راجي فرج فى كل مرة يخرج وزير الكهرباء ويتكلم عن رؤيته لحل أزمة الكهرباء، أراه شخصًا يريد الذهاب من القاهرة إلى شرم الشيخ راكبًا دراجة ضعيفة. يحاول أصدقاؤه العالميون مع صعوبة وطول الطريق إقناعه بأن رحلة كهذه تحتاج إلى سيارة قوية، لكنه يصر على استخدام الدراجة معللا ذلك بارتفاع ثمن إيجار السيارات، بينما إيجار الدراجة منخفض للغاية. من بين أساليب عديدة لتوليد الطاقة من الشمس هناك نوعان هما الأوسع انتشارًا. الأول هو ألواح معدنية كيميائية تنتج الكهرباء مباشرة نتيجة تعرضها لضوء الشمس، تسمى PV، أو الفوتوفولطية أو الكهروضوئية أو الألواح الشمسية. أما الثانى فهو محطات مكونة من مرايا تركز حرارة الشمس على بؤرة ثم يتم تحويل الحرارة إلى كهرباء -أو استخدام الحرارة مباشرة- وتسمى CSP أو الطاقة الشمسية المركزة أو الحرارية. وسنكتفى بتسمية الأول «الخلايا الشمسية» والثانى «المحطات الحرارية» لعدم التباس المعنى. مصر وليبيا هما الأعلى عالميا فى إمكانية إنشاء المحطات الحرارية حسب عدة دراسات، أهمها دراسة وكالة الطيران والفضاء الألمانية، لكن وزير الكهرباء يتوسع فى الخلايا الشمسية التى تضعف إمكانيتها، ويقل عمرها الافتراضى عندما تزيد حرارة الجو على 28 مئوية، وتتلف تماما دون إعادة لتصنيعها إذا بلغت الحرارة -فى الشمس وليس الظل- 55 مئوية، وحكومتنا الرشيدة تخطط لإنشاء وحدات عملاقة منها بالأقصر وأسوان! تعانى مصر من أزمة طاقة فى ساعات الذروة من السادسة إلى العاشرة مساء. فيفتح السيد الوزير تعريفة الشراء من الخلايا الشمسية التى تنتج حتى الرابعة فقط، ويستحيل تخزين الكهرباء على مستوى شبكة إلى المساء. بينما يغلق الباب أمام المحطات الحرارية التى تستطيع تخزين الحرارة حتى 14 ساعة، وذلك فى شمس إسبانيا، فما بالنا بمصر؟ فليس غريبًا أن نجد السادة الوزراء يصرحون بشكل شبه أسبوعى أن «الطاقة الشمسية غير كافية». يحتاج تصنيع المحطات الحرارية إلى صناعات متعددة كثيفة العمالة، ويمكن تصنيع ما لا يقل عن 20- 40% من المحطات الحرارية محليا، مثل محطة كوم أمبو التى ألغاها مجلس الوزراء، الذى يتفاخر ليل نهار بتركيب الخلايا الشمسية فوق الوزارات، والتى بالكاد تكفى فى ظروف مصر أن تنير لمبات الهيئات الحكومية. تصنيع الخلايا الشمسية عملية معقدة جدا، ومع دخول الصين لهذه السوق فى 2010 أصبح التنافس فيها شبه مستحيل، لأنهم اعتمدوا على الإنتاج الكثيف، فضاعفوا الإنتاج من 2012 إلى 2013 (خلال سنة)، حتى إن شركات خلايا شمسية كبيرة أوروبية بدأت إجراءات الإفلاس. فالسوق العالمية الآن مشبعة بالخلايا الشمسية التى لا تجد أسواقًا كافية لاستيعابها حتى لا ينخفض السعر أكثر. هذا يتشابه تماما مع وضع سوق الفحم العالمية وشركات إنشاء المحطات النووية، كلاهما يحتاج إلى زيادة فى الطلب حتى لا ينخفض سعره. فما أسهل استغلال الدول التى لا تعتمد حكوماتها على الدراسات العلمية وتصدق أى أرقام أو أنصاف حقائق تعرضها عليها الشركات العالمية. على الناحية الأخرى، مصر المتأخرة فى البحث العلمى ليست بعيدة تماما عن السياق العالمى فى هذا المجال، فهناك برنامج REMENA لدراسات الطاقات المتجددة بين جامعة القاهرة وجامعة كاسل بألمانيا، وهناك قسم لدراسات الطاقة المتجددة فى هندسة عين شمس، وفى الجونة بالغردقة هناك فرع من جامعة TU برلين الألمانية، أهم ما تقدمه هى برامج ماجستير للطاقات المتجددة، هذا بجانب اهتمام جامعة زويل وجامعة هليوبوليس وغيرهما بهذا المجال. خريجو هذه البرامج ومعهم العديد ممن درسوا الطاقات النظيفة بالخارج لن يقفوا مكتوفى الأيدى يشاهدون الخلايا الشمسية المستوردة تنير مكاتب السادة الوزراء، بينما لا يتم ذكر المحطات الحرارية التى يمكن أن تحل مشكلة الكهرباء فى أقل من خمس سنوات بحد أقصى. لن يظل الخريجون متوفرين أمامنا إنما سنجدهم متوفرين أمام سفارات دول أخرى تحسن استغلال العلماء. لكى نفهم أهمية هؤلاء الشباب -الذين بدؤوا الهجرة بالفعل- يجب أن نعى صعوبة مجاراة الغرب فى صناعات تخطت القرن مثل السيارات، سيكون من الأسهل نسبيا مجاراتهم فى تكنولوجيا أحدث. تكنولوجيا الخلايا الشمسية تتقدم منذ أزمة البترول فى 1974. أما المحطات الحرارية فعلى الرغم من أن عمر الفكرة تعدى القرن، وأن أول محطة قد بنيت فى الثمانينيات، فإنها ظلت وحيدة حتى قامت ثورة فى مجال المحطات الحرارية بعد عام 2000. وما زال الخبراء والشركات العالمية يتوقون إلى العمل فى مصر نظرا إلى إمكاناتها الشمسية العظيمة. إلا أن السادة الوزراء ربما يريدون أن يعطوا الصين هذه الفرصة، ولعلنا نجد فرصة أسهل فى القرن القادم. للخلايا الشمسية عدة مزايا، مثل الدراجة، لكنها ليست الحل لأزمتنا. ما زلت أرى السيد وزير الكهرباء يستقل دراجته ونحن معه، محاولا الوصول إلى شرم الشيخ. ستنهار الدراجة ولن يجد سيادة الوزير ما يقلنا إلا شاحنة كبيرة محملة بالفحم، لكنها لن تذهب بنا إلى شرم الشيخ أو إلى مصر التى نريدها، بل إلى مستشفى الأمراض الصدرية.