «الإخوان» ولا تنتهى عند «داعش»! بالأمس، أشار رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد إلى العلاقة بين بلاده ومصر، مؤكدًا أن «مصر الناجحة هى بوابة السلام والاعتدال فى الوطن العربى» وهو حديث يترجم تاريخًا طويلًا عرفت فيه مصر مسؤوليتها القومية، وعرفت فيه الشعوب العربية كلها أن التآمر على مصر هو تآمر على الأمة العربية كلها، وأن نهوض مصر هو مفتاح التقدم والأمان لكل العرب. كل الشعوب العربية أدركت ذلك حتى وإن سارت أنظمة عربية فى الطريق المعاكس ووضعت نفسها فى خدمة مخططات الأعداء. نعرف جيدًا أن مصير هؤلاء هو مصير كل الأنظمة التى تحالفت مع الأعداء، أو تنكَّرت للعروبة، أو قدَّمت الدعم للخوارج على دين الله. ونعرف جيدًا أننا نخوض جولة جديدة من معركة طويلة حسم زايد، رحمه الله، إحدى جولاتها حين أعلن أن «البترول العربى ليس أغلى من الدم العربى»، ويواصل خلفاؤه السير على نفس الطريق ونحن نخوض جولات أخرى من المعركة ضد تحالف إخوان الإرهاب مع أعداء العروبة والإسلام. تحية للإمارات فى عيدها الوطنى، وشكرًا لها وهى تقدّم النموذج العربى الأصيل لجيران لها، مرورًا بنفس الظروف، ثم ابتلوا بحكام قادوهم إلى طريق الخطيئة، حيث وقفوا مع إخوان الإرهاب، ووضعوا أنفسهم فى خدمة مَن يستهدفون مصر والعرب. تحية للإمارات فى عيدها الوطنى، ولا عزاء للإخوة فى قطر الذين نالوا استقلالهم فى نفس الظروف ونفس التوقيت، ثم سار حكامهم فى الطريق الخطأ حتى وصلوا إلى التآمر على مصر والإمارات والوطن العربى كله. تحية للإمارات التى بدأت من الصفر، لتقدّم الآن نموذجًا فى التقدّم، وتقف بكل قوة مع مصر وهى تواجه الإرهاب، وتتصدَّى للتآمر، وتنتصر للعروبة، وتعلن أن أمن الخليج العربى خط أحمر.