هل عادت السيدة إلى بيتها سعيدة؟ هل فى طريق عودتها إلى البيت ملأت أذنيها أغنيات مسلسل «الرجل العناب» فى حب «مصر»، التى سيطرت على خاطرها وهى تشترى من المحل المشهور بصناعة الحلوى الإفرنجية؟ السيدة من الطبقات العليا/ تجيد الاستماع أو التنصت بالإنجليزية، وفى محل الحلوى التقطت خيط المؤامرة/ رجل أجنبى يقترب من الستين وشابتان فى مقتبل العمر يتحدثون بالإنجليزية/ الفرنسية/ العربية.. عن أحوال مصر.. بالتأكيد إنها «مؤامرة..»، بالتأكيد إنهم «جواسيس» يخططون لإسقاط مصر.. بالتأكيد إنها مثل أفلام الأستاذة نادية الجندى ستنقذ مصر وتطير بما سمعته إلى فرق الشرطة المنتظرة فى الشوارع لسماع الوشايات. هذا ما فعلته السيدة الوطنية المخلصة/ المقيمة فى أحضان طبقتها وتهوى الاستماع إلى المذيع الزومبى/ ومن المتيمات بالشرشوح والمخبر، وكل هذه الصفوة المختارة التى تعزف فى جوقة «الوطنية». هى سيدة تعرف أن حرس سفارتى أمريكا وبريطانيا ليسوا مجرد حرس/ لكنهم أجهزة تلقى وشايات/ تكمن فى غيطان ذرة جاردن سيتى لتصطاد صناع المؤامرة المدبرة فى «لابوار».. وما أدراك ما «لابوار»... حيث يستقر بجوارها قوة الحراسة التى ليس من مهماتها التحرى أو التحقيق أو التدقيق فى وشايات أو روايات من نتاج حمولة الهستيريا فى رأس السيدة الفارغة، إلا من قوائم استهلاكها ومواعيد برامج الجوقة وصراعاتها فى السباقات الحريمى على ميداليات الطبقة العليا.. العليا جدا. وشاية السيدة تحولت إلى سبب احتجاز الرجل والفتاتين.. وانتظرت القوة لحظة الخروج لمباغتتهما ووقف المؤامرة وإنقاذ مصر، كما أنقذها الرجل الشرطى فى مسلسل «الرجل العناب». لماذا تنشغل فرقة حراسة سفارات بتوقيف أشخاص أبلغت عنهم سيدة أصابتها الهستيريا بخيالات مرعوبة، وثقبت أخلاقها بما يجعلها تشعر بأن وشايتها نوع من الأعمال الوطنية التى تساوى ما قام به أبطال سابقون يمجدهم الزومبى فى حلقاته اليومية، وينشرها الإستراتيكيون كلما ظهروا على الشاشات، إلى درجة وصلت بأحد هؤلاء الإستراتيكيين إلى الصراخ بكل ما يملك من شرخة فى الحنجرة: «مصر تحارب العالم..»، مع تنهيدة استعارها بالتأكيد من صاحبة صرخة «وا معتصمااااه».. وفرقة الحراسة بعد نسيانها مهمة الحراسة وغرقها فى مهمات «الرجل الشرطى» اكتشفت أنها أوقفت رجلا مهما. هو رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» الشهرية، التى تصدر بعدة لغات إلى جانب لغتها الفرنسية، وبسبب طبيعتها تتمتع الجريدة بمساحة حرية خارج توازنات المال والسلطة فى فرنسا. أبوه هو هنرى كورييل، أحد المؤسسين الأوائل لليسار المصرى (أهدى قصره فى الزمالك إلى ثوار الجزائر ضد الاحتلال الفرنسى، ليجعلوه سفارتهم فى القاهرة..)، وهو غارق غارق فى تفاصيل العالم العربى، وأحد المدافعين عن الحقوق الفلسطينية فى مواجهة طغيان لوبى صهيونى قوى يتحكم فى الإعلام الفرنسى والأوروبى عموما. وهذا لم يكن سر أهميته بالنسبة لأجهزة اهتمت أصلا بالوشاية.. والتنصت، لا بالأمن والمعلومات، «هناك فرق بين التنصت والمعلومات.. وبين الحماية وفرض السيطرة بالاستثمار فى رصيد الخوف». ربما يمكن تخمين مشاعر السيدة صاحبة الوشاية وتخيل الفخر الذى حملته معها إلى التليفون، أو إلى مجالس تلوك ذكريات أيام العفن المباركى باستمتاع ولذة. كما يمكن توقع رد فعل القيادات الملولة من الضجة المصاحبة لحكاية من حكايات فوبيا الخوف من الأجانب، والإحراج بسبب قيادات وسيطة، وغيرها من مشكلات مرتبطة بالهرم الوظيفى وصورة الأجهزة ليس إلا. لكن بِمَ تشعر أنت عزيزى المستمع إلى الحكاية أو القارئ عنها.. وتقيم بعيدا عن طبول الهستيريا التى تدق فى كل مكان؟ ماذا ستقول لك هذه الحكاية؟