تركيا فى الماضى كانت إمبراطورية عظيمة.. جيوشها غزت أوروبا والشرق الأوسط، وصولًا إلى مصر.. ثم جاءت خرام.. الزوجة الأوكرانية لسليمان القانونى، فلعبت بعقله، ودفعته إلى قتل مصطفى ابنه البكر، حتى يجلس ابنها محمد على العرش.. وكان لها ما أرادته.. وبسبب حلمها بدأت مرحلة انهيار الإمبراطورية العثمانية، وعصر القرارات الخاطئة، والقرارات غير المناسبة، فى الأوقات غير المناسبة.. فى الحرب العالمية الأولى، وفى سبيل السعى لحلم استعادة الخلافة والمجد، انضمّت تركيا إلى ألمانيا.. وانهزمتا معًا.. وضاع الحلم، وتحوّل إلى كابوس، امتد لسنوات، تمرّدت خلالها الدول الخاضعة لسيطرة تركيا المهزومة، حتى هزمتها هزيمة ثانية، بثوراتها، وتحرّرها.. وفى الحرب العالمية الثانية انكمشت تركيا، ولم يأتِ لها ذِكر.. ولكن حلم استعادة الإمبراطورية والخلافة ظل كامنًا فى الأعماق.. وفى الألفية الثالثة، تجدّد الحلم، مع صعود الإخوان، الذين طوّروا الحلم كعادتهم، فصار حلم خلافتهم هم، وهذيان أستاذيتهم للعالم، من خلال تركيا، وبنوا الآمال العريضة، مع سقوط النظام الأسبق، وصعود الإخوان إلى السلطة.. كبر الحلم وتعاظم، وامتزج بقلة الأدب والتجرمة والغطرسة والتعالى، والسعى لكسر أنف الشعب المصرى، وقهره، وتدريبه على الخضوع لهم، والركوع أمامهم، وتسليمهم كرامته وحريته ووطنه ووطنيته، والسجود لحلمهم المجنون المتعالى المختل.. ولكنهم، ولأنهم اعتادوا من أتباعهم معاملة العبد الذليل للسيد المطاع، واعتادوا تقبيل الأيادى والسمع والطاعة، وإغلاق العقول وتعمية البصيرة، ونقل الألسن من ببغاء إلى آخر، تصوّروا أن مصر ستقف مكتوفة الأيدى، ذليلة منكسرة خاضعة، تقبّل أيدى الخونة، كما يقبّلها أتباعهم المغيّبون.. وكان قرارًا آخر من القرارات الخاطئة الغبية غير المناسبة، التى تصدر فى الأوقات غير المناسبة.. فالشعب الذى خرج على التوّ من ثورة، لم تبرد نارها بعد، يستحيل أن يسكت على ديكتاتورية جديدة مختلة مسعورة، تسعى لاستعباده.. ثار الشعب، وخرج بالملايين يركل حلمهم المجنون، بأوسخ أحذية قديمة لديه، ويملأ الشوارع والميادين، فى طول مصر وعرضها، ليطرد حلمهم، ويحوّله إلى أسوأ وأبشع كوابيسهم.. وكان من المستحيل أن يتقبّلوا العودة مرة أخرى إلى القاع، الذى ينتمون إليه، ولا يستحقون سواه.. وكان من المستحيل أكثر أن تحتمل تركيا ويحتمل أردوغان ضياع الحلم، بعد أن صار قاب قوسين أو أدنى.. وهكذا كشف الإخوان وجههم القبيح، الذى يكره الوطن الذى أرادوا حكمه، ويبغض جيشه وشرطته وعلمه وشعبه.. كشفوا عن كراهيتهم وغضبهم وغلّهم وحقارتهم ونذالتهم.. وخيانتهم.. وكشف أردوغان عن مقته وسخطه، وحلمه القديم، واختلّت موازين فكره، فلم يعد يفرّق بين مشاعره الشخصية ومصلحة وطنه.. الحلم الذى تحوّل إلى كابوس أخل بعقولهم، وأتلف أمخاخهم، وعطّل حبالهم العصبية.. ولكنه فى الوقت ذاته حقّق لهم جزءًا من الحلم.. فعبر أكبر حالة إنكار للواقع عرفها التاريخ، نالوا أخيرًا أستاذية العالم.. فى الغباء.