لم أتوقف يوماً عن الاعتقاد بأن قضية القضايا في المنطقة هي عروبة العرب التي لم تتوقف الحرب عليها يوماً في تاريخنا الحديث. أميركا ودول الغرب اعترفوا بكل القوميات، بل "اخترعوا" قوميات زائفة لكي يخدموا مصالحهم. لكنهم رأوا أن "العروبة "وحدها هي الخطر، وأن الحرب عليها لها الأولوية عندهم. ولهذا لم يتركوا سلاحاً إلا واستخدموه ضدها. زرعوا إسرائيل لتستنزف قوى العرب، ودبروا المؤامرات لزرع الانقسام بين الدول العربية، وجاءوا بالقوميات غير العربية في المنطقة لتتحالف معهم ضد العرب، وعندما احتدم الصراع روجوا أن العروبة ضد الإسلام واستخدموا الفئات الضالة من تجار الدين لمحاربة العروبة. وفي هذا الشأن فإن الوثائق الأميركية تقول إن أول اتصال للإخوان مع الأميركان كان في أوائل عام 1953 وبعد شهور قليلة من ثورة يوليو وعن طريق أحد أقارب المرشد يومها حسن الهضيبي (واسمه محمود مخلوف)، وفيها كان أول عرض من الإخوان بالصلح مع إسرائيل مقابل الحصول على دعم واشنطن. يعني الخيانة قديمة، والعمالة ليست بنت اليوم! العداء للعروبة ظل هو الموجه الأساسي لسياسة واشنطن وحلفائها، والحرب ضد أي تجربة وحدوية عربية كان بندا أساسياً في هذه السياسة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قررت أميركا "اختراع " عدو جديد، وقالت إنه العالم الإسلامي، ولكنها بعد ضرب أفغانستان، تفرغت (مع الحلفاء والعملاء) للعالم العربي. دمرت أميركا العراق وسلمته لنفوذ الدولة الإسلامية التي كانت تعتبرها الأكثر تطرفاً وهي إيران، واستغلت أميركا وحلفاؤها وأذنابها أحداث "الربيع العربي" لتكشف عن مخطط تسليم الدول العربية لحكم "الإخوان" في صفقة تفضح كل ادعاءات واشنطن عن الحرية والديمقراطية، وتؤكد أنها مستعدة لارتكاب كل المحرمات من أجل ان تضرب العروبة التي ارتفعت أعلامها في ميادين التحرير. واشنطن جرت معها دول الغرب لدعم عملية سرقة الثورات العربية لمصلحة الإخوان، وتدمير الجيوش العربية وتفكيك الدول وتقسيمها وإغراقها في حروب طائفية، بينما يمضي المخطط إلى نهايته بتصفية القضية الفلسطينية على حساب العرب، وبالصفقة الجديدة مع طهران، وبإقامة مناطق تمركز للتنظيمات الإرهابية بتحالف "الإخوان" مع "القاعدة ". تكون سيناء، وليبيا وسوريا وغيرها مناطق وتجمع للإرهابيين. ثم جاءت الضربة القاصمة في 30 يونيو، حين خرجت أكبر تظاهرة في مدينة في تاريخ البشرية لتسقط حكم " الإخوان" الفاشي، وحين انحاز جيش مصر. لإرادة شعبها كما فعل منذ بدأ تكوينه في العصر الحديث. ومع سقوط "الإخوان" كانت صدمة الإدارة الأميركية بعد أن خسرت الرهان على "الإخوان" وبعد أن أيقنت أن هذا السقوط يعني سقوط كل المخطط المعتمد لإعادة رسم خريطة المنطقة. وفي الوقت الذي كانت واشنطن فيه تقود التآمر لحصار مصر وتحاول جاهدة تكوين تحالف من الشركاء في أوروبا أو العملاء في المنطقة لمحاولة دعم "الإخوان" كانت الضربة الأخرى من الإمارات والسعودية ثم الكويت والبحرين وغيرها، بالإعلان عن الوقوف مع مصر ضد المؤامرة وتقديم كل الدعم السياسي والاقتصادي لشعب مصر. الأحداث بعد ذلك معروفة. انكشف دور أردوغان وسقطت أحلامه في خلافة تأتي على أيدي تحالف الإرهاب مع المخابرات الغربية، وانفضح دور حكام قطر في دعم الإخوان والعبث بأمن الخليج العربي والتآمر على مصر والتحريض على جيشها، وجاء قرار الإمارات والسعودية والبحرين بسحب سفرائها في الدوحة ليؤكد قرار التصدي للمؤامرة التي أصبحت مكشوفة للجميع، والتي تستهدف الوطن العربي كله. في الطريق إلى القمة العربية، كانت هناك جهود للتهدئة أو المصالحة من جانب الكويت وأطراف أخرى. ولم يكن ممكناً أن تثمر هذه الجهود، لأن القضية هذا ليست خصومة شخصية، أو خلافاً يحتمل الحلول الوسط. القضية هنا هي أمن الخليج العربي وأمن الدول العربية كلها. والخيار لا يحتمل إلا أحد أمرين: أن تكون جزءاً من أمن الخليج العربي، أو تكون شريكاً في المؤامرة على حاضر العرب ومستقبلهم. القمة العربية القادمة لابد أن تكون مرحلة حاسمة في العمل العربي المشترك. قطر في هذه القمة ليست إلا تفصيلة صغيرة في القضية الرئيسية التي لابد أن تفرض نفسها على القمة وهي : كيف نواجه المؤامرة على العرب. على كل الدول العربية أن تحدد موقفها.. هل ستكون جزءاً من الحرب العربية ضد الإرهاب، أم ستكون داعمة لهذا الإرهاب كما فعلت قطر؟ وهل ستكون جزءاً من المواجهة العربية للمؤامرة التي تستهدف إغراق المنطقة في الحروب الطائفية وتقسيمها وفقاً لمصالح أعدائها، أم ستظل جزءاً من هذه المؤامرة ضد الأشقاء لحسابات خاطئة وارتباطات لا علاقة لها بصحيح الإسلام ولا بعروبة تمتد عبر التاريخ وتمتد إلى الحاضر والمستقبل؟ الموقف الآن لا يحتمل المجاملات أو المواءمات التي عودتنا القمم العربية عليها. الوطن العربي كله يتعرض لهجمة غير مسبوقة. الإرهاب يضرب بكل قوته، والتآمر لإشاعة الفوضى وتفكيك الدول مستمر، وأميركا وحلفاؤها صامتون بينما الخطر النووي يهدد العرب، والمواجهة هي الفريضة الواجبة على الأمة العربية، وعلى القمة العربية أن تكشف كل شيء، وأن تعلن أن الحرب على الإرهاب لن تتوقف إلا باستئصاله، وأن مواجهة المتاجرين بالدين وكشف خيانتهم لأوطانهم أمر لا رجعة فيه، وأن التصدي لمؤامرة تقسيم العالم العربي وتفكيك دوله مبدأ ثابت، وأن أي حكم يشارك في المؤامرة هو خائن لوطنه وللعروبة والإسلام، وأنه يكتب مصيره بيده حين يتحالف مع عصابات الإرهاب ويضع نفسه في خدمة المتآمرين على الأمة العربية، متصوراً أنهم سيحمونه من غضب الشعوب، والمستقبل يصنعه من اختاروا المواجهة ورفضوا أن يمدوا أياديهم لمن يدعم الإرهاب ويشارك في المؤامرة ويعبث بأمن الوطن العربي، متصوراً أن المجاملات والمواءمات يمكن أن تظل أسلوباً معتمداً في وقت تتعرض فيه الأمة لأفدح الأخطار. نقلا عن جريدة " البيان" الاماراتية